الأبعاد الوطنية للهوية اليمنية عبر التاريخ وفي ظل المتغيرات الطارئة على الساحة الوطنية والمتغيرات الإقليمية

منذ 2 سنوات

لقد مرت اليمن بمراحل متعددة عبر حقب تاريخية غابرة تشكلت فيها الهوية الوطنية وارتسمت قسماتها وملامحها على الإنسان اليمني والأرض اليمنية  

فاليمن هي مهد التاريخ ومنبع حضارات العالم إذا لا توجد حضارة في المعمورة إلا وقد تأثرت بعوامل التأثير من الحضارة اليمنية فهجرة اليمنيين الذين انتقلوا عبر حقب التاريخ الى بلدان العالم شكلوا  حضارات  وفتحوا الآفاق  وبنوا حضارات تلك الدول او ساهموا في نشوئها وبنائها وكانت لهم بصمات على واقع تلك البلاد بما يدل على أن اليمني يحمل هويته الوطنية معه أينما سار وذهب ويؤثرفي محيطه الإجتماعي

اليمن  هي أصل العرب  وهذا ليس قولي بل هو ما جاءت به بطون الكتب القديمة فقد ذكرت اليمن في التوارات او مايسمى بالعهد القديم بإسم يمنات وذكرت في كتب الإغريق ببلاد العجائب وبلاد السعيدة كما أن الله كرمها يسورتين في كتابه الكريم الأحقاف وسبأ  وذكر الله ملوك اليمن التبابعة  إذ قال تعالى  وهو يصف العظمة والجبروت الذي تميزوا به  :-  وهذا دليل على أن الهوية الوطنية اليمنية لها تعظيم وتفخيم جاء في سياق أيات التنزيل الحكيم  ووصف الله  لهم بالعظمة والتفخيم

وذكرهم  الله في سورة سبأ إذا قال جل جلالة

لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور  

لقد كانت اليمن هي البلاد التي عرفت  قانون الدولة نظرا للدول المتعاقبة في الجغرافيا اليمنية،  كدولة حضرموت ودولة معين ودولة قتبان ودولة اوسان ودولة سبأ  وحمير  وهي دول  تشكلت فيها الهوية الوطنية وحملت الأبعاد الوطنية للدولة اليمنية القديمة فيما قبل الإسلام  بكل عظمتها وبما حملته من مضامين وطنية واقتصادية وثقافية وأيضا عسكرية

 فملوك اليمن كانت جيوشهم  تجوب الجزيرة وتسيطر على رقعة واسعة من الأرض ، إذ أنها احكمت السيطرة على كامل ارجاء الجزيرة العربية فلم يذكر التاريخ إلا دول اليمن المتعاقبة على جزيرة العرب  

وعليه فإن اليمن ليست إتجاه كما يروج أعداء اليمن بل إن اليمن هوية وتاريخ وحضارة وبلاد ذكرت في كتب التاريخ والتنزيل الإلهي بإسم يمنات ومن هذا المنطلق نحن  أمام هوية وطنية ذكرها الله في كتبه المنزلة على رسله و هي قومية تشكلت عبر أزمنة تاربخية تجسدت فيها الحضارة اليمنية مشكلة هوية اليمني الذي يعتبر زرع الأرض اليمنية  فمنها بداية الخليقة ومنها منتهاها فاليمن أصل موطن الإنسان الأول الذي من خلاله قامت حضارات الدول الأخرى

 و عندما جاء الإسلام أكد  على الهوية اليمنية  إذ جاءت نصوص شرعية بأحاديث نبوية ذكرت فضل اليمن واليمنيين تأكيدا من الرسول صلى الله عليه وسلم على  هويتهم اليمنية القحطانية إذا قال جاءكم اهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة  الإيمان يمان والحكمة يمانية

 وقال جاءكم اهل اليمن هم خير من في الأرض وأحاديث تفضيل اليمن على من سواهم كثيرة ومتعددة تضمنتها  كتب التاريخ والتنزيل الإلهي  

غير أن الهوية اليمنية تأثرت بعوامل متعددة منها الغزو الحبشي  قبل الإسلام  والدخول الفارسي الأول مع  سيف بن ذي يزن  والدخول الفارسي الثاني والذي تجسد  بدخول يحيى حسين الرسي في العام 282 للهجرة مع إثنين من أبنائه قادما من الرس إلى صعدة وأنشأ جامع الهادي

  لقد كان دخول يحيى حسين الرسي الى اليمن يعتبر فتنة عظيمة إذ أن الرجل جاء يحمل هوية مناقضة ومنافية للهوية الوطنية فلقد جاء بصفة الهاشمي العدناني الذي يرى أن لهم الحق الهي والإرث  النبوي وأن لهم حق الولاية واستطاع أن يؤثر في العديد من القبائل اليمنية في همدان وما جاورها واستطاع أن يشكل جيشا من القبائل اليمنية ليقاتل بهم بقية مناطق اليمن  

وكان هذا أحد عوامل التأثير والتدخل على الهوية الوطنية اليمنية وأصبحت هناك محاولة لإيجاد بعد وطني آخر مغاير ومنافي للبعد الوطني اليمني  إذ أن الرسي وادعائه الإنتماء للعدنانية القرشية أراد تجيير  الهوية اليمنية وإدخال الهوية الهاشمية لتكون هي السائدة على القرار السياسي اليمني واختزال الهوية الوطنية اليمنية الجامعة،في هوية فئة وطائفة هي في الأصل لا تنتمي للأرض اليمنية

 واستشعر اليمنيون هذا الخطر الداهم الذي يحاول تقويض الهوية الوطنية بهوية دخيلة  

 فكان اليمنيون يقاومون هذا الدخل الهجين على هويتهم وكانت المقاومة عبر الدول الوطنية اليمنية   التي نشأت في أواخر الخلافة العباسية  مثل الدولة الصليحية والدولة الرسولية والدولة الطاهرية وهي دول  امتدت على رقعة واسعة من الأرض اليمنية فمثلا الدولة الرسولية والتي امتد حكمها إلى مكة والمدينة المنورة  والطائف إذ أن هذه مناطق كانت تخضع للدول اليمنية المتعاقبة وكذلك الدولة الطاهرية وهي الوريث للدولة الرسولية وامتدت  إلى المدينة المنورة والطائف الى حضرموت  

 ولذلك فإننا عندما نتحدث عن البعد الوطني نحن أمام حضارة تليدة شكلت البعد والهوية الوطنية وهذه الدول اليمنية قارعت المد الإمامي الذي كان يتقدم الى صنعاء  ثم ينحسر عائدا الى شمال الشمال حيث استطاعت الطائفة الرسية من تشكيل حاضنة شعبية في مناطق الشمال الأقصى مستغلة الجهل لدى الناس في تلك المناطق ولأنهم أي الرسيين تسربلوا  بسربال النبوة وآل البيت ومظلوميتهم وأنهم الأحق بالخلافة تلك التسويقات التي دغدغوا  بها مشاعر عوام اليمنيين في تلك المناطق  

ومن ثم جاء الغزو التركي العثماني الذي قوض الدولة الطاهرية وأنهى حكمها وسيطر على شمال اليمن وظل الجنوب تحت تحت حكم السلطنات الوطنية حتى جاء الاحتلال البريطاني  لعدن في عام 1838 م ولم تستطع  الإمامة السيطرة  على شمال اليمن إلا بعد أن سلمتها تركيا الحكم  باتفاقية عقدت بين الإمام يحيى وممثل تركيا في اليمن وسلمت تركيا الجزء الشمالي الذي كان تحت قيادتها للإمام يحيى في عام 1924 وأسماها بالمملكة المتوكلية الهاشمية وأزاح عنها صفة الهوية اليمنية واستبدلها بالهاشمية وهذا هو أخطر أنواع التدخل في اختزال الهوية الوطنية  

 وهذا لعمري كان صلفا وغرورا من هذه الطائفة إذ كيف تحاول تنشئة هوية هاشمية في بلد غير هاشمي ومحاولة طمس هوية البلد الذي احتضنهم وآواهم ونصرهم في مواطن كثيرة إلا أن هذه السلالة بصلفها أرادت طمس هوية اليمن واستحداث هوية لا تنتمي للأرض اليمنية وهنا تنبه اليمنيون لذلك الإختزال  لهويتهم فقامت العديد من الثورات وكان هناك من الرموز الوطنية الذين حاربوا من أجل ترسيخ الهوية الوطنية مثل نشوان الحميري  والمقبلي وغيرهم  ورغم دموية الإمامة إلا أن الثورة كانت تتقد  ولم تخفت أبدا

وكان هناك رموز ثورية ونضالية  مثل الزبيري والنعمان والثلايا والقردعي والحميقاني والعواضي وغيرهم

واتقدت الثورة في السهول  والجبال حتى استطاع اليمنيون اقلاع الإمامة في السادس والعشرين من سبتمبر المجيد  عام 1962

ولكن منذ ذلك الوقت وذلك  التاريخ ظلت اليمن محل صراع إقليمي إذ أن الثورة لم تقتلع جذور الشر وكان صلح حرض عام 1967 بداية لرسم واقع جديد وتدخل عربي وفارسي في القرار السياسي اليمني وظلت اليمن بؤرة صراع إقليمي وفشلت النخب السياسية التي تنفذت على سدة الحكم منذ فجر الثورة وإلى يومنا هذا من أن تخرج من إطار الإملاءات الخارجية وما الحرب الدائرة اليوم إلا نتاج فشل الإدارات اليمنية من إدارة الدولة رغم توفر الإمكانيات لهم والتي يستطيعون من خلالها بناء دولة محورية لها عمقها العربي والإقليمي والدولي  

وفي  2015 دارت رحى حرب إقليمية على الأرض انقسم فيها اليمنيون الى قسمين قسم يتأطر تحت ما اسمي بالتحالف العربي وقسم تحت إدارة إيران وكانت حرب عصفت بكيان وكينونة اليمن إذ انطلقت عاصفة الحزم بأهداف  التصدي للمشروع الفارسي  وفي المقابل حارب الحوثيون بمساعدة ما أسموه العدوان على اليمن بالتعاون مع حليفهم الإستراتيجي إيران  

وما بين حرب المملكة وإيران على الأرض اليمنية قتل اليمنيون ودمرت أرضهم واستبيحت أعراضهم وتفكك جيشهم  واصطربت أوضاعهم إذ شردوا في الآفاق نتيجة ذلك الصراع المحموم من قبل الإقليم

 وخلال الثمان السنوات لا شرعية عادت ولا حوثية انتصرت بل لقد قدمنا أرواح اليمنيين قربانا لمصالح دول خارجية بعيدا عن مصلحة الشعب اليمني وما الشرعية وجيشها  والحوثيين ومليشياتهم إلا بيادق بيد الدول المتصارعة على الخارطة اليمنية  

وجاءت  الأحداث الأخيرة في العالم  حرب  روسيا اوكرانيا والتي كانت بداية لتعدد الاقطاب وانعكست  على الشرق الأوسط وعلى ملفات متعددة  سوريا اليمن لبنان العراق واعتقد أن اتفاق إيران السعودية جاء ضمن هندسة المصالح بين البلدين وهو نتاج مشاورات ومباحثات سربة في عمان والعراق أفضت الى هذا الإتفاق الذي يضع استراتيجية جديدة سيرتسم من خلالها واقع جديد  

وهذا الإتفاق  ينبثق من أدراك البلدين أنهما على شفا جرف هار فلقد أثرت حرب اليمن على إقتصاد البلدين وكان الإتفاق نتاج بحث طويل بينهما وهو يأتي من خلال التوازنات السياسية والعسكرية بين البلدين  

بمعنى انه تقسيم للمصالح بينهما فالعراق بعد امني وقومي لإيران  وكذلك لبنان وسوريا

بينما اليمن بعد أمني  واستراتيجي  للمملكة واعتقد أن الإتفاق سيأتي ضمن هذه التوازنات وهو هندسة مصالح وتوازنات إقليمية  

السلام  الذي يجب أن يدركه اليمنيون هو السلام الذي يأتي من أوساطهم ومن داخلهم ولا ينتظرونه  ليأتيهم معلبا  من المملكة  أو من إيران