أسامة خالد : فشل جماعات الإسلام السياسي في الحكم ( محاولة قراءة في الواقع اليمني )
منذ 7 ساعات
أسامة خالد أثبتت تجربة جماعات الإسلام السياسي خلال العقود الماضية أن نجاحها في ساحة المعارضة لا يعني بالضرورة نجاحها في إدارة الدولة
فقد أظهرت التجارب العربية بدءا من مصر وتونس مرورا بالمغرب ووصولا إلى اليمن هذه الحركات تمتلك خطابا ثوريا جاذبا في مواجهة السلطة لكنها تفشل بمجرد أن تتحمل مسؤولية الحكم وذلك لغياب رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية متكاملة قادرة على التأقلم مع التغيرات الداخلية والخارجية
تتقن الجماعات الإسلامية دور المعارضة الأبدية حيث تستخدم خطاب تعبوي قائم على المظلومية ومقاومة الاستبداد والظلم والفساد و هذا الخطاب يمنحها زخما شعبيا ويجعلها تنظر إليها كقوى مخلصة
غير أن التجربة أثبتت أن هذه الجماعات عند انتقالها من موقع المعارضة إلى موقع السلطة تصطدم بواقع الدولة الحديثة ومتطلباتها المعقدة
فالانتقال من خطاب الشعارات إلى إدارة الملفات المعقدة كالإقتصاد والعلاقات الدولية يحتاج إلى خبرة مؤسسية وفكر سياسي مرن وهو ما تفتقر إليه هذه الجماعات في الغالب
من المهم التأكيد على أن فشل الجماعات الإسلامية او كما يسميها البعض جماعات الاسلام السياسي لا يعني فشل الإسلام كدين أو منظومة قيمية
الإسلام دين شامل صالح لكل جوانب الحياة ويعمل لتنظيم حياة الناس لكن تحويله إلى برنامج حزبي ضيق جعل هذه الجماعات تحتكر الحديث باسمه فتخلط بين قدسية الدين وبشرية التجربة السياسية
المشكلة تكمن في أن هذه الجماعات لم تطور رؤية فكرية أو سياسية تواكب متغيرات العصر وبقيت أسيرة لأدبيات قديمة ولخطاب لا يتناسب مع عالم يتغير بسرعة بفعل العولمة والتكنولوجيا والتحولات الاقتصادية العالمية
وهنا يتسال المدون العربي عماد السامرئي لماذا وكيف صنع العرب المسلمون الاوائل ارقى حضارة عرفتها البشرية واقاموا احدى اقوى واوسع الامبرطوريات في التاريخ بينما عجز العرب المسلمون المتأخرون بكل انواعهم تقديم شيء يذكر لانفسهم ولشعوبهم وللتاريخ وللبشرية؟يعد حزب التجمع اليمني للإصلاح ممثلات للإخوان المسلمين في اليمن مثال بارز على هذا الإشكال
فالإصلاح كان لاعبا مؤثرا وناجحا في المعارضة حيث عرف كيف يستثمر النقمة الشعبية على نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح ويقدم نفسه كبديل سياسي لكنه حين اقترب من السلطة بعد 2011 فشل في بناء مشروع دولة حقيقي وانغمس في صراعات النفوذ والتحالفات الضيقة مما أدى إلى تآكل صورته وفقدان حاضنته الشعبية وهذه التجربة تكشف أن جماعات الإسلام السياسي في اليمن مثل غيرها في العالم العربي لم تستوعب متطلبات الشراكة السياسية ولم تقدم نموذجا حقيقيا للحكم الرشيد بل أصبحت جزءاً من حالة الانقسام والفوضى التي تعيشها البلاد اليوم
لم يكن فشل الحوثيين أقل وضوحا بل يعد من افشل الجماعات حكما فمنذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء عام 2014 قدمت الميليشيا نموذجا كارثيا لإدارة الدولة قائما على القمع والتجويع ونهب الموارد مع تحويل مؤسسات الدولة إلى أدوات لجمع الجبايات وتمويل الحرب
فشل الحوثيين في إدارة الاقتصاد وانهيار العملة، وتدهور الخدمات الأساسية ومحاربة كل من يعارضها بنزعة اجرامية الشيخ حنتوس مثلا وغيره و كلها شواهد على أنهم لم يأتوا بمشروع حكم حقيقي بل بمشروع طائفي مغلق يستند إلى القوة العسكرية والخطاب الديني المتشدد
وكما فشل الإسلاميون التقليديون بسبب غياب الرؤية السياسية فإن الحوثيين فشلوا بسبب عجزهم عن التحول إلى قوة دولة جامعة او حتى شكلها واكتفائهم بمنطق الميليشيا التي ترى في الشعب مجرد وسيلة و وقود لتمويل الحرب والبقاء في السلطة
أحد أبرز أسباب فشل جماعات الإسلام السياسي يتمثل في عدم قدرتها على بناء علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية
فالحكم في الدول العربية اليوم ليس شأنا داخليا بحتا بل يتأثر بالتحالفات الدولية ومصالح القوى الكبرى غير أن الإسلاميين غالبا ما يصطدمون بهذه المعادلة إما بسبب خطابهم الأيديولوجي المتشدد أو بسبب افتقارهم إلى أدوات السياسة الخارجية والدبلوماسية الفعالة وفي اليمن أدت علاقات حزب الإصلاح المتقلبة مع التحالف العربي ومحاولاته اللعب على التوازنات الدولية إلى تفاقم أزمته وقد تكون هي السبب في فقدان ثقة الداخل والخارج به على السواء
حتى لو وصلت هذه الجماعات إلى الحكم مرة أخرى فإن الفشل سيكون مصيرها ما لم تطور خطاب سياسي حديث ورؤية واقعية لإدارة الدولة
فالاعتماد على الشعارات الدينية أو سردية الحاكمية لن يجدي نفعا في زمن يطلب فيه الناس حلولا اقتصادية وخدمات أساسية وشفافية في الحكم
لقد بات واضحاً أن أي مشروع سياسي في اليمن أو غيرها من الدول العربية يحتاج إلى مرونة فكرية ورؤية اقتصادية وإدماج حقيقي لمفهوم الدولة المدنية وهي أمور لا تزال غائبة عن مشروع الإسلام السياسي
إن فشل جماعات الإسلام السياسي في الحكم ليس قدر محتوما لكنه نتيجة حتمية لغياب الرؤية المؤسسية وعدم قدرتها على التكيف مع العصر ومتطلباته وفي اليمن حيث تتشابك الأزمات السياسية والعسكرية والاجتماعية يبدو أن الإسلاميين سيبقون أسرى خطاب المعارضة دون أن ينجحوا في تقديم نموذج دولة
المطلوب اليوم ليس إنهاء حضور الإسلاميين بل دفعهم و دعمهم إلى مراجعة شاملة لأفكارهم وخطابهم وفهم أن الحكم مسؤولية تتطلب برامج واقعية لا شعارات ورؤية عصرية تنطلق من احتياجات المواطن اليمني لا من صراعات الماضي