كتب : مطيع دماج : رحم الله المساح وروحه التي لم تتلوث

منذ 11 أيام

عندما وصلني نبأ موت المساح رأيت وجه أبي أولا ثم جاء وجه الاستاذ محمد العم محمد قادما من القلب لا الذاكرة ، ليملأ مساحة عقلي كلها : الوجه المتوج بابتسامة واضحة لا توارب ولا تمنح نفسها إلا لمن تبتسم روح المساح لهم ، الخطى السريعة التي تترك الظل يلهث مقتفيا زخم الجسد النشيط  الفوار ، و اللهجة القروية النقية التي نجت  دون خدش من  مخلب المدن المستعجلة بابناءها الباحثين عن تفوق متوهم في السخرية من لسان القرى ، ربما احتمت لهجته تلك بالامتلاء الفريد بمعنى القيم و الحقيقي وبفعل شخصيته النقية الذات بلا ذرة غطرسة أو نفاق والصلبة التي لا تهب الصراع والمسالمة التي تطمئن وتُطمئن في آن

كلما غيب الموت روح عظيمة ، يتنفس الحزن وتسيل الكلمات الحبيسة و المراثي التي غالبا ما تكون بكاء النفس على النفس

والمساح قبل أي شيء هو روح عظيمة لم تتلوث : روح لم تعرف الكذب أو الزيف ولا الخوف أو النفاق

روح عرفت من الحزن أقساه ومن الخسارات أفدحها الإ انها في الطريق الوعر إلى واحة الله لم تتلوث

 والحقيقة أنني خلتني وحدي من خاف من رغبة رددتها المراثي وظنت أنها تصنع خيرا باختزال  المساح في دور المبدع الضحية

لكن ما قاله سهيل ابن المساح في تأبين الاستاذ محمد كان رفضا أصيلا لذلك فحقيقة المساح  كما اختزلها سهيل    أشبه بأغنية ثورية خالدة تدعوا للتمرد والغضب  المساح سيرة تستحق أن تروى وبين أصدقاءه الاحياء من يمتلك تفاصيل سيرته : المساح الطالب النقابي الشجاع ، المساح المناضل الصلب القابض على قضيته بلا مهادنة ، المساح الصحافي الفريد منذ عين الكاميرا إلى لحظة يا زمن، المساح الكاتب الموقف منذ صنعاء مدينة صغيرة والعسس في أول الطريق وحتى يومه الأخير

والمساح القارئ الذي لا يضاهى يتشرب ويتمثل بشغف خالد الثقافات الإنسانية المختلفة ولا يغيب أبدا عن ذاكرتي حديثه يوما مع أبي في بيتنا عن الهنود الحمر  انتهى به منشدا ، بأداء وقف له شعر رأسي ،قصائد و ترانيم ونصوص دينية للهنود الحمر

كان مقلا في خوض النقاشات لكن حين تأنس نفسه بمن يحب تنداح منه معارف ساحرة و نصوص نادرة

أتذكره يتعلم اللغة الفرنسية في منتصف التسعينات مرددا كثيرا من الجمل المموسقة التي خلبت لب الشاب الذي كنته ذات يوم

 المساح سيرة يجب أن تروى فهي الدليل على عظمة روح الإنسان التي تستطيع أن لا تتلوث رغم القهر والتجويع و اختفاء الابن الذي له وقع الرصاصة في قلبٍ أحب الناس و اختارهم كقلب المساح

 كان المساح واحد من أقرب الأصدقاء إلى قلب أبي و السر في ذلك لم يكن متاحا لنا للأسف

فهما شخصان كتومان حين يتعلق الأمر بالحديث عن النفس

كانوا ارواح صافية لم تتلوث

رعوا مبادئهم  دون كلل وانتموا لوطنهم بلا تردد وعاشوا بين الناس و مثلهم

 رحم الله الاستاذ محمد  ، رحم الله العم محمد

رحم الله المساح  وروحه التي لم تتلوث