اقتصاداً ثقافياً بمليارات الريالات تتبناه السعودية !

منذ 6 أيام

يعيدان تشكيل المدن والهويات ويولدان فرصا اقتصادية ووظيفية متنامية

وفي هذا السياق تبرز السعودية كنموذج إقليمي صاعد في تحويل الثقافة إلى قطاع اقتصادي منتج، مستندة إلى رؤية 2030 التي أعادت تعريف الثقافة بوصفها رافدا اقتصاديا وإستراتيجيا ضمن منظومة التنويع الوطني

منذ تأسيس وزارة الثقافة  2018 ومن  ثم إطلاق صندوق التنمية الثقافية، بدأت المملكة في بناء منظومة تحول الثقافة من الرمز إلى العائد، مع تمويل مجالات السينما والفنون البصرية والأزياء والنشر والتراث، وتمكين رواد الأعمال في الصناعات الإبداعية

مشاريع مثل القدية والدرعية ورياض آرت أصبحت شواهد على هذا التوجه، حيث لم تعد الثقافة مجرد واجهة حضارية بل جزءا من معادلة الاستثمار الوطني

وخلال السنوات الماضية رُصدت استثمارات تتجاوز 80 مليار ريال في البنية التحتية الثقافية منذ انطلاق رؤية 2030، ما أسهم في رفع مساهمة الثقافة في الناتج المحلي إلى نحو 1

6%، مع هدف معلن للوصول إلى 3 % بحلول 2030

  هذا الحراك يعكس قناعة بأن القطاع الثقافي السعودي واعد ويتمتع بإمكانات غير مسبوقة، ليس فقط من حيث الفعاليات أو المعارض، بل عبر بناء سوق متكامل يشمل التعليم والإنتاج والتوزيع وحقوق الملكية والتقنيات الحديثة

ويُنظر إلى الثقافة اليوم كقطاع قادر على خلق شركات مليارية “يونيكورن” في مجالات مثل صناعة المحتوى، والفنون الرقمية، والترفيه التفاعلي، ما يربط الهوية الوطنية بالقدرة الاقتصادية والتنافس العالمي

تظهر المؤشرات الاقتصادية تحولا في وزن الثقافة داخل الاقتصاد الوطني، إذ يتوقع أن تصل مساهمة القطاع الثقافي إلى نحو 20 مليار دولار بحلول 2030 مع خلق أكثر من 100 ألف وظيفة جديدة، ما يضعه في صف واحد مع قطاعات واعدة مثل السياحة والتقنية

وفي موازاة ذلك تم إطلاق جامعة الرياض للفنون، التي تضم 13 كلية فنية وتستهدف تخريج أكثر من 30 ألف طالب لتغذية سوق العمل بكفاءات قادرة على قيادة التحول وإدارة مؤسسات القطاع بمعايير عالمية

وعلى المستوى العالمي يتشكل اقتصاد ثقافي ضخم، حيث تشير التقديرات إلى أن حجم السوق الثقافية سيبلغ نحو 1

5 تريليون دولار بحلول 2033 بمعدل نمو سنوي نحو 6

2%، مدفوعا بازدياد الطلب على الفنون والترفيه والسياحة الثقافية، إلى جانب التحول الرقمي في صناعة المحتوى

كما تجاوزت الاستثمارات في البنى الثقافية حول العالم 15 مليار دولار في عام واحد، فيما تنمو السياحة الثقافية بمعدلات نحو 15% سنويا

في الداخل تمتلك السعودية قاعدة ثقافية غنية ومتنوعة تمتد من التراث العربي والإسلامي إلى الموسيقى والفنون الحديثة والأزياء والتصميم، وجرى تحويل هذه الهوية إلى فرص اقتصادية من خلال فعاليات مثل موسم الرياض، بينالي الدرعية، وجدة التاريخية التي باتت محطات جذب للسياح والمستثمرين

ومع دخول الصناديق الحكومية والقطاع الخاص في تمويل المشاريع الثقافية يتعزز تحول الثقافة إلى قطاع تجاري مستدام لا يعتمد فقط على الإنفاق الحكومي فقط

ومع هذا التقدم يظهر تحدي الاستدامة كخطوة لاحقة، من خلال تنويع التمويل، تطوير الكفاءات الوطنية، وقياس الأثر الاقتصادي والاجتماعي بشكل دقيق

كما يظل مستقبل القطاع مرشحا لنمو أكبر مع توسع الاستثمار في السينما، الألعاب الإلكترونية، الفنون الرقمية، والإبداع التقني، ما يعزز فرص ظهور شركات سعودية رائدة في الصناعات الثقافية على النطاقين الإقليمي والعالمي

وبهذا المشهد تؤكد التجربة السعودية أن الثقافة لم تعد نشاطا هامشيا، بل اقتصادا حقيقيا بمليارات الريالات، وقوة ناعمة تتحول إلى قوة اقتصادية، تجمع بين الهوية والعائد، وتؤسس لمستقبل تصبح فيه الثقافة جزءا من الناتج، وفرصة من الاستثمار، ومسارا لصناعة شركات إبداعية عالمية من قلب السعودية

محمد الماضي : كاتب ومحلل في شؤون المال والأعمال