أطفال يعيلون أسر بالعمل في “الميزان”
منذ يوم
تعز- محمد أمين العبسيلم يجد مئات الأطفال في مدينة تعز، بُدًا من العمل في بيع المياه أو المناديل، أو حمل “الموازين” لقياس أوزان المارة وسط شوارع المدينة، بين حر الشمس؛ وذلك لمساعدة أسرهم في توفير لقمة العيش؛ ومواجهة الأوضاع المعيشية المتدهورة جراء الحرب الدائرة منذ عشرة أعوام
يروي الطفل عماد صلاح (اسم مستعار) قصة عمله في الميزان وهو يجوب شوارع المدينة يوميًا حاملًا ميزانه للحصول على قليل من المال لمساعدة والده الذي يعاني من ورم سرطاني في ساقه الأيسر، ويحتاج لإجراء عملية جراحية، وشراء الخبز لإخوانه في المنزل، بحسب قوله
جميع الأطفال في اليمن معرضون لأسوأ أشكال عمالة الأطفال، لكن الأطفال المشردون في الشوارع، والأيتام، وأطفال الأسر الفقيرة، هم الأكثر عرضةً للاستغلال، وفقًا لتقرير منظمة بيسكولوجي، 2025
على مستوى العالم هناك 160 مليون شخص يعملون، نصفهم من الفئة العمرية 5 -11 عامًا، بحسب تقرير عمل الأطفال الصادر عن منظمة العمل الدولية عام 2021
ووفقًا للمصدر نفسه، فإن هذه الفئة العمرية من الأطفال زادت بحوالي 6
5 مليون بين عامي 2016 و2020، ويعملون في مهن خطرة، يمكن أن تضر بصحتهم وسلامتهم وأخلاقهم
يقول عماد “12 عامًا” في حديثه لـ”المشاهد”: “منذ ستة أشهر وأنا أعمل في الميزان؛ لمساعدة والدي لإجراء عملية لساقه، وتوفير لقمة العيش لإخواني، إلى جانب توفير المستلزمات الدراسية الخاصة بي، من مستلزمات مدرسية وحقيبة وزي مدرسي”
الطفل عماد: منذ ستة أشهر وأنا أعمل في الميزان؛ لمساعدة والدي لإجراء عملية لساقه، وتوفير لقمة العيش لإخواني، إلى جانب توفير المستلزمات الدراسية الخاصة بي، من مستلزمات مدرسية وحقيبة وزي مدرسي
”يدرس عماد في مدرسة حكومية بالصف السادس الإبتدائي، ويضيف: “أذهب إلى المدرسة في الصباح، وقبل الظهر أذهب للعمل في الميزان بسوق ديلوكس “المركزي”؛ لجمع مصاريف الغداء والعشاء لي ولإخواني”
يتحمل الطفل عماد، والكثير من الأطفال في اليمن ككل، وتعز خصوصًا، أعباءً كبيرة على كاهلهم، الوضع الذي أجبرهم على القيام في أعمال شاقة بين حرارة الشمس مقابل الحصول على مبلغ زهيد لتوفير الاحتياجات الضرورية لأسرهم، بعد أن فقد عائل الأسرة مصدر دخله، أو أصيب بمرض ما
يواصل عماد حديثه: بعد أن خسر والدي عمله في صناعة المعاوز، وأصيب بمرض السرطان، اتجهتُ للعمل في الميزان لأوفر المتطلبات الأساسية لعائلتي”
ويضيف: “أصبحتُ أنا من يصرف على بيتنا، وأحاول توفير مبلغ بسيط لا يتجاوز ألف ريال يوميًا في بعض الأحيان؛ لمساعدة والدي في إجراء العملية”
لافتًا إلى أن المبلغ الذي يتقاضاه في اليوم الواحد يتراوح ما بين 2500 – 4000 آلاف ريال يمني
لا يختلف وضع الطفل بدر (اسم مستعار) عن عماد
هو الآخر يعمل في الميزان متنقلًا بين شارعي التحرير الأسفل والمركزي باحثًا عن المال؛ من أجل العودة قبل المغرب، محملًا بالدقيق وحبات الأرز وقليل من “الإدام” لإخوانه ووالديه
يقول بدر “14 عامًا” لـ”المشاهد”: رغم انشغالي في دراستي إلا أني أعمل في الميزان لمساعدة والدي في مصاريف البيت، رغم أن ما أتقاضاه لا يتجاوز أربعة آلاف ريال في اليوم الواحد
”بدر “14 عامًا، أحد الأطفال العاملين في الميزان: رغم انشغالي في دراستي إلا أني أعمل في الميزان لمساعدة والدي في مصاريف البيت، رغم أن ما أتقاضاه لا يتجاوز أربعة آلاف ريال في اليوم الواحد
”“رغم عمل والدي على “عربية أبيع بسباس” في سوق المركزي، إلا أنه يواجه عجزًا في توفير مصاريف البيت، وأنا أكبر إخواني، وأقوم بمساعدته”، يضيف بدر
يقول عماد: “أواجه الكثير من المشكلات والتمييز العنصري والاحتقار في عملي بالميزان
منها، الضرب والشتم والإهانة، من الناس الكبار عندما أذهب إليهم من أجل أن يوزنوا مقابل الحصول منهم على مائة ريال، فما أعيشه في الشارع يسبب لي كراهية العمل والإحراج، إما أعود إلى بيتنا أو أذهب إلى شارع آخر”
ويضيف أن عمله في الميزان حرمه من الكثير مما يحصل عليه الأطفال في سنه، من ترفيه ولعب، حتى أن أطفال حارته لا يتقبلوه أثناء اللعب معهم
ويقول والد الطفل عماد لـ”المشاهد”: “إن ما يعيشه ابنه من إهانة ومعاناة؛ يجعله يتألم على ما يحصل له”
ويقول: “إن الوضع المعيشي والمرض أجبراه على إخراج ابنه للعمل في الشارع بالميزان، وأن الأمر لم يعد في يديه”، بحسب تعبيره
ويتابع: “يريد عماد أن يعيش كأي طفل، يدرس ويلعب ويلبس ويأكل ويشرب، لكن الأوضاع القاهرة هي من أجبرتنا على خروجه إلى العمل في هذا السن المبكر من عمره، كونه لم يكن لديّ معيل آخر غيره”
من جانبه، يشير الطفل بدر لـ”المشاهد”، إلى أن ما يتعرض له من إهانة وتلفظ سيء من بعض الناس الذين يذهب إليهم من أجل أن يوزنوا، وما يقابله من ضرب؛ يجعله يعيش في إحباط، فالعمل في الميزان يجعل من الطفل عرضةً للإهانة، حدّ تعبيره
يقول عماد: “أتمنى أن أعود للمدرسة بشكل يومي؛ لأن غيابي عن المدرسة أفقدني الكثير عن بقية الطلاب، وجعل مني عُرضةً للضرب والعقاب أمام أعينهم من المدرسين؛ بسبب الغياب والزي المدرسي الذي لا أمتلكه”
من جانبه، يقول بدر: “رغم حضوري الحصص المدرسية إلا أنني أُعاقَب بسبب الزي المدرسي الذي ما زلت أجمع قيمته، إلى جانب الواجبات المدرسية؛ لأني أعود إلى البيت في المغرب، وأكون متعبًا، ولا أستطيع حفظ ما درسته، وأحيانًا أنسى أكتب الواجبات”
يطمح الطفلان عماد وبدر أن يعودا إلى دراستهم، وأن يحصلا على درجة الأوائل، كما كانوا في السنوات الماضية، وأن يواصلا تعليمهما الجامعي والحصول على فرص عمل بتخصصات جامعية
تقول “منظمة العمل الدولية” إن 35 % من الأطفال العاملين من الفئة العمرية 12- 14 سنة، هم خارج المدارس
في هذا السياق، يقول الدكتور محمود البكاري، أستاذ علم الإجتماع في كلية الآداب بجامعة تعز، لـ”المشاهد”: “إن تسرب الطلاب من المدارس يُعد ظاهرةً خطيرة تؤثر على حاضرهم ومستقبلهم”
يضيف البكاري: “يصبح الطالب عرضةً لمخاطر عمالة الأطفال، بما في ذلك الأضرار الصحية والجسدية والنفسية والأخلاقية
كما أن الأطفال غير مؤهلين للخروج إلى سوق العمل ولا يستطيعون حماية أنفسهم من المخاطر التي يتعرضون لها”
ويرى البكاري أن غياب الطلاب عن المدرسة لمواجهة الحياة اليومية في السوق يمكن أن يؤدي إلى دفع ثمنٍ باهظٍ لاحقًا، حيث يصبحون غير مؤهلين علميًا ولا يحملون أي شهادة أو تخصص يمكنهم من الحصول على فرصة عمل لائقة
من جانبه، يقول الدكتور جمهور الحميدي، أستاذ علم النفس بجامعة تعز، لـ”المشاهد”: “إن الحديث عن تسرب الأطفال، وخاصة الفتيات، من التعليم من أهم الموضوعات الحساسة في ظل الأوضاع الراهنة
فلا شك أن الحرب الدائرة في البلاد منذ عشر سنوات أثّرت سلبيًا على التعليم، وهذا التأثير يمتد إلى الفساد الذي ظل منتشرًا في كافة أجهزة الدولة، بما فيها التعليم”
جمهور الحميدي، أستاذ علم النفس بجامعة تعز، لـ”المشاهد”: “إن الحديث عن تسرب الأطفال، وخاصة الفتيات، من التعليم من أهم الموضوعات الحساسة في ظل الأوضاع الراهنة
فلا شك أن الحرب الدائرة في البلاد منذ عشر سنوات أثّرت سلبيًا على التعليم، وهذا التأثير يمتد إلى الفساد الذي ظل منتشرًا في كافة أجهزة الدولة، بما فيها التعليم”
وأضاف الحميدي: “لا توجد رؤية واضحة من الدولة ولا أهداف يمكن أن تبنى عليها، فالمحسوبية والوساطات والرشوة ومخالفة القانون في الجهات التعليمية هي سيدة الموقف، والتعليم الحقيقي، كما يصفه المفكرون، هو الذي يتمحور حول المتعلم، ولكن في اليمن، يتمحور حول المستفيد من القائمين على العملية التعليمية”
وأرجع الحميدي جميع المشكلات إلى الحرب، التي راكمتها وفجّرتها في المجتمع، وأنه إذا كان لدى المجتمع جيل متعلم، لكان لديه أقوى سلاح لمواجهة انتشار العادات الاجتماعية الداعية إلى الاقتتال
واختتم الحميدي حديثه بالقول: “إن الآثار الناجمة عن التسرب كارثية، وكل ما يمكن أن تتوقعه من مشكلات يحدث بسبب تسرب التعليم، فالتعليم ليس معرفة فقط، بل هو دمج ثقافة المجتمع وتطبيقها في الواقع، مشيرًا إلى أن الوضع يستدعي القيام بكل الجهود التي تعيد للتعليم أهميته وارتباطه بالمجتمع”
ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع
يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة
بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail
comكن أول من يتلقى آخر الأخبار والتحديثات مباشرة على بريدك الإلكتروني
منصة يمنية تهتم بالقصة الخبرية بلغة سهلة ومهنية، عبر فريق من المحررين المنتشرين في كافة المدن اليمنية
نحرص على تغطية دقيقة وموضوعية بالنص والصورة والفيديو
جميع الحقوق محفوظة © المشاهد نت 2022