ارتفاع سعر الريال اليمني... وهم أم حقيقة؟

منذ 14 ساعات

فجأة في ظل الحرب، وبلا مقدمات اقتصادية واضحة، سجل الريال اليمني، خلال الأسبوعين الماضيين، ارتفاعا ملحوظا أمام العملات الأجنبية، ما أثار تساؤلات عديدة شتى وسجالات واسعة بين من أرجع ذلك إلى وديعة سعودية، رغم أن الإعلان عنها جاء بعد هذا التحسن، ومن عزا ذلك إلى ضغوط مارستها الولايات المتحدة على الحكومة اليمنية لتطبيق إصلاحات اقتصادية ضرورية على وجه السرعة بعد أن أصبح الاقتصاد اليمني ومعه حياة اليمنيين وسبل عيشهم على المحك وفق بيان للسفارة الأميركية لدى اليمن

بدأ ذلك التحسن المفاجئ في سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بانخفاض سعر الدولار الأميركي من 2800 ريال للدولار الواحد إلى 1800 ريال، وذلك في المناطق (المحررة) التي تديرها الحكومة اليمنية الشرعية، بينما بقي الحال في مناطق سيطرة الحوثيين على ما هو عليه، أي ما بين 533-535 ريالا للدولار الواحد، وهذا في نظر كثير من خبراء الاقتصاد أمر غير طبيعي أو صحي اقتصاديا بلغة الأرقام ومعايير قياس الأداء والتعافي الاقتصادي

سقوط إلى الأعلىلم تعلق الحكومة اليمنية رسميا على هذا التطور أو تقدم تفسيرا لحدوثه وما إذا كان مبنيا على جهود وإجراءات مالية قامت بها، وأفضت بالتالي إلى ذلك، أم أن الأمر أشبه بسحابة صيف عابرة كما ألمح إلى ذلك بعض المتشككين بحقيقته

ففي بلد متشظ ومنقسم كاليمن كان لا بد أن تتباين الآراء حيال تطور كهذا، غلب على معظمها القلق والحيرة، لكن الجميع تبارى في تقديم تفسيرات متفاوتة بشأن ما جرى، حيث قوبل تحسن سعر الصرف في مناطق سيطرة الحكومة بالتفاؤل عند البعض وبترحيب حذر عند البعض الآخر، إذ لم تكن هناك أسباب معلومة لتفسير أو تبرير هذا التحسن الطارئ

إلا أن ذلك التحسن شجع قيادة الحكومة والبنك المركزي على اتخاذ المزيد من الخطوات من شأنها منع المضاربة الجامحة بأسعار الصرف بهدف تحسين حالة الريال وإعادة تعديل أثمان السلع والخدمات الأساسية بما يتوافق مع انخفاض قيمة العملات الأجنبية

كان لا بد للبنك المركزي اليمني من القيام بأي أجراء يمكنه من إنقاذ الاقتصاد بعد تدني القيمة الشرائية ورفض بعض كبار تجار البيع بالجملة قبول الريال اليمني، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وغير ذلك

تزامن هذا مع اتخاذ البنك المركزي سلسلة إجراءات لمنع المضاربة بالعملة، وكذلك لتشديد الخناق على شركات الصرافة التي يشتبه في تسهيلها الحركة المالية لجماعة الحوثيين، حيث أوقف البنك التعامل مع عدد منها، وطالب البعض الآخر بسرعة نقل مقارها الرئيسة إلى عدن، العاصمة المؤقتة لليمن

دور جمعية الصرافةفي عدن، قال المتحدث باسم جمعية الصرافين، صبحي باغفار، قال في تصريحات صحافية إن الانخفاض الملحوظ في أسعار الصرف ليس أمرا عشوائيا أو مفاجئا بل نتيجة خطة مدروسة وُضعت قبل عامين بين جمعية الصرافين والبنك المركزي، وبدأ تنفيذها فعليا قبل نحو شهر ونصف الشهر بشكل غير معلن، وجرى العمل على ذلك في سرية تامة لضمان نجاح الخطة

‏وفور شيوع نبأ ارتفاع سعر العملة، وإعلان الحكومة عن قائمة لتحديد أسعار السلع التموينية والاستهلاكية سارع بعض المواطنين إلى مهاجمة عدد من المحال التجارية بحجة عدم التزامها بتلك الإجراءات وعدم خفض الأسعار، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو في مدينة عدن تظهر قيام البعض بأعمال شغب وفوضى أمام بعض المستودعات والبقالات ومحاولة الاعتداء على أصحابها

فيما شكا كثير من تجار الجملة والتجزئة من أنهم غير قادرين على بيع بضائعهم بحسب التسعيرة الجديدة تفاديا للخسائر التي يمكن أن تنجم عن ذلك، وطالبوا الحكومة بتعويضهم، وذلك بدفع الفارق بين المبالغ التي قاموا بدفعها لشراء تلك السلع، والأثمان التي ينبغي حصولهم عليها وفقا لتلك القائمة

وفي كل الأحوال لا يمكن الحكم على نجاعة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اليمنية من عدمها ما لم يتم ضمان ثبات واستمرار هذا التحسن في سعر صرف الريال وانخفاض العملات الأجنبية أمامه لعدة أسابيع وشهور، وتدفق السلع، والتدرج في تنفيذ تلك القرارات منعا للإرباك وتجنب الفشل في تطبيقها، وكذلك في تعزيز قدرة الحكومة على دفع رواتب موظفيها بانتظام وفي مواعيد محددة

طباعة عملة مزورةولا بد أن ما حدث يعبر عن طور جديد من المواجهة، بل الحرب الاقتصادية الضروس، دخل في معمعة الصراع القائم في اليمن بين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا وجماعة الحوثيين الموالية لإيران

ففي مقابل ارتفاع سعر الريال قامت جماعة الحوثيين، وفقا لما أعلنه وزير الإعلام والثقافة والسياحة، معمر الإرياني، بما قال إنها جريمة أخرى يرتكبها الحوثيون بـتزوير العملة الوطنية عبر طباعة وصك كميات كبيرة من الأوراق والعملات المعدنية دون غطاء قانوني أو نقدي، وبعائدات تقدر بـ12 مليار ريال وأن الجماعة انتهكت السيادة النقدية للدولة من خلال إصدار عملات مزورة خارج إطار البنك المركزي، في مخالفة صريحة للقوانين الوطنية والمعايير النقدية الدولية، وضمن سياسة ممنهجة لخلق اقتصاد مواز يكرس مشروعها الانقلابي

هذه الاتهامات غير مشكوك بصحتها تماما، خصوصا بعد أن تمكن الحوثيون بمساعدة إيرانية من طباعة وصك بعض الفئات النقدية وطرحها للتداول، وذلك في مخالفة صريحة لاتفاق مالي سبق التوصل إليه بوساطة دولية، وذلك لمنع القيام بأي خطوة أحادية الجانب في هذا الشأن، وإذا تأكد قيام الحوثيين بطباعة المزيد منها بمبالغ كبيرة، وهذا غير مستبعد، فإنها تعني أن البلاد أمام محاولة جديدة من قبل الحوثيين لإغراق حياة سكان البلاد في فوضى اقتصادية كبيرة ومعقدة لن تجدي معها أي جهود لإصلاح اقتصادها وتخفيف معاناة شعبها

تحديات الحربفي المرحلة الحالية من الحرب التي يشهدها اليمن لا توجد لدى البلاد صادرات كبيرة بما يكفي لتأمين حاجتها من العملات الصعبة وذلك لتلبية ما تحتاج إليه حكومته لفتح اعتمادات استيراد بالنقد الأجنبي، وذلك لتأمين الاحتياجات الضرورية لمواطنيها الذين يزيد عددهم على 37 مليونا، يقطن منهم في مناطق سيطرة الحوثيين ما بين 7-8 ملايين نسمة

وقد بلغت إيرادات البلاد من صادرات النفط الخام قبل العام 2014 ما يصل إلى 1

454 مليار دولار

أي ما كان يكفي المالية لتمويل ما يصل إلى 70 في المئة، من ميزانيتها لتأمين صرف رواتب موظفي الدولة والحكومة بشقيها المدني والعسكري

ومنذ سنتين تركزت تهديدات الحوثيين ضد تعافي الاقتصاد على استهداف ناقلات النفط التي تقترب من موانئ تصديره في محافظتي حضرموت وشبوة، وجرى على الفور إيقاف تصدير النفط في أكتوبر/تشرين الأول 2022، عقب إطلاق الحوثيين صواريخ وطائرات مسيرة أعاقت بالفعل تصدير النفط من موانئ محافظة شبوة، وميناء (الضبة) بمحافظة حضرموت شرقي البلاد

وحينها، أعلنت جماعة الحوثيين أنها نفذت ما وصفته بـضربات تحذيرية في هذه الموانئ لمنع نهب ثروات البلاد من النفط الخام، على حد زعمها، وجاء هذا التصعيد من قبل الحوثيين كنوع من الضغط على الحكومة، بحسب مزاعمهم، بهدف إجبارها على صرف رواتب الموظفين القاطن أغلبهم في مناطق سيطرة الجماعة بلا أعمال يقومون بأدائها، وبعد توقف صرف الرواتب منذ عام 2016 بموجب قرار حكومي مدعوم دوليا بنقل عمليات البنك المركزي المعترف به عالميا من العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن

خسائر وقف تصدير النفط والغازولا يعد اليمن بلدا منتجا كبيرا للنفط الخام أسوة بجيرانه العرب في الجزيرة والخليج، إلا أن إيراداته كانت تشكل نحو 70 في المئة من موازنة الدولة في ظل الظروف الصعبة التي تعاني منها البلاد جراء الحرب، مما يجعل توقف تصدير النفط بمثابة خسارة مالية كبيرة للحكومة

ودائع السعوديةوقبل أيام فقط من تحسن سعر الريال اليمني أعلنت المملكة العربية السعودية عن قيامها بوضع وديعة جديدة في خزينة البنك المركزي اليمني تبلغ مليارا ومئتي مليون دولار، وذلك لتعزيز اقتصاد البلاد المتعثر، ومن غير المعلوم على وجه الدقة إذا كانت هناك صلة بين الأمرين، أي بدء تعافي الريال والوديعة السعودية الأخيرة

وكانت الرياض قد أودعت حتى الآن نحو أربعة مليارات دولار لدعم موازنات الحكومة اليمنية في مجالات دعم مشترياتها الخارجية وصرف رواتب موظفيها، كما قامت بتحويل مئات الملايين من الدولارات الأخرى وتقديم عدد من شحنات النفط إلى جانب مساعدات إنسانية متنوعة لإعانة اليمن في معاناته المتفاقمة جراء الحرب

و‏في واقع الأمر، يجوز القول- لا بتفاؤل مفرط ولا بتساؤل مشروع- أن الأزمات التي يمر بها اليمن جراء الحرب، التي تسببت فيها جماعة الحوثيين بدعم من إيران، عديدة ومرتبطة ببعضها وكل منها يسهم في تفاقم الأخرى، وما الضائقة الاقتصادية الراهنة إلا أحد أبرز مظاهرها وأخطرها، ولا يبدو أن الودائع والمساعدات الخارجية وحدها ستكون كافية لمواجهة متطلبات وتحديات هذه الأزمة

‏الحل يكمن في قدرة اليمنيين على استثمار ثرواتهم المعدنية والطبيعية وتصديرها، وفي مقدمة ذلك النفط والغاز، وإجراء إصلاحات مالية وإدارية على أداء الجهات التحصيلية، الضريبية والجمركية، لتصب كل هذه المصادر معا في الخزينة العامة للبلاد