أوجه شبه واختلافات حربي السودان واليمن

منذ 2 سنوات

طوال ٣٩ عامًا، اندلعت الحرب الأهلية في السودان على مرحلتين، بدأت الحرب الأولى كحرب عصابات منذ عام ١٩٥٥م لتستمر ١٧ عاما وتنتهي باتفاق سلام هش عام ١٩٧٢، ولتعيش البلاد مرحلة مؤقتة دون حرب مدتها ١١ عامًا، قبل اندلاع الحرب الأهلية الثانية التي كانت الأشرس، وامتدت لـ٢٧ عامًا، منذ العام ١٩٨٣ وحتى ٢٠٠٥

كانت الحرب السودانية الثانية إحدى أطول الحروب في التاريخ، ومن أكثرها عنفًا وضراوة، يقدر عدد ضحايا الحرب الثانية بمليون و٩٠٠ ألف قتيل من المدنيين، وأكثر من ٤ ملايين نازح، الرقم الأخير لأعداد النازحين جراء الحرب الأهلية الثانية في السودان، يوازي عدد النازحين اليمنيين داخل اليمن وخارجه، جراء الحرب الأهلية التي اندلعت في اليمن منذ عام ٢٠١٥، وماتزال مستمرة حتى الآن، بعدد ضحايا يقارب نصف مليون قتيل يمني، وفق آخر تقديرات للأمم المتحدة، خلال سبعة أعوام من الحرب التي لم تتوقف بعد

هناك تطابق آخر بين الحربين الأهليتين في السودان واليمن، من حيث المعدل السنوي لعدد ضحايا الحرب، إذا أخذنا بالاعتبار إجمالي عدد الضحايا مقسومًا على عدد سنوات الحرب، يكون المتوسط السنوي لضحايا الحرب في السودان ٧٠ ألف قتيل على مدى ٢٧ عامًا فترة الحرب الأهلية السودانية الثانية، الحرب الأهلية الأولى في السودان يقدر عدد ضحاياها بقرابة نصف مليون قتيل سوداني، وهو ما يطابق أعداد ضحايا الحرب الأهلية الجارية في اليمن للعام الثامن على التوالي، كما يبدو المتوسط السنوي الحسابي لضحايا الحرب في اليمن البالغ عددهم نصف مليون تقريبًا، على مدى سبعة أعوام، ٧١ ألف قتيل سنويًا، وهو ما يطابق المعدل السنوي لضحايا الحرب المدنيين خلال الحرب السودانية الثانية

ثمة أوجه شبه واختلافات لافتة بين الحرب الأهلية السودانية والحرب الأهلية الجارية في اليمن، فما هي قصة الحرب الأهلية في السودان؟ وكيف يمكن استلهام دروس من حرب وصفت بأنها من بين أعنف الحروب في التاريخ؟نظرة إلى جغرافيا السودان وتركيبته السكان تقدم فكرة وافية عن جذور النزاع التي قادت إلى اندلاع الحرب ومساراتها المختلفة

يقع السودان في شمالي شرق إفريقيا، تحدها مصر من الشمال وليبيا من الشمال الغربي وتشاد من الغرب وجمهورية إفريقيا الوسطى من الجنوب الغربي وجنوب السودان من الجنوب وإثيوبيا من الجنوب الشرقي وإريتريا من الشرق والبحر الأحمر من الشمال الشرقي

ووفق تقديرات عام ٢٠١٨، يبلغ عدد سكان السودان نحو 43 مليون نسمة

وهي ثالث أكبر دولة مساحة في إفريقيا والعالم العربي، إذ تبلغ مساحتها مليونًا و٨٨٦ ألف كيلومتر مربع

وقبل انفصال الجنوب كانت السودان أكبر دولة مساحة في إفريقيا والعالم العربي

نهر النيل يقسم أراضي السودان شطرين شرقي وغربي، والعاصمة الخرطوم تقع عند ملتقى النيلين الأزرق والأبيض رافدي النيل الرئيسيين

يتألف سكان السودان من “مجموعات من القبائل العربية والإفريقية والنوبية والبجا، مع وجود أقليات تركية ومصرية وليبية وإثيوبية وإريترية وهندية، وتمثل 600 عرقية وقبيلة مختلفة”

غالبية سكان السودان يعتنقون الديانة الإسلامية على المذهب السني، وهناك عدة طرق صوفية مثل: البرهانية، والقادرية، والختمية، والسمانية، والتيجانية، وأقلية من السكان يدينون بالديانة المسيحية متعددة الطوائف مثل: الكاثوليكية، والأرثوذكسية، والأرمينية، والبروتستانتية، الإثيوبية

أنيانيا أو سم الأفعى هو الاسم الذي تعرف به الحرب الأهلية السودانية الأولى، والتي اندلعت بين ١٩٥٥ و١٩٧٢، بين شمال السودان وجنوب السودان، على خلفية تراجع الشمال عن تعهداته بمنح مزيد من الحكم الذاتي الإقليمي للجنوب

خلال النصف الأول من القرن العشرين، كان السودان بشطريه الشمال والجنوب، تحت إدارة مشتركة بريطانية -مصرية

كان السودان أحد البلدان تحت الاستعمار البريطاني، وفقًا للمصادر التاريخية، فإنه حتى العام ١٩٤٦ كل من “حكومتي بريطانيا ومصر، وتحت سيادة مشتركة، أدارتا جنوب السودان وشمال السودان كمناطق منفصلة عن بعضها البعض

وكجزء من الاستراتيجية البريطانية في الشرق الأوسط، تم دمج المنطقتين في منطقة إدارية واحدة، دون استشارة القادة السودانيين الجنوبيين الذين كانوا يتخوفون من انتقال جزء كبير من السلطة إلى نظرائهم الشماليين”

لأسباب إثنية وعرقية، إذ يعتبر شمال السودان جزءًا من المنطقة العربية، حيث أغلب سكانه مسلمون، فيما اعتبر جنوب السودان جغرافيًا وثقافيًا جزءًا من منطقة جنوب الصحراء الكبرى، حيث أغلب سكانه مسيحيون ووثنيون

تم اعتماد اللغة العربية لغة رسمية للبلاد، و”كانت النخبة السودانية الجنوبية التي تثقفت باللغة الإنجليزية، مستاءة من التغيير الذي منعهم من حكم منطقتهم

بعد انتهاء الاستعمار البريطاني أعطيت غالبية السلطة على الجنوب للحكومة الشمالية في الخرطوم، الأمر الذي تسبب في اضطرابات في الجنوب”

بتتبع جذور النزاع، حسب المصادر التاريخية، لعبت بريطانيا دورًا في بذور النزاع وتأجيجه من خلال سياساتها أثناء احتلالها للسودان

بحسب المصادر فإنه “لما شغل البريطانيون السودان كمستعمرة، أداروا الأقاليم الشمالية والجنوبية كلًا على حدة

عومل الجنوب مثل معاملة المستعمرات البريطانية الأخرى في شرق إفريقيا: كينيا وتنجانيقا وأوغندا، بينما كانت بريطانيا تعامل شمال السودان كما تعامل مصر

منع الشماليون من شغل أي مناصب في سلطة الجنوب، وكان التبادل التجاري مقطوعًا بين المنطقتين

بعد ذلك ضغط البريطانيون على الشماليين لدمج المنطقتين

وأصبحت اللغة العربية لغة الحكم في الجنوب، وبدأ الشماليون يحظون بمناصب في الجنوب”

يعود النزاع في اليمن إلى صراع ذي وجهين، أحد وجهيه، النزاع بين الشمال والجنوب، والذي يتخذ مسارًا في جذوره ومآلاته قريب الشبه بالنزاع بين شمال السودان وجنوبه

في الأول من يناير عام ١٩٥٦، أعلن رسميًا استقلال السودان الذي كان تحت الإدارة البريطانية المصرية المشتركة، هذا التحول كان باعثًا لمزيد من الخلافات والاحتقانات بين الشمال والجنوب

كان استقلال السودان ترجمة لاتفاق تم في فبراير 1953 بين بريطانيا ومصر على منح الاستقلال للسودان، غير أن ذلك أسهم في “زيادة التوترات الداخلية بين الشمال والجنوب”

نظرًا لوجود تخوفات لدى جنوب السودان، سرعان ما ثبتت فعليًا عقب إعلان الاستقلال، حيث تراجع قادة شمال السودان “عن التزاماتهم بإنشاء الحكومة الاتحادية التي من شأنها أن تعطي الجنوب قدرًا كبيرًا من الحكم الذاتي”

الوجه الآخر للنزاع والأخطر مصدره انقلاب جماعة الحوثي، وسعيها لإعادة فرض نظام الإمامة السلالية التي عانى منها اليمنيون في الشمال في الماضي

لثلاثة أعوام سابقة على إعلان استقلال السودان، عملت بريطانيا بمساعدة مصر على الوصول بالسودان لتولي شؤونه بنفسه

وليشتعل فتيل التوترات بين الجنوب والشمال، ابتداء من أغسطس عام ١٩٥٥، قبل شهور على الاستقلال، حيث أدت محاكمة عضو سوداني جنوبي في الجمعية الوطنية السودانية، قيل إن مذكرة اعتقاله كاذبة، إلى “تمرد أعضاء الإدارة البريطانية التي تسير فيلق قوات الدفاع في ولاية الاستوائية في منطقة توريت بجنوب السودان، وفي الأيام التالية تمرد في جوبا وياي و مريدي”

تلك الخطوة دفعت الإداريين السودانيين الشماليين الذين يعملون في جنوب السودان، إلى قمع الجنوبيين، وتم قمع التمرد، غير أن الناجين الجنوبيين “فروا من البلدات، وبدأوا تمردًا غير منسق في المناطق الريفية بتسليح سيئ وسوء تنظيم، وكان خطرهم محدودًا على القوة الاستعمارية البريطانية -المصرية أو الحكومة السودانية”

توصف الفترة من عام 1955 إلى عام 1963، بأنها كانت فترة من حرب العصابات للبقاء على قيد الحياة في جنوب السودان

غير أنه في العام ١٩٥٥ نفسه تشكلت حركة انفصالية في جنوب السودان، مؤلفة من مجموعات المتمردين والطلاب الجنوبيين

واستطاعت تشكيل ما عرف بجيش عصابات الأنيانيا، وأطلق عليها تمييزًا “أنيانيا ١”، حيث ستعاود الحركة الظهور عام ١٩٧٤، قبل سنوات على الحرب الثانية، باسم “أنيانيا ٢”، وينطلق تمردها من حامية عسكرية في أكوبو

بداية ظهور الحركة كانت خلال الأعوام من 1963 و1969، حيث انطلقت حركة الأنيانيا الانفصالية من ولاية الاستوائية الوسطى، حيث كانت تتمركز أربعة ألوية عسكرية للجيش السوداني، وامتدت الحركة الانفصالية إلى محافظتين جنوبيتين هما ولاية أعالي النيل وشمال بحر الغزال، قبل أن تتسبب الانقسامات العرقية داخل الحركة في إصابتها بشلل داخلي، غير أن الحكومة السودانية، ولعوامل طائفية والاضطرابات، كانت عاجزة أيضًا عن استثمار الخلافات والانقسامات العرقية داخل حركة الأنيانيا

اتسمت فترة الاستقلال في أواخر خمسينيات القرن الماضي، بانعدام الاستقرار والاضطرابات في السودان، رغم إعلان أول حكومة مستقلة في السودان تولى رئاستها إسماعيل الأزهري، تمت إزاحتها بواسطة تحالف انخرطت فيه مختلف القوى المحافظة، وهؤلاء تمت الإطاحة بهم عام ١٩٥٨، في انقلاب عسكري قاده رئيس الأركان الجنرال إبراهيم عبود، وفرض حكمًا عسكريًا، غير أنه، وتحت ضغط احتجاجات شعبية اندلعت في البلاد، رضخ الجيش، وتم تشكيل حكومة مؤقتة في أكتوبر 1964

كانت الاحتجاجات فرصة لبروز قيادات من الإسلاميين، وهيمنتهم على الشؤون الإدارية، تشير مصادر تاريخية إلى أن الإسلاميين أخفقوا في “التعامل مع مشاكل التنوع العرقي والصراع الاقتصادي في السودان”

وفي مايو ١٩٦٩ شهدت السودان ثاني انقلاب عسكري، وصعود العقيد جعفر النميري للحكم، ليتولى رئاسة الوزراء، ويقوم بحظر الأحزاب السياسية

واجتاز السودان بصعوبة 10 سنوات أخرى من الاضطرابات والصراعات والحرب بين الجنوب والشمال، كما كان الصراع حادًا بين الطبقة العسكرية والفئات الأخرى، وهو صراع يتكرر حاليًا ومنذ سنوات في البلاد

في يوليو 1971 شهد السودان انقلابًا آخر وعودة جعفر نميري إلى سدة الحكم مع تولي الحزب الشيوعي السوداني الإدارة لوقت قصير

في العام التالي ستتوقف الحرب الأهلية، حيث تتكلل جهود السلام بنجاح مؤقت

برز في جنوب السودان اغري جادين كزعيم للجنوب، وقائد لقوات مسلحة، مع تشكل حركة تحرير جنوب السودان، غير أنها تراجعت عام 1969 بسبب النزاعات السياسية الداخلية

ليتم في العام نفسه 1969 انتخاب جوردون موارتات ماين من قبيلة الدينكا بالإجماع زعيمًا جديدًا لجنوب السودان، وتغيير اسم الجنوب إلى جمهورية نهر النيل، وذلك “لاستئناف الحرب ضد شمال السودان”

برز الانقسام مجددًا بين القيادات والتشكيلات المسلحة الجنوبية السودانية، جزء من قوات زعيم الجنوب السابق أغري جادين “لم تقبل بزعيم من قبيلة الدينكا، وحاربت حركة أنيانيا”

تطور الوضع إلى انقلاب أطاح بزعيم جنوب السودان جوردون موارتات، عام 1971، قامت به قوات الجيش السابق بقيادة الملازم جوزيف لاغو، و”بمساعدة من إسرائيل التي تعهدت لجوزيف لاغو بدعمه

بعد ذلك تجمعت كل قوات حرب العصابات تحت راية حركة تحرير جنوب السودان مرة أخرى لاستئناف الحرب”

بدعم من أوغندا و إسرائيل وإثيوبيا، كان جنوب السودان قد اتخذ اسمًا جديدًا: جمهورية نهر النيل “لاستكمال الحرب ضد الشمال”، غير أن تدخل المجلس العالمي للكنائس ومجلس كنائس إفريقيا،  لإنهاء الحرب، وعقد مفاوضات بين الشمال والجنوب، توجت جهود المجلسين “بالتوقيع على اتفاق أديس أبابا في 1972”

ورغم الاتفاق الهش، عاش السودان فترة هدوء محفوفة بالتوتر طيلة 11 عامًا، قبل عودة الحرب بصورة أعنف

في الوقت الراهن، يخشى أن تعاود الحرب في اليمن جولة أشد عنفًا بعد هدنة لستة أشهر منذ أبريل وحتى الثاني من أكتوبر، حيث انتهت الهدنة واستمر مفعولها إلى حد كبير، حيث خفت حدة الحرب باستثناء هجمات وقصف من جانب جماعة الحوثي، أقل حدة مما كانت عليه قبل سنوات

خلال ١٧ عامًا فترة الحرب السودانية الأولى، يقدر عدد ضحايا الخرب بنحو نصف مليون قتيل، إضافة إلى نزوح مئات الآلاف من السودانيين عانوا أوضاعًا صعبة بسبب الحرب واضطرارهم إلى ترك منازلهم

حرب أنيانيا الثانية تشير إلى الحرب الأهلية السودانية الثانية التي بدأت عام 1983، “ودارت معظمها في الأجزاء الجنوبية من السودان، في منطقة الحكم الذاتي الذي يعرف بجنوب السودان”

توصف حرب أنيانيا الثانية باعتبارها “إحدى أطول وأعنف الحروب في القرن، إذ راح ضحيتها ما يقارب مليونًا و٩٠٠ ألف من المدنيين، يعد من أعلى النسب في أية حرب منذ الحرب العالمية الثانية، ونزوح أكثر من 4 ملايين سوداني بسبب الحرب”

في يناير عام ٢٠٠٥، انتهى الصراع رسميًا بتوقيع اتفاقية نيفاشا للسلام، والتي قضت “باقتسام السلطة والثروة بين حكومة رئيس السودان عمر البشير، وبين قائد قوات الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان جون قرنق”

ظلت العلاقة بين الشمال والجنوب في السودان، في حالة توتر دائم وحرب طويلة، حتى تم توقيع اتفاق السلام الشامل، تلى ذلك انفصال الجنوب عام ٢٠١١

تعزو المصادر التوتر بين الشمال والجنوب إلى عوامل متعددة، منها “الاختلافات في اللغة والدين والسلطة السياسية”، مما كان سببًا في اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد بين الشمال والحكومة في الخرطوم والقوات الحكومية المتأثرة بشدة بالجبهة الإسلامية الوطنية من جهة، وبين الجنوبيين من المسيحيين وغيرهم، الذين كان فصيلهم الأكثر نفوذًا هو جيش التحرير الشعبي السوداني، وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى استقلال جنوب السودان عام 2011

في اليمن، يتخذ الصراع في أحد مظاهره صراعًا مع الانفصاليين الجنوبيين، ويمثلهم المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي رغم شراكته في مجلس القيادة الرئاسي، ومشاركته في حكومة الشرعية، إلا أنه يعد ذلك أمرًا مؤقتًا، فيما يواصل المطالبة باستعادة دولة الجنوب على حدود عام ١٩٩٠

مثلت دارفور إحدى بؤر الصراع والحرب الساخنة، تركيبتها السكانية كانت منشأً للصراع والاقتتال، حيث تعيش في دارفور عشرات القبائل من عرقيات مختلفة، تشمل “أكثر من ثلاثين مجموعة عرقية مسلمة لها تاريخ في التنافس على الأرض والمرعى”

يشكل مجموعة السكان في دارفور ما لا يقل عن ستة ملايين نسمة، ينقسمون إلى سودانيين من أصل إفريقي، ويمارسون الزراعة في الغالب، والسودانيين من أصل عربي

كان إقليم غرب دارفور في السودان مسرحًا لصراع وحرب شرسة راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين، كما فقد كثيرون أراضيهم ومنازلهم

 كانت واحدة من أكثر الأزمات المتفاقمة، ووفقًا للمصادر التاريخية “تطورت تلك الأزمة والصراع المستمر بفعل عوامل أبرزها الحرب الأهلية التي اندلعت بين حكومة الخرطوم الوطنية وجماعتين متمردتين في دارفور هما حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان

تم تشكيل الجماعات المتمردة في البداية في فبراير 2003، بسبب تهميش دارفور السياسي والاقتصادي من قبل الخرطوم”

أما العامل الآخر المؤثر في تطور أزمة دارفور، فكانت الحرب الأهلية بين حكومة السودان في الشمال وبين جنوب السودان

اندلع النزاع في دارفور في عهد الرئيس عمر البشير، الذي حكم السودان مدة ٣٠ عامًا بدءًا من ١٩٨٩ وحتى عام ٢٠١٩، حيث أطيح به في انقلاب عسكري عقب ثورة شعبية

عام ٢٠٠٣ هاجم المتمردون في دارفور المطار العسكري، واختطفوا جنرالًا في القوات الجوية السودانية، مما دفع حكومة الخرطوم لشن هجوم مضاد في أبريل ٢٠٠٣، وتسليح حكومة البشير مليشيات مناوئة للجماعات المتمردة في دارفور، مما أشعل اقتتالًا عنيفًا، ويعتقد أنه نتج عن الصراع عنف جماعي طال المواطنين في دارفور

١٠٠ ألف قتيل مدني في دارفور٣٠٠ ألف شخص قتلوا خلال الإبادة الجماعية في دارفور، حسب تقديرات الأمم المتحدة المعلنة عام ٢٠١٣، تقديرات أخرى لاحقة عام ٢٠١٥، حددت ١٠٠ ألف قتيل على الأقل

حكومة البشير وقتها نفت ذلك، وقالت إن عدد الوفيات مبالغ به، وتم تضخيمه بشكل كبير

استمر العنف في دارفور حتى عام 2016، وتم توجيه الاتهام للرئيس السوداني السابق عمر البشير بالإبادة الجماعية العرقية، والتي توصف بأنها “القتل المنهجي لرجال ونساء وأطفال دارفور الذين وقعوا خلال الصراع الدائر في غرب السودان

قادت المحكمة الجنائية الدولية لتقديم لائحة اتهامات عدة لأشخاص، منها جرائم ضد الإنسانية، الاغتصاب، التهجير القسري والتعذيب”

كانت قبائل الجنجاويد العربية لاعبًا رئيسيًا في النزاع في دارفور، ويشار إليها كأحد الأطراف المسؤولة عن ارتكاب جرائم إبادة، إضافة لاتهام حكومة البشير وجماعات شبه عسكرية

وقد شكلت لجنة تحقيق دولية حول دارفور، وقدمت تقريرها للأمم المتحدة، أكد التقرير أن حكومة السودان لم تتعمد اتباع سياسات من شأنها أن تؤدي إلى الإبادة الجماعية، و أن “القوات الحكومية والمليشيات شنت هجمات عشوائية، بما في ذلك قتل المدنيين والتعذيب والإخفاء القسري وتدمير القرى والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي والنهب والتهجير القسري في جميع أنحاء دارفور”

وخلصت اللجنة في تقريرها إلى أنه “يبدو أن عنصرًا حاسمًا في نية الإبادة الجماعية مفقود، على الأقل في ما يتعلق بسلطات الحكومة المركزية”

انخرطت الأمم المتحدة بقوة لمعالجة أزمة دارفور عبر عملية مشتركة مع الاتحاد الإفريقي باسم يوناميد للحفاظ على السلام في دارفور، أنشئت في ٣١ يوليو ٢٠٠٧، بقرار مجلس الأمن ١٧٦٩، وبدأت رسميًا في ٣١ ديسمبر من العام نفسه

شكلت البعثة مقرات لها في ٣٥ موقعًا انتشرت في ولايات دارفور الخمس

أسهمت عملية يوناميد : في تعزيز السلام، ومعالجة الجذور الحرجة للصراع، وساعدت في إنهاء العنف

و”رغم استمرار العنف في دارفور، إلا أنه انخفض مستواه، وبدأت المنطقة تتجه إلى الاستقرار، وبدأت قوات اليوناميد المغادرة”

يمثل السودان منذ سنوات إحدى أبرز الدول التي يعيش فيها آلاف اليمنيين الذين نزحوا من بلادهم جراء الحرب المستعرة

ونظرًا لتقارب مستوى تكاليف العيش بين اليمن والسودان، فإن آلاف اليمنيين الفارين من الحرب في بلادهم، تمكنوا من العيش في السودان، ومايزال الكثير منهم هناك، حيث مثلت دول مثل مصر والسعودية والأردن والعديد من الدول، ملاذات لما يربو على مليوني يمني غادروا بلدهم منذ اندلاع الحرب

يشترك السودان ضمن قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وهو تحالف سياسي عسكري من عدة دول عربية، بقيادة السعودية والإمارات، وتشترك فيه السودان بقوات عسكرية فاعلة ميدانيًا في الحلف، بخاصة خلال السنوات الأولى للحرب في اليمن، والتي اندلعت منذ ٢٠١٥

طول أمد الحرب الأهلية في السودان الأولى والثانية، وتشعب الصراعات والاقتتال، أدى إلى خسائر فادحة، ومعظم ضحايا تلك الحرب هم من المدنيين

قوضت الحرب حياة المجتمعات المحلية، وتسببت بكوارث ونزوح وخسائر كبيرة للسكان واضطرابات أعاقت الاستقرار والتنمية

مع تراجع حدة الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وخفوت الحرب في إقليم دارفور غرب البلاد، وصولًا إلى اتفاق سلام أنهى الحرب الأهلية، وانتهاء النزاع في دارفور في سنوات تالية، شهد السودان بشطريه نوعًا من الاستقرار

على الرغم من استمرار الصراعات بين مكونات المجتمع السوداني، إلا أن خطر الحرب وما تسببه من كوارث زال كليًا

وتحول الصراع إلى سجال سياسي في الغالب، بما في ذلك إزاحة نظام الرئيس السوداني السابق البشير من الحكم في ٢٠١٩، دون انزلاق البلاد في حرب دامية

إن الدرس الأهم للتجربة السودانية هو أن طول أمد الحرب سبب لمزيد من الكوارث على المدنيين، وأن التعايش بنهاية المطاف هو الخيار السليم

غير أن التنوع الديني والإثني في السودان، وإن كان أبرز أسباب الحرب الأهلية والصراعات، إلا أنه من زاوية أخرى عامل قوة للحيلولة دون هيمنة طرف على آخر أو إقصائه نهائيًا

في اليمن، لا يأخذ النزاع طابع نزاع ديني بين ديانتين مختلفتين، لكن النزاع اليمني أكثر خطورة، إذ يتصل مباشرة بسعي جماعة متمردة، هم الحوثيون، لفرض هيمنتهم وثقافتهم المتعلقة بشكل الحكم، وبذلك يعيدون تكريس نظام الإمامة الذي عانى منه الشعب في شمال اليمن، لفترات من الزمن، بما تتضمنه من ممارسات عنصرية وفرز اجتماعي للمجتمعات والسكان إلى سادة وطبقات أدنى، وبما يجعل الصراع بين تيار الجمهوريين والإماميين

يمثل هذا البعد أبرز مسببات الصراع واستمراره، في حين كان النزاع في السودان متصلًا بالصراع على السلطة والنفوذ، وليس حول النظام الجمهوري، كما لم يكن هناك طرف من أطراف النزاع يحاول فرض تفرقة عنصرية على الآخر

ويشكل الجانب الآخر للنزاع في اليمن، بين مؤيدي استمرار اليمن موحدًا أو المؤيدين لدولة جمهورية اتحادية من ستة أقاليم، في مواجهة دعاة انفصال الجنوب، وبما يجعل التجربة اليمنية من هذه الزاوية قريبة الشبه بالتجربة السودانية في المسار الراهن للنزاع اليمني

وإن أخطر ما في الأمر هو أعداد ضحايا الحرب في اليمن حتى الآن في العام الثامن للحرب، فمتوسط الضحايا يشير إلى أن الحرب اليمنية شرسة بالمقارنة مع الحرب الأهلية السودانية طويلة الأمد، والتي وصفت بأنها واحدة من أكثر الحروب الدامية والشرسة في القرن العشرين

ذلك يعني أن استمرار الحرب اليمنية يهدد بحصد ضحايا مدنيين بشكل يتجاوز مستوى ضحايا الحرب السودانية التي استغرقت زمنًا طويلًا

ليصلك كل جديدالاعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير