أيوب الحمادي : في اليمن- لم تُخلق وظيفة حقيقية!
منذ 6 ساعات
أيوب الحمادي تركز الأخبار القادمة من سوريا بشكل متكرر أن سوريا تتقدم بثبات في المشهد الاقتصادي الإقليمي من خلال إبرام 44 اتفاقية مع المملكة العربية السعودية بقيمة 6 مليارات دولار، مما سيوفر نحو 50 ألف فرصة عمل مباشرة في قطاعات حيوية مثل البنوك، الإنشاءات، الأمن السيبراني، الطاقة والصناعة
ويواكب هذا الحراك إعلان قطر عن مشاريع استثمارية بقيمة 14 مليار دولار تشمل إنشاء مطار دمشق الدولي الجديد، مشروع المترو، وأبراجاً سكنية وتجارية في عدة محافظات، الأمر الذي يسهم في خلق عشرات آلاف الوظائف الإضافية
ولا يقتصر التعاون الدولي على السعودية وقطر، فقد أعلنت تركيا عن شراكة نوعية مع سوريا في مجالات متعددة، كما أبدت بريطانيا مؤخراً دعماً واضحاً لمسيرة التعافي الاقتصادي السوري
ويبرز دور السوريين في المهجر الذين أظهروا التزاماً ملحوظاً بدعم وطنهم من خلال تأسيس أكثر من 500 شركة جديدة منذ مطلع عام 2025
كما أكد وزير الاقتصاد السوري محمد نضال الشعار أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سيشهد ارتفاعاً كبيراً في عامي 2025 و2026، بفضل توجه الحكومة نحو خصخصة الشركات الوطنية وطرحها في الأسواق المالية، بالإضافة إلى اعتماد سياسات إعمار مبتكرة تهدف لتقليل التكاليف وتحفيز الاستثمار طويل الأمد
وأشار الوزير إلى أن التقديرات التقليدية لحاجات إعادة الإعمار أقل بكثير من الإمكانات الاستثمارية المتاحة، والتي قد تتجاوز تريليون دولار، ما يعكس حراكاً اقتصادياً متسارعاً وعودة تدريجية للثقة والمبادرة نحو مستقبل أكثر استقراراً ونمواً
في المقابل، تعاني الساحة اليمنية من غياب المشروع الوطني والرؤية الاقتصادية الشاملة، إذ تركز الأخبار القادمة من اليمن بشكل متكرر على ملاحقة التجار وأصحاب المخابز والصرافين لخفض الأسعار واستهداف القطاع الخاص، بينما يغيب الحديث عن مشاريع تنموية أو إصلاحات اقتصادية أو استقطاب لرأس المال اليمني المهاجر
وتتصدر الأخبار قضايا هامشية كتوزيع المناصب وشهادات الدكتوراه بين القيادات، أو قوافل المياه والإغاثة، وتخريج دفعات عسكرية جديدة، مما لا يمس جوهر التحديات ولا يصنع نهضة حقيقية أو قدرة تنافسية للدولة
فمنذ عام 2011 لم تُخلق وظيفة حقيقية في بلد يقترب عدد سكانه من 40 مليون نسمة، ما يعكس عمق الأزمة وعجز السياسات عن إحداث تغيير مجتمعي أو تنموي أو جذب استثمارات جدية
الحكومات اليمنية منشغلة بالقشور منذ عقود، وبرغم الإمكانيات والدعم الخارجي والمغتربين، تظل الجهود مبعثرة في مشاريع غير واضحة وخطوات مرتجلة بلا أثر ملموس، مع تشتت النخب وتكرار الأزمات، وغياب مشروع اقتصادي وطني متماسك، مقابل حضور النزعات الفردية وتفتت القيادة
هنا، تؤكد التجربة السورية أن طريق التعافي يبدأ بمشروع اقتصادي واضح وخطط مدروسة وشراكات دولية متينة، بينما يبقى اليمن أسير التخبط، ينتظر معجزة لم تأت بعد
الفرق جلي؛ بين دولة تستثمر الفرص وترسم مستقبلها الاقتصادي بوعي، وأخرى غارقة في أزمات ودوامات انشغال زائف على مواقع التواصل بلا أفق للتغيير، لتسوء أوضاعها باستمرار
في الختام، أتذكر جيداً أنه قبل اندلاع الحرب، كنت في مكتب صندوق المانحين خلال اجتماع مع وزير يمني والمدير التنفيذي للصندوق، بعد أن دعاني الأخير للحضور
كان الوزير يستعرض مشاريع وزارته، بينما كنت أستمع وأرى أن تلك الجهود لن تحقق النتائج المرجوة ولكني خجلاً اقول وجهة نظري بصراحة
وأذكر أنني وقتها بعد أن طلبوا يسمعوا مني أمسكت قلمي، وقلت للحضور، دعوني أوضح لكم كيف يعمل جزء كبير من القيادات اليمنية في مواجهة التحديات وعدم استغلال الفرص التي أمامنا
أعطيكم هنا مثالاً وسوف تفهمون ما اقصد، وأخرجت قلم من جيبي وقلت لو أن تكلفة إنتاج هذا القلم الذي في يدي تبلغ مائة دولار، وطُلبت منكم خفض كلفة إنتاجه إلى النصف، كيف ستبدؤون؟ غالبية القيادات سيفكرون بداية في تغيير تصميم الغلاف الخارجي، لأنه الأكثر وضوحاً للجميع، آخرون قد يتجهون إلى تعديل الزنبرك أو قصبة الحبر، وهكذا تمضي الجهود يميناً ويساراً ارتجالاً بلا خطة واضحة، مثل لعبة حظ
لكن قد تندهشون لو عرفتم أن الغلاف لا يشكل سوى 3% فقط من الكلفة الإجمالية للقلم، والقصبة 5%، والزنبرك 5%، مما يعني أن تقليل تكلفة هذه الأجزاء لن يسهم فعلاً في تحقيق الهدف المرجو من التخفيض مهما جمعنا كل جهودنا
السبب هو العمل دون خطة وأننا لا ندرك أين مكمن التأثير الحقيقي، فنستنزف طاقاتنا في تفاصيل لا تغير شيئاً في النتيجة النهائية، وفي نهاية المطاف تظل التكلفة كما هي، وتبقى المشكلة قائمة، بل وربما يظهر منافس أقوى في السوق
أنطلقنا بالعمل دون معرفة أن الجزء الأهم من القلم، كان رأس الكتابة، الذي يؤثر فعلاً في كلفة الإنتاج وربما يشكل 50% منها، غالباً ما يكون آخر ما نفكر به، مع أنه جوهر التغيير
وقتها كنت اتحدث امامهم ولدينا كدولة أمامنا تعهدات من المانحين 8 مليار و350 مليون دولار في الصندوق، ولدينا قوة المغترب اليمني تصل الى حاجز 100 مليار دولار، ولدينا رغبة حقيقية لانتشال اليمن ولدينا مجتمع اقليمي ودولي يريد يدعم اليمن