أحمد حوذان : ثورة أكتوبر... مجد لايمحى ومعركة لا تزال مستمرة

منذ 8 ساعات

 لا يظن أحد أن ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر جاءتا من فراغ أو كانتا لحظة مفاجئة في تاريخ اليمن؛ فهُما ثمرة تضحيات جسام ودماء طاهرة سكبت في جبال اليمن وسهوله ووديانه، شمالًا وجنوبًا

من يجهل عظمة ثورة أكتوبر أو يشكك في أثرها، فهو يتجاهل تاريخًا نضاليًا مجيدًا صنعه رجال ونساء لم يكن أحد يتصور ما يمكن أن يقدموه من بطولات في سبيل الحرية

قبل أن تنعم الأجيال الحالية بالتعليم، والمستشفيات، والطرق المعبّدة، ونافذة الحرية والديمقراطية، كانت هناك أجيال عاشت القهر والجوع والمرض تحت حكم الإمامة شمالًا، والاستعمار البريطاني جنوبًا

كانت المرأة اليمنية، التي قد يُتوقع منها الضعف، في مقدمة الصفوف؛ خرجت لا من باب الفخر فقط، بل من باب الظلم والقهر والحرمان، تقاتل إلى جانب الرجال في ساحات الشرف

سطّرت المناضلتان عائدة ونعمة وأخواتهما ملاحم خالدة ضد المستعمر، وقدمْنَ أرواحهن فداءً للوطن بعد معارك طويلة ضد الإمامة والاستعمار، لتثبت المرأة اليمنية أنها شريك حقيقي في صناعة التاريخ

 إنها صفحات من نور لا يجوز أن تُطوى، بل يجب أن تُقرأ بعين الفخر والوعي

فمن لا يعرف تاريخه، لا يستطيع أن يصنع مستقبله

  لم تكن ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م في جنوب اليمن مجرد انتفاضة محلية ضد الوجود البريطاني، بل شكّلت منعطفًا حاسمًا في مسار اليمن والمنطقة بأسرها، إذ مثّلت لحظة التقاء الإرادة الوطنية على ضفتي الوطن، شمالًا وجنوبًا، لتشعل مسار التحرر الوطني ضد الاستعمار والإمامة معًا

 لقد نضجت إرهاصات هذه الثورة في الشمال، خاصة بعد تفجير ثورة 26 سبتمبر 1962م ضد النظام الإمامي الكهنوتي، إذ احتضنت مدن صنعاء وتعز وإب والحديدة الفكر الثوري الجنوبي وكانت مراكز للتخطيط الأولي للكفاح المسلح

ومن هناك، انطلقت اجتماعات القادة والمناضلين لتأسيس خلايا وجبهات ثورية مثل “العاصفة العدنية” و“جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل”

وكان اجتماع دار السعادة في صنعاء في فبراير 1963م نقطة التحول الحاسمة، إذ تم تبني خيار الكفاح المسلح بقيادة حركة القوميين العرب

 وفي الخامس من يونيو 1963م أعلنت الجبهة القومية رسميًا قرارها بالثورة، لتتحول جبال ردفان إلى مهد الانفجار الكبير

هناك، رفض الشهيد راجح بن غالب لبوزة الإنذار البريطاني بتسليم السلاح، فاختار المواجهة في وادي المصراح يوم 14 أكتوبر، ليسقط شهيدًا، لكنه أشعل نار التحرير التي امتدت حتى تحقق الجلاء في 30 نوفمبر 1967م، معلنًا ميلاد جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية

  وبعد مرور اثنين وستين عامًا على انطلاق الشرارة، يجد الأحفاد أنفسهم في معركة جديدة مع الإمامة، لكن بثوب مختلف

فاليوم، تحاول مليشيا الحوثي الإرهابية إعادة اليمن إلى عهود الظلام، عبر مشروع طائفي عنصري يسعى لتقويض الجمهورية، وطمس الهوية الوطنية الجامعة، وإحياء سلطة السلالة والفرد

 منذ انقلابها على الدولة في سبتمبر 2014م، عملت هذه المليشيا على تفكيك المجتمع وفرض نظام استعلائي، مستنسخةً أساليب الإمامة القديمة: تغيير المناهج، تجنيد الأطفال، نهب الثروات، قمع الحريات، وتحويل العاصمة صنعاء إلى مركز لتقديس الحاكم

لقد تحولت حياة اليمنيين تحت سيطرتها إلى سلسلة من المعاناة والقهر، في مشهد يعيد إلى الأذهان عصور الإمامة التي ظن اليمنيون أنهم ودّعوها إلى غير رجعة

 ومع كل ذلك، تبقى روح سبتمبر وأكتوبر حيّة في وجدان اليمنيين

كما توحد الأجداد لمواجهة الاستعمار والإمامة، تتوحد اليوم إرادة الأحرار لمواجهة المشروع الحوثي الطائفي

وفي استطلاع لإذاعة صوت المقاومة، أجمع ناشطون وأكاديميون من مختلف المحافظات على أن ثورة 14 أكتوبر هي الامتداد الطبيعي لثورة 26 سبتمبر، وأن معركة اليمنيين اليوم ليست سوى فصل جديد من فصول الصراع التاريخي بين مشروعين متناقضين: إنّ ثورة 14 أكتوبر ليست مجرد ذكرى سنوية، بل صرخة وعي ووقود لاستنهاض الأجيال في معركة الحاضر

فكما لم تكن انطلاقتها صدفة، لن يكون استمرارها نسيانًا

إنها إرث خالد وسلاح معنوي في وجه كل من يحاول تمزيق الهوية الوطنية أو إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء