ابراهيم جلال : الرقصة الأخيرة: قُتل صالح كما عاش في قلب العاصفة
منذ 5 ساعات
ابراهيم جلال اختار الرئيس صالح لحظته الأخيرة بطريقة تجسد مسيرته السياسية التي طالما شُبهت بالرقص على رؤوس الثعابين، وهي استعارة اختزلت قدرته على اللعب على حافة التناقضات وإدارة التحولات بدهاء، في بلد لم تنجح فيه أي قوة في ترويض الثعابين أو إدارتها حتى اليوم
عام 2015، سألت سياسياً محنكاً عن المصير المتوقع لأول رئيس للجمهورية اليمنية
قال بكل ثقة: سيقتل الحوثيين صالح في الداخل إذا ما طالت الحرب (كما يتوقع)
وكانت حجته أن التحالف بين صالح والحوثيين مؤقت—محكوم بصراعات التاريخ وحدود المناورة واختلاف الأجندات
في أواخر عام 2016، اتخذ الحوثيون، بتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، قراراً استراتيجيا بتصفية الرئيس صالح، وفق مصادر مطلعة
كان هدفهم تفكيك ما تبقى من الدولة العميقة واستكمال سيناريو السيطرة على شمال الشمال
ولم يكن ينقصهم سوى اللحظة المناسبة للتنفيذ
بين أغسطس وديسمبر 2017، بدأت الظروف تنضج
تصاعدت التباينات، والخطابات كشفت عن تصدعات طبيعية
كثف الحوثيون اختراقهم لصالح؛ راقبوا اتصالاته، استغلوا الوساطات المحلية والإقليمية، رفعوا حالة الجهوزية، وفعلوا عملاء مزدوجين داخل حلقته الضيقة
وحتى تحركاته العسكرية (الانتشار الأمني لعناصر تقدر بالآلاف في صنعاء دون استراتيجية واضحة وبروتوكول أمني منضبط على سبيل المثال) بمناسبة ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام خضعت للمراقبة الدقيقة، إلى الحد الذي اضطره إلى تغيير خطابه في اللحظة الأخيرة، وهو على منصة السبعين
علّقت الجماهير حينها آمالاً كبيرة على خطاب السبعين، في اغسطس 2017، لإعلان فض الشراكة والانتفاض على ما سماه صالح ظلم الإمامة انتصارا لمبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر في خطاب الوداع
توقع الجميع تحولاً واضحاً في موقفه من الحوثيين
لكن الخطاب جاء باهتاً وحذراً، وسط انتشار عسكري حوثي كثيف أحاط بالميدان
كان ذلك الخطاب، في جوهره، تحت التهديد
لقد بدت لحظة السبعين سياسية في ظاهرها، لكنها كانت مرآة لتحول عسكري فرض كلمته بصمت وحسم
لقد كانت لحظة فارقة
وثائقي قناة العربية، عبر شهادات مقربين، أبرزهم نجله مدين وبعض من حراسته الخاصة، إضافة أرشيفية مهمة حول كيفية مقتل صالح في حرب غير متكافئة، حيث تلاشت التحالفات، وتبدلت الولاءات، وانكشفت الخيانات، بفعل الترهيب والترغيب
قاتل صالح ببسالة إلى جانب أبنائه ورفاقه حتى الرمق الأخير، بكل ما له وما عليه (يطول هنا الحديث)
وفي قرية الجحشي، التي كانت جزءاً من ذاكرته الأولى في سنحان، طُويت صفحة الرقصة الأخيرة
هناك، انتهى فصل الزعيم الذي شكّل أبرز ملامح اليمن خلال العقود الخمسة الماضية، رأى خلالها صعود النظام وتوحيد البلاد وانسداد الأفق السياسي والانقلاب على الثوابت الوطنية وما تلا ذلك من حرب وفوضى وتشرذم
قُتل صالح كما عاش: في قلب العاصفة
لم يفر، ولم يساوم على حياته مقابل العزلة
عاش بكبر واعتزاز
واجه نهايته في ميدان مكشوف، بلا حلفاء يُعتد بهم، منفردا مع اقرب الناس له
بلا أنصار في أحلك لحظة، مقراً بأهمية الدفاع عن الجمهورية
ثُر، ثُر، ثُر
هذه كانت وصيته الكبرى قبل اعادة التموضع نحو حصن عفاش بسنحان في محاولة لإعادة تقديم نفسه كقائد وطني سيدفع ثمن موقفه بعد سويعات
ضاق فضاء الرقص، وضاقت معه الخيارات، وساءت حينها تقديرات الكثيرين
شكل رحيله خسارة سياسية
حينها بكى عليه أنصاره وخصومه ومتابعيه
لكنه اختار لحظته الأخيرة بتفاصيلها كزعيم يحاول كسر الحصار
كانت هذه آخر رقصة … في كمين أحد الثعابين