الأولاد أولًا… التمييز بين الأبناء في التعليم  

منذ 22 أيام

تعز- عبد الله محرماندلعت اشتباكات مسلحة في منطقة كلابة بمحافظة تعز عام 2016، ونزحت هنادي علي مع أسرتها إلى المدينة

في ذلك الوقت، كانت هنادي في الصف الخامس، وكان لديها أخ وأخت، وكان الثلاثة يذهبون إلى المدرسة كل يوم

بعد النزوح، توقفت هنادي وأختها عن الذهاب إلى المدرسة بينما استمر أخوهما في مواصلة تعليمه

تقول والدة هنادي لـ “المشاهد”: “قرر والدهم تدريس الولد فقط، وإيقاف الفتيات باعتبار أنهن سيكبرن ويجدن أزواجا يعيلوهن، بينما الابن سيتكفل بالأسرة”

في اليمن، تميل الأسرة إلى تفضيل الولد على البنت، وما أن يجد الآباء صعوبة في توفير نفقات تعليم الأولاد والبنات، فإنهم يقررون حرمان البنت من التعليم لتخفيف العبء المالي، والحفاظ على بقاء الولد في المدرسة

  أمل، 15 عامًا، من تعز، تقول إن والدها أخرجها من المدرسة الأهلية، وسجلها في مدرسة حكومية لكي يقل المبلغ الذي يصرفه على تعليمها

توضح في حديثها لـ “المشاهد”، وتقول: “درست في إحدى المدارس الأهلية بصنعاء من الصف الأول حتي الصف التاسع، وتعودت عليها وعلى نظامها

وعندما وصلت إلى الصف الأول ثانوي، قرر والدي إخراجي من المدرسة الأهلية إلى مدرسة حكومية، لكنه ترك أخوتي يدرسون في المدرسة الأهلية”

يقول والد أمل إن ارتفاع رسوم التعليم في المدارس الأهلية يمنع أبنائه الثلاثة من استكمال التعليم في ذات المدرسة، مشيرًا إلى أن راتبه منقطع منذ العام ٢٠١٦، وأنه بالكاد يستطيع توفير متطلبات المعيشة ورسوم دراسة الأولاد

 تشعر أمل بالظلم، وتقول إن والدها يوفر تعليمًا جيدًا لأخوتها، بينما هي لا تحصل على ذلك التعليم في المدرسة الحكومية

تمييز ضد الفتياتصخر طه، أخصائي نفسي، يشير إلى أن التمييز بين الأولاد والبنات ينتج آثاراً واضطرابات نفسية، ويسبب لدى بعض الفتيات الشعور بفقدان الأمان والاكتئاب ونقص تقدير الذات، وقد يصل الأمر إلى العداوة فيما بينهم

في حديثه لـ “المشاهد”، يقول طه: “الكثير من الأسر تغفل عن آثار التمييز بين الأبناء… ما يجعلهن مسلوبات الإرادة ومخذولات الرأي، ولا يستطعن اتخاذ القرارات المهمة في حياتهن

 هذا التمييز له تداعيات مثل تسرب الفتيات من التعليم أو حرمانهن منه، ما يتسبب في ضعف عملية بناء الأسرة ومتابعة تعليم الأطفال لاحقا من قبل الفتاة

الكثير من الأمهات هن من يتحملن أعباء متابعة تعليم الأطفال

هذا يعني عدم استكمال الفتيات لتعليمهن يضع عوائق مستقبلية أمامهن وأمام أطفالهن”

تشير تقارير إلى أن نسبة وصول النساء والفتيات إلى التعليم تقدر بـ 35%، فيما لا يحصل سوى 6% منهن على فرص عمل مدفوعة الأجر، وتشكل النساء 4

1% في المناصب الإدارية، وذلك لا يكفي لجعل صوت المرأة ملحوظا على طاولة صنع القرار

التمييز بين الأولاد والبنات في التعليم من ظاهرة ملحوظة في المجتمع اليمني، وأسبابها خليط من العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وفقًا لرجاء الدبعي، مديرة مدرسة نعمة رسام في تعز

تقول الدبعي إن التحديات المالية تجبر الأسر في اليمن على اتخاذ قرارات تفضل الإنفاق على الأولاد، وحرمان البنات، إذ يرون أن الاستثمار الأجدى، يكون في الأولاد الذين يمكن يستمروا مع أسرهم في المستقبل

العادات والتقاليد ونظرة الأسر تجاه الفتيات خلقت فجوة تعليمية واسعة بين الذكور والإناث على مستوى الأسرة الواحدة

توضح الدبعي: “لديّ طالبات في المدرسة تم توجيههن من قبل الأسرة إلى تعلم بعض الحرف مثل النقش الخياطة، التطريز، صناعة المنسوجات اليدوية، وغيرها، فهم يرون أنه لا داعي لأن تستكمل الفتاة تعليمها ما دامت تستطيع الحصول على مصدر دخل، بينما يتم استثمار جهود الأسرة ومواردها في تعليم الأولاد”

يرى الدكتور محمود البكاري، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، أن عملية التمييز بين الذكور والإناث تتفاوت من منطقة لأخرى ومن مجتمع محلي إلى آخر، استنادا إلى مدى فاعلية العادات والتقاليد التي تعلي من شأن الذكور على الإناث، باعتبار أن الذكر هو من يتحمل مسؤولية الأسرة

يضيف: “يُعطى الولد مكانة أكبر، بينما يُنظر إلى البنت أنها في الأساس عالة على الأسرة، وبالتالي فالأولوية في التعليم من نظرهم للولد، وبناءً على ذلك يتم حرمان البنات من التعليم إما بشكل نهائي أو من خلال إعطاء النصيب الأكبر من الاهتمام للولد”

يتابع: “تتفاخر بعض الأسر أيضا بالولد أكثر من الفتاة، حيث يتم إلحاق الأولاد بالمدارس ذات المناهج الإنجليزية، والمدارس الأهلية، فيما تذهب الفتاة الى مدرسة حكومية مزدحمة”

حلول وتجاربيقترح أحمد شماخ، رئيس مؤسسة الإعلام المالي والاقتصادي للدراسات والاستشارات، بعض الحلول الممكنة لمواجهة إهمال تعليم الفتاة، ويرى أن زيادة الوعي بأهمية تعليم الفتيات وتمكينهن اقتصاديًا واجتماعيًا عبر عدة برامج ومبادرات من ضمن الخطوات الهامة التي تمكن الفتيات من الحصول على حقهن في التعليم

وفقًا لشماخ، لا بد أن تتكفل الدولة بتمكين الفتيات من التعليم من خلال المنح والتسهيلات المالية وتضمين منظور النوع الاجتماعي في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية

يضيف: “من الأهمية بمكان تعزيز الشراكة بين المجتمع المدني والحكومة في مواجهة التحديات الصعبة، وبذل جهود متواصلة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين”

ينوه المستشار الأسري عبد الرحمن دحابة إلى أهمية التشبيك بين وزارتي التعليم والصحة من أجل العمل على تنظيم برامج توعية للأسر حول المخاطر النفسية للتمييز بين الجنسين في مجال التعليم

يشير دحابة إلى أن التمييز ليس محصوراً على الفتيات دون الأولاد، حيث تعمد بعض العائلات إلى تعليم الفتاة والدفع بالولد إلى سوق العمل في وقت مبكر

يرى شماخ أن النظر إلى التجارب الإيجابية والاستفادة منها يمكن أن يساعد في الحد من ظاهرة التمييز ضد الفتيات

يوضح: “قامت الهند بتنفيذ برنامج مختص بتعليم الفتيات وتقديم الحوافز المالية لأسرهن، وتشجيعهن على الالتحاق بالتعليم وتأهيلهن وتدريبهن، وقدمت المكسيك العديد من المنح المالية والدعم للأسر الفقيرة، وجعلها مشروطه بالالتزام بإرسال بناتهم إلى المدارس”

استطاعت تلك التجارب، وفقًا لشماخ، المساهمة في زيادة معدل التحاق الفتيات بالتعليم، وتحسين مؤشرات التعليم للإناث في تلك البلدان، ومن الإمكان تكرار تلك البرامج في اليمن

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير