احمد عبدالملك المقرمي : بين الدول والدويلات و الخلافة و المشيخات !

منذ 8 ساعات

احمد عبدالملك المقرمي    قبل أن تَكْفَهِرّ وجوه، و تسود نوايا من مفردة ( الخلافة) التي مثلت يوما مصطلحا سياسيا، مثله مثل مصطلح الملكية أو الامبراطورية، نود أن نستلفت مسبقا انتباه المتأثرين،أو المقلدين  للنظرة العدائية للدول الاستعمارية تجاه المصطلح أن هذه السطور لن تتناول هذه المفردة من الزاوية التي ترعب النزعة الصليبية، أو المواقف الاستعمارية،  و لكن لا مفر و لا عيب في أن يتم تناوله كتاريخ

بل إن تناوله كحضارة،و ريادة، و كأمة،و كتاريخ في هذا الزمن الأغـــبر يغدو واجبـــا حتميـا، و فرضا لازما؛ بهدف أن نستدعي الجوهر لا العرَض،و الهيبة لا التسمية

   هل يخجل أحد ــ اليوم ــ أن يفخر و يتباهى من أن الرسول صلى الله عليه وسلّم مات يوم مات و الجزيرة العربية كلها قد توحدت ، و ترفرف عليها راية واحدة، هي راية الإسلام؟   لحق الرسول عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى، فاختار المسلمون أبا بكر الصديق أميرا لهم سموه الخليفة، بمعنى أنه خَلَفَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المسؤولية السياسية و القيادية، وهو مصطلح تحاشى المسلمون فيه مسمى الامبراطور ، مثلا ؛  ــ  أو ما كان سائدا في ذلك الزمن ؛  و لأن مسمى الخليفة بالمعنى الذي تقدم كان مصطلحا توافق عليه المسلمون، فقد رأوا بعد وفاة الخليفة الصديق ( رض ) و اختيار الفــاروق عمر بن الخطـاب ( رض ) ألا يأخذوا بلقـــب الخليفة حتى لا يطول المصطلح :  خليفة خليفة رسـول الله ، و حين يأتي من بعده سيكون أطول، فقد توافقوا على أن يصبح المصطلح : أمير المؤمنين

   و العبرة بالمسمى و ليست بالتسمية، فلو خلعنا تسمية الأسد على الثعلب، لما أصبح الثعلب أسدا

   عسى أن تكون الحساسية من مسمى الخليفة، أو الخلافة قد  زالت، و اتضح المعنى و كيف أتت التسمية؟  لكن بقي شيئ أهم ، و هو أن مصطلح الخلافة، مَثّل للدول المناوئة ــ التي عاصرت دولة الخـــلافة الإســلامية ــ كابوسا، و فزعا دائما ؛ لأن الخـــــــلافة الـــراشدة، و الخلافة الأموية، فالعبــاسية ـ قبل أن يصيبها الضــعف ــ ثم العثمـانية قبل أن يدركها الوهن، مثلت جميعها الدولة القوية التي هابها الجميع ، و لا كان يطمع فيها أحد، و لا يمكن أن تهددها دولة، كما أهدت العالم فنون العلم و المعرفة، و  الحضارة و السيادة ، و حررت الشعوب من طغاتها، وانتصرت لكرامة الإنسان،  و نشرت العدل و قدمت الصورة الحقيقية للحكم الرشيد ، على تفاوت فيما بينها

   من هنا مثّل مصطلح الخلافة رعبا للطغاة في كل العالم، فلما تحولت الدولة المترامية الاطراف، القــوية البنيـــان، المتميزة بالحضــــــارة، المتوحدة الــــــراية إلى دويلات ، و إمــارات ، و مشيخــات ؛ و سادت الفرقة، و تلاشت القوة، و حل الجهل محل العــــلم ، و التخلف بدلا عن الحضارة

أطمع هذا التخلف و التفكك المُزري دول أوروبا فشنت حروبها الصليبية و التي جاءت مشبّعة بروح انتقامية و عنصرية حاقدة ، و يكفي  أن نعرف أن الحروب الصليبية على الأمة استمرت أكثر من مائتي سنة، و رغم انكسار كل الحملات الصليبية التي استمرت كل تلك المدة من الزمن، إلا إنها مهدت للفترة الاستعمارية التي ساعدها تحول بلاد العـــــــــرب و المسلمين إلى مشيخــــات ، و إمارات، و دويلات، بدلا عن دولة واحدة قوية، بحيث صارت لا تملك لنفسها طَوْلاً، و لا حولا، و لا تستطيع دفع مستعمر، أو رد عدو

   إن الأمة اليوم،منذ أصابها الضعف و الوهن و التشرذم، لهي بأمس الحاجة لأن تستعيد هيبتها،و قوتها، و وحدتها وليكن ما يكن مسماهــا ، فالعبرة بما تكون عليه من مهـــابة ، و قــــوة ، و حضارة، و تقدم،و يكون من يتبوّأ أمرها من الحنكة بحيث يخاطب لسان حاله السحاب: أمطري حيث شئت فخراجك سوف يأتي  إليّ

    أليست الأمة بحاجة إلى دولة،أو دول لها منعتها، و مكانتها، تستعيد الهيبة،و تفرض حضورها بقوة و شجاعة،على النحو الذي كان عليه أمرها أيام عزتها و قوتها،و حضارتها؟   ما من شك أن هذا سيكون؛ و إن التحديات التي تواجه الأمة اليوم ؛ لا ريب أنه حفّزها، و أيقظها، وبين أنه لا بقاء، و لا مكان لذليل أو متخلف، أو لأمة ممزقة على ظهر هذه الأرض