أحمد عباس : إيران والوهم الإمبراطوري 

منذ يوم

أحمد عباس لم تكن إيران بعد ١٩٧٩ تسعى لبناء دولة داخل حدودها بل حاولت استدعاء ماضيها الإمبراطوري الذي قوّضه العرب المسلمون إلى الأبد، فلم تجد حلا إلا أن تحاول إعادة  تشكيله بلباس ديني طائفيّ مموّه بشعارات الثورة والمستضعفين

كان حلم الجمهورية لا يناسبها وإنما اضطرت لاستخدامه حتى تتمكن من إحياء إمبراطوريتها الغابرة بشكل تتقاطع فيه العمامة مع التاج الفارسي وتتمدد فوق ركام  الدول باسم الولاية حينا وباسم نصرة القضايا حينا آخر وهذا لم يكن سرا تخفيه، فقد أعلنته منذ أول يوم وأصبح جزءا من دستورها وأدبياتها، وعندما أُطلقت أولى رصاصات الحرب بين العراق وإيران في مطلع الثمانينيات لم يكن صدام حسين مدفوعا بنزق طائفي أو طمع حدودي بل بهواجس أمن قومي عربي خالصة يستشعرها أي قائد مخلص لبلده وأي دولة تريد الدفاع عن شعبها ومصالحهاوأدرك العراق آنذاك أن ما خرج من طهران بعد سقوط الشاه لم يكن مجرد نظام جديد بل مشروع عابر للحدود اسمه تصدير الثورة وكان العراق بجيوشه وسياجه الشرقي أول حائط صدٍّ في وجه هذا الطوفان

لقد نجح صدام لثماني سنوات في تأخير تمدد هذه الثورة خارج حدودها وكبح جماحها في مهدها ولكن خطأه التاريخي بل الكارثة التي تساوي في مآلاتها السياسية نكسة ٦٧ كانت في احتلاله للكويت وسواء كان خطأ منه أم تم استدراجه فالنتائج هي نفسها فقد فتحت البوابة التي كانت مغلقة بإحكام واستطاعت إيران الدخول إلى المشرق العربي بكل طموحاتها واستيقظ العرب على هلال فارسي تشكل من بغداد إلى صنعاء مرورًا بدمشق وبيروت

أنا كيمني أعيش جحيم هذا الطموح الإيراني المدمر الذي تقاطع مع جنون شرذمة من أبناء اليمن الذين كنا نحسب أن الثورة والجمهورية قد أنستهم الخرافات والعُقد التي ورثوها، رأيت ذلك في شوارعنا المدمرة وقرانا المحاصرة وفي موتنا اليومي وفي اختطاف عاصمتنا وتحويل الدولة إلى ذيل في عباءة الولي الفقيه

لقد عايشت الوجه الدموي لإيران لا كشعارات بل كميليشيا، رأيت كيف يُختطف التاريخ والجغرافيا والمذهب والسلاح لخدمة مشروع مدمر هدفه تذويب الهويّة اليمنية وتكريس الهيمنة الفارسية تحت لافتة التشيّع السياسي

لذلك حين تضرب إسرائيل مواقع إيرانية في طهران لا أجد في نفسي الحرج أن أبدي سعادتي الغامرة بذلك فقد ضُرب من يقتلنا، ويدمر أوطاننا، ويريد تغيير مصائرنا، وسلخنا من عروبتنا التي نشكل قلبها

وإذا كان صعبا على البعض أن يفهم هذه المفارقة فعليهم أن يضعوا أنفسهم مكاننا وأن يعيشوا تحت سلطة الكهنوت الحوثي ويذوقوا مايذوقه اليمنيون من نفي ودم ودمار وما هو أشد من ذلك، إسرائيل ليست ملاكا، ولم ننس جرائمها في فلسطين لكنها بالنسبة لنا نحن في اليمن خطر ثانوي مؤجل بالمقارنة مع الخطر الإيراني الذي هو خطر وجودي نكتوي بنيرانه كل يوم، من حق كل عربي أن يُصنف أعداءه بحسب الأولوية والخطر، فمن كان في غزة ربما يرى في إسرائيل جحيما مباشرا،  ومن كان في صنعاء يرى في إيران غولا يلتهم بلده وماضيه ومستقبله، هذي هي السياسية وهذه هي طبيعة الحياة

نحن أبناء معركة حقيقية لا وقت للتنظير والنفاق السياسي، ونحن نُحدّد بوصلتنا لا من خلال الانتماء المذهبي بل من دمائنا التي سالت وأرضنا التي استبيحت وبلدنا الذي تحول لسجن كبير في مناطق سيطرة الحوثي

نعم أنا كيمني أقولها دون مواربة، ودون تردد الضربات التي تتلقّاها إيران وأذرعها في أي مكان هي ضربات في صميم من قتل أحلامنا، ولسنا مضطرين أن نتماهى مع معارك الآخرين بينما تُشوى أوطاننا في فرن الثورة الخمينية وسراديب ملالي طهران وأذنابهم