أكثر من مليون وظيفة تضعها المملكة للجيل السعودي الجدد

منذ 9 ساعات

سلّطت بيانات سوق العمل السعودية للعام الماضي الضوء على أكبر موجة توظيف تشهدها المملكة منذ سنوات، بعد إضافة حوالي 1

16 مليون موظف جديد، وقدّم هذا النمو مؤشراً على تحول استراتيجي فرضته مشاريع التنوع الاقتصادي العملاقة والسياسات الحكومية المرتبطة بـ رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وتوسيع قنوات النمو الاقتصادي في قطاعات مثل الإنشاءات، والتقنيات الحديثة، والسياحة، والطاقة المتجددة

   ويُدل هذا التوسع على تحسن جوهري في سوق العمل، إذ تراجع معدل البطالة إلى أقل من 7% بنهاية عام 2024، وهو ما يعادل تحقيق هدف الرؤية قبل ست سنوات من موعده، في حين ارتفع معدل مشاركة القوى العاملة إلى مستويات غير مسبوقة بين النساء والرجال معاً، بحسب تقرير نشرته منصة جودة المتخصصة في التحليلات الاقتصادية

قطاعات النمو الرئيسيةبرز دور قطاعات الإنشاءات، والصناعات التحويلية، والنقل كقاطرة لنمو الوظائف خلال العام الماضي، إذ شكّلت هذه القطاعات نحو 76% من صافي الوظائف الجديدة التي حصل عليها السعوديون

وجاء ذلك نتيجة الطفرة التي تشهدها مشاريع البنية التحتية العملاقة، ومن أبرزها مشروعات رؤية السعودية 2030 مثل ذا لاين والقدية، ما أدى إلى طلب هائل على العمالة في المهن اليدوية والتخصصات الميدانية كالمشغلين والفنيين وسائقي المعدات ومقدمي الخدمات اللوجستية

 وللمرة الأولى منذ عقود، بدأت هذه المهن الأولية تتحول تدريجياً إلى خيار واقعي وجذاب للكثير من الشباب السعودي الباحثين عن الاستقرار والدخل، خاصة مع الحوافز الحكومية والبرامج التدريبية الواسعة التي باتت تربط بين التعليم الفني والمهني واحتياجات سوق العمل الفعلية، وفق تقرير لشركة Peninsula المتخصصة في الخدمات الاستشارية في السعودية ودول الخليج

 ومن منظور اقتصادي أوسع، فإن صدارة المهن الأولية في نمو التوظيف تعكس عملية إعادة توزيع كبرى للعمالة الوطنية بين القطاعين العام والخاص

ويشير تحليل نشرته شركة أناليتيكس الاستشارية إلى أن برامج التوطين والرسوم المفروضة على العمالة الوافدة سرعت انتقال الشباب السعودي إلى القطاع الخاص، خصوصاً نحو الأعمال اليدوية والفنية التي كانت حتى وقت قريب حكراً على العمالة المنخفضة التكلفة من الخارج

كما أشار التقرير ذاته إلى ارتفاع متوسط الأجور في هذه المهن نتيجة تحسن شروط العمل وتزايد الطلب وندرة الكفاءات المحلية، خاصة في مجالات الإنشاءات والصناعات التحويلية والسياحة الصحية والتقنية

أما من حيث الدوافع الاجتماعية، فقد رصد التقرير تغيراً تدريجياً في النظرة المجتمعية تجاه المهن اليدوية، وتراجعاً في ما يُعرف بـعقدة الوظيفة الحكومية، إذ بات كثير من الشباب السعودي يبحث عن المسار الأسرع نحو الاستقلال المالي، ويفضل مرونة ساعات العمل وفرص التطور السريع، حتى في وظائف لا ترتبط بالوجاهة الاجتماعية التقليدية

 بدروه، يقول الخبير الاقتصادي علي سعيد العامري لـالعربي الجديد إن ارتفاع عدد الموظفين المشتركين في أنظمة التأمينات الاجتماعية في السعودية بنحو 1

164 مليون موظف خلال عام واحد، من الربع الثاني 2024 إلى الربع الثاني 2025، يُعد دليلاً قوياً على انتعاش اقتصادي مستدام

وأوضح العامري أن هذا النمو، الذي يمثل زيادة نسبتها 10% ليصل إجمالي المشتركين إلى 12

87 مليون موظف، يعكس ديناميكية حيوية في الاقتصاد الوطني تتماشى مع أهداف رؤية 2030، إذ يتجاوز متوسط الإضافة اليومية 3,191 موظفاً

  ويُظهر ذلك قدرة السوق على استيعاب الكفاءات الجديدة وانخفاضاً محتملاً في معدلات البطالة التي تراوحت بين 7و8% في السنوات الأخيرة، إلى جانب تحفيز الاستهلاك الداخلي وزيادة الإنتاجية، خصوصاً في القطاع الخاص الذي يشكل أكثر من 59% من سوق العمل

وأشار العامري إلى أن هذا التوسع يعزز مسار تنويع الاقتصاد السعودي بعيداً عن النفط، مع تركيز متزايد على قطاعات واعدة مثل السياحة والتجزئة والخدمات، ما يدعم الاستقرار المالي ويجذب الاستثمارات الأجنبية

 ويرى العامري أن تحول المهن اليدوية – أو ما يُعرف بـالمهن الأولية مثل عمال الخدمات والتجزئة والصيانة – إلى خيار أكثر جاذبية للشباب السعودي، يعود إلى سياسات السعودة التي أغلقت الباب أمام العمالة الأجنبية في هذه الفئات، ما دفع الشباب المحلي إلى الانخراط فيها

وأضاف أن برامج التدريب الوطنية، مثل مبادرة وعد التي وفرت 1

3 مليون فرصة تدريبية في عام 2024، ساهمت في تغيير الصورة النمطية لهذه المهن، مشيراً إلى ارتفاع الأجور التنافسية بنسبة 45% خلال ست سنوات

 كما لفت إلى تحوّل ثقافي واضح في المجتمع السعودي نحو تقدير العمل اليدوي كوسيلة للاستقلال المالي، إذ انضم أكثر من 130 ألف مواطن ومواطنة إلى سوق العمل لأول مرة في 2024، وارتفعت مشاركة المرأة لتصل إلى 35

8%، ما يعكس تفضيلاً متزايداً لدى الشباب لفرص عمل سريعة ومستقرة بدلاً من البطالة أو الهجرة

وأوضح العامري أن فئة المهن الأولية قادت موجة التوظيف بإضافة 760 ألف وظيفة جديدة خلال العام بنسبة نمو بلغت 16

5%، لتصبح أكبر فئة في سوق العمل بـ 5

34 ملايين موظف

في المقابل، شهدت فئات أخرى نمواً أقل، مثل الاختصاصيين 180 ألف وظيفة بنسبة 11

5% والمديرين بنسبة 11%

 ويُرجع العامري السبب إلى أن هذه المهن تمثل العمود الفقري للقطاعات النامية مثل البناء والسياحة والتجزئة، التي كانت تعاني سابقاً من نقص في العمالة المحلية

وقد أسهمت سياسات رفع نسب السعودة في 269 مهنة، تشمل المهن الصحية والفنية، في سد هذه الفجوات، فيما أدت الأتمتة إلى تقليص الوظائف الروتينية المكتبية، ما دفع بالكثيرين نحو المهن اليدوية كبديل أكثر كفاءة

ويخلص العامري إلى أن هذا التحول يعزز بناء اقتصاد سعودي أكثر شمولاً واستدامة، يقلل من الاعتماد على العمالة الأجنبية، ويرسخ مشاركة الشباب والنساء في التنمية الاقتصادية، ويحد من التفاوت الاجتماعي، شريطة مواصلة تطوير المهارات الرقمية لتفادي تشبع السوق

 من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي محمد الناير أن إضافة نحو 1

16 مليون وظيفة جديدة في السعودية خلال عام واحد تدل على نضج متزايد في سوق العمل السعودي، إذ لا تُخلق الفرص الوظيفية إلا بوجود توسع فعلي في حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية، من خلال إنشاء مصانع وشركات ومشاريع جديدة تولّد بطبيعتها طلباً على العمالة

 وأشار الناير إلى أن هذا التوسع يسهم مباشرة في خفض معدلات البطالة، وهو هدف محوري ضمن خطط المملكة لتوطين الوظائف، بعد أن كانت العديد من الوظائف شاغرة لسنوات طويلة بيد عمالة وافدة من دول عربية وآسيوية مختلفة

وأكد أن هذا التحول لا يقتصر أثره على تقليل البطالة فحسب، بل يمتد إلى رفع مستويات الدخل للأفراد والأسر السعودية، وبناء خبرات عملية في بيئات عمل متنوعة، بما يُسهم في تعزيز كفاءة القوى العاملة الوطنية

 ويخلص الناير إلى أن هذه الإنجازات تمثل ركيزة أساسية لتنويع مصادر الدخل الاقتصادي بعيداً عن الاعتماد شبه الحصري على النفط، إذ يسهم توسيع فرص العمل عبر جذب الاستثمارات وتنمية القطاعات غير النفطية في بناء اقتصاد أكثر مرونة واستدامة، ويعزز مشاركة المواطنين في دفع عجلة التنمية

المصدر : العربي الجديد