الإعلام الإنمائي.. نافذة الضوء في بلد يواجه العتمة
منذ 9 أيام
تعز- فاطمة العنسيفي صباحٍ رمادي من خريف تعز: انكسر صمت المدينة على وقع رصاصٍ أنهى حياة مديرة صندوق النظافة والتحسين، الدكتورة افتهان المشهري، وواحدةٌ من أنشط الوجوه النسائية في العمل الإداري؛ لتسقط وهي التي كرّست حياتها من أجل مدينةٍ أنظف وأجمل
قصة افتهان ليست معزولةً عن واقعٍ يرزح تحت ثقل الحرب والتدهور، لكنها تكشف أيضًا عن الحاجة الملحّة إلى إعلامٍ إنمائي واعٍ يضيء مثل هذه القضايا لا بوصفها حوادث عابرة، بل مؤشرات على غياب التنمية والأمن الاجتماعي، فالإعلام الإنمائي في اليمن أصبح أكثر من ضرورة، إنه وسيلة لإحياء روح المسؤولية، وإعادة توجيه البوصلة نحو البناء بدل الانقسام، ونحو تمكين الإنسان بدل تهميشه
ويعرف الإعلام الإنمائي أنه عملية توظيف وسائل الاتصال والإعلام لنشر الوعي، ودعم خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، من خلال توجيه الرسائل الإعلامية التي تعزز المشاركة المجتمعية، وتسهم في تغيير السلوكيات نحو تحقيق التنمية المستدامة
يقول رئيس قسم الإعلام بجامعة عدن، وهيب مهدي، إن الإعلام الإنمائي يُعد أداةً هامة تدعم خطط التنمية الوطنية، من خلال رفع مستوى الوعي بين أفراد المجتمع حول القضايا التنموية المختلفة، مؤكدًا أنه يسهم في تعزيز مشاركة المجتمع في تنفيذ واستدامة هذه الخطط
وأضاف مهدي لـ”المشاهد”: الإعلام الإنمائي يعمل على فتح المجال للحوار المجتمعي حول التحديات التنموية، ونشر المعلومات التي تشجع على التنمية المستدامة وتمكين الفئات المهمشة؛ مما يسهم في تحقيق تنمية شاملة ومتكاملة
”رئيس قسم الإعلام بجامعة عدن، وهيب مهدي: الإعلام الإنمائي يعمل على فتح المجال للحوار المجتمعي حول التحديات التنموية، ونشر المعلومات التي تشجع على التنمية المستدامة وتمكين الفئات المهمشة؛ مما يسهم في تحقيق تنمية شاملة ومتكاملة
”مشيرًا إلى أن أبرز التحديات التي تواجه الإعلام الإنمائي تكمن في محدودية الموارد والتمويل، ونقص التخطيط والإعداد الفني المتقن، وهيمنة الإعلام ذي الطابع السياسي أو الترفيهي، إضافةً إلى نقص الخبرة والتدريب، مؤكدًا أن هذه العوامل تعيق إيصال الرسائل التنموية بفاعلية للجمهور
وأكد رئيس قسم الإعلام أن كلية الإعلام بجامعة عدن أقامت عدة مبادرات توعوية، منها ندوات قانونية لتوعية الشباب بمخاطر الآفات الاجتماعية ودور الإعلام في مواجهتها، وكذلك محاضرات صحية تم نقلها عبر طلاب الكلية إلى تقارير وأخبار منشورة في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة؛ لتوعية الجمهور بأمراضٍ معينةٍ وسبل الوقاية منها، وأضاف أن الكلية تتطلع لتطوير شراكات علمية وعملية مع المؤسسات التنموية والحكومية لدعم طلابها وتنمية المشاريع الإعلامية الإنمائية بشكل أوسع وأكثر تأثيرًا
“دور طلاب كلية الإعلام في المستقبل يكمن في تطوير مهاراتهم الإعلامية والمعرفية، واستخدام التقنيات الحديثة لإنتاج محتوى إعلامي هادف وموضوعي يسهم في رفع وعي المجتمع بالقضايا التنموية، ومواجهة التحديات الإعلامية مثل الأخبار المغلوطة، ليكونوا عناصر فاعلة في تعزيز الإعلام الإنمائي ودعمه مستقبلًا”
يضيف
يوضح الصحفي صلاح بن غالب، مراسل “المشاهد” في محافظة لحج: من خلال عملي كمراسل ميداني، أدركتُ أن جوهر المهنة لا يكمن في كتابة سطور ونشرها فحسب، بل في مخالطة الناس، والاستماع إلى همومهم عن قرب، خاصةً في زمن الحرب، حيث يتحمل المواطن البسيط وحدَه تبعاتها القاسية، عندها يتحول الصحفي من ناقلٍ للأخبار إلى صوتٍ للضعفاء ووسيلةٍ تعبّر عن آلامهم ومعاناتهم
مؤكداً لـ”المشاهد” أن العمل الإعلامي الحقيقي ليس مجرد كتابة سطور ونشرها فقط، بل يتعدى ليكون جرس تنبيهٍ للجهات العليا؛ للنظر إلى معاناة الرعية، خاصةً في ظل الأوضاع الصعبة التي خلفتها الحرب باليمن
”صلاح غالب، مراسل المشاهد: العمل الإعلامي الحقيقي ليس مجرد كتابة سطور ونشرها فقط، بل يتعدى ليكون جرس تنبيهٍ للجهات العليا؛ للنظر إلى معاناة الرعية، خاصةً في ظل الأوضاع الصعبة التي خلفتها الحرب باليمن
”وأضاف: غالبًا ما يتركز الإعلام الإنمائي في المدن الرئيسية، تاركًا المناطق النائية والريفية تواجه مصيرًا قاتمًا، وقد ركزتُ بشكل خاص على معاناة سكان المناطق الواقعة على الخطوط المتداخلة بين محافظتي لحج وتعز، والتي تحولت إلى جبهات قتال، فأصبحت مناطق منكوبة، نالت النصيب الأكبر من تداعيات الحرب المشؤومة
لافتًا إلى أن نقل معاناة البسطاء إلى الجهات المعنية يجسد الشعور لدى الصحفي بأنه يؤدي رسالةً سامية، ويترك أثرًا إنسانيًا ملموسًا في قلوب الناس؛ الأمر الذي يمنح الصحفي مكانةً خاصةً بثقة المجتمع واحترامه، محققًا بذلك مقولة: “ثقة المجتمع رأس مال الصحفي”
وتابع: وهذه الثقة تتجلى عندما يتحول البسطاء من الناس إلى شركاء مع الصحفي؛ فيبادرون تلقائيًا بتزويدي بالمعلومات فور وقوع أي حدث، واثقين بأن قضاياهم ستصل بواسطتي إلى من يهمه الامر
يتذكر بن غالب أحد اخباره على “المشاهد” قائلًا: تسببت سيول الأمطار الغزيرة مؤخرًا في محافظة لحج بقطع الطرق بين لحج وتعز، وجرف سيارات وأراض زراعية ومواشي، وخاصةً في مديريتي طور الباحة والمقاطرة، عقب انتشار الخبر وجّهت السلطات المحلية في لحج وتعز نداءً عاجلًا للحكومة للتدخل وصيانة الطرق ودعم المزارعين المتضررين
استجابت مؤسسة العامة للطرق والجسور بمحافظة تعز سريعًا؛ فباشرت فورًا أعمال الصيانة على مدى يومين، وتولت قيادة محور طور الباحة لاحقًا إكمال صيانة الأجزاء المتبقية من الطريق، عُبدت الطريق ومضى المواطنون يشكرون الإعلام الإنمائي الذي أسهم في التخفيف عن معاناتهم
وفي هذا السياق نجحت تغطية “المشاهد” بالفعل في يوليو الماضي من هذا العام في حشد تمويل بناء سقف خزان مائي أرضي في منطقة ثوجان، مديرية القبيطة، لحج جنوب اليمن
وكان المشاهد قد نشر في فبراير الماضي مناشدة للسكان بتأمين بناء سقف للخزان الأرضي، الذي يجمع مياه الأمطار ويعتبر السبيل الوحيد للمئات من الأسر في المنطقة بما في ذلك النساء والأطفال
وننوه هنا أن قضية الوصول إلى المياه تعد أحد القضايا المحورية لجميع السكان في اليمن
وتقول الأمم المتحدة أن ثلثي السكان في اليمن غير متصلين بشبكة المياه الممتدة للمنازل
كما أن أربعة آلاف شخص يقتل سنويا بسبب مشاكل مرتبطة بالمياه
لقد حفزت تغطية “المشاهد” النشطاء المحليين على التواصل مع بعض المانحين وتم جمع حوالي 12,300 دولار أمريكي وتم الانتهاء من مشروع بناء السقف في يوليو الماضي
وقد أشاد منسق المشروع، عزالدين القباطي، بدور تغطية “المشاهد” في إنجاح المبادرة التي أمنت خزان المياه بسعة حوالي 800 متر مكعب لتزويد ألفي نسمة من السكان بالمياه
يُعرّف مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مفهوم الإعلام الإنمائي بوصفه شراكة تفاعلية بين الإعلام والتنمية؛ تهدف إلى توظيف المنصات الإعلامية في تعزيز الوعي والمشاركة المجتمعية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية
كما يفيد المدير التنفيذي للمركز محمد إسماعيل
ويجسّد المركز هذا المفهوم عمليًا ـوفق حديث إسماعيل مع “المشاهد”ـ من خلال برامجه وأنشطته التي تجمع بين التدريب والإنتاج الإعلامي، إذ عمل على بناء قدرات مئات الصحفيين في مجالات الصحافة الاقتصادية والتنموية وصحافة الحلول، وهي أنماط إعلامية تسهم في تمكين الأفراد اقتصاديًا ونشر المعرفة وتقديم معالجات لقضايا مجتمعية واقتصادية ملحة
يتابع: كما يعبر المنتدى الاقتصادي اليمني وغيره من المنصات المتخصصة التي يديرها المركز عن التزامه بتوظيف الإعلام كمنصةٍ للحوار المجتمعي، وحشد الجهود لدعم التنمية الاقتصادية في بلدٍ يعاني من آثار الحرب والأزمات
ورغم هذه الجهود، يواجه الإعلاميون -كما يؤكد اسماعيل- تحدياتٍ كبيرة في إنتاج محتوى تنموي فعّال، أبرزها ضعف المهارات والمعارف المتخصصة، وغياب ثقافة الإعلام التنموي داخل المؤسسات الإعلامية التي لا تزال تركز على التغطيات السياسية والصراعات، ويزيد من تعقيد المشهد الاستقطاب الإعلامي وضعف الشفافية ومحدودية التمويل المخصص للمشروعات التنموية مقارنةً بالسياسية والحقوقية
ويرى مدير المركز أن الإعلام الإنمائي يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في دعم جهود السلام وإعادة الإعمار عبر ما يُعرف بـ”صحافة السلام والتعايش”، وهي مقاربة إعلامية تركز على بناء الجسور وتعزيز الحوار وتقليل حدة الانقسام، وقد نفّذ المركز عددًا من المبادرات في هذا الإطار، تضمنت تدريب الصحفيين على مفاهيم الصحافة الحساسة للنزاع وإنتاج محتوى إيجابي يعزز قيم المصالحة والتعايش
ولقياس أثر هذه الجهود، يعتمد المركز على منهجية تجمع بين التحليل الكمي والنوعي، تبدأ بتحديد خط الأساس للوعي والسلوك قبل الحملات الإعلامية، ثم متابعة التفاعل عبر أدوات الرصد الرقمي، وتنتهي بتقييمٍ لاحق يقيس التغيير في المعرفة والسلوك من خلال الاستبيانات والمقابلات الميدانية
كما يتم تحليل مضمون التغطيات الإعلامية والقصص الإنسانية لقياس الأثر غير الكمي وربط النتائج بالبيانات الاقتصادية، لضمان أن تكون عملية التقييم معبرة عن التغيير الحقيقي في وعي الجمهور وسلوكه
في النهاية، يبقى الإعلام الإنمائي في اليمن واحدًا من أهم المفاتيح لاستعادة الوعي الجمعي وإعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، فبين مشهد الاغتيالات والتحديات اليومية والمناخية التي يعيشها اليمنيون، يحتاج البلد إلى خطابٍ إعلامي لا يكتفي بتغطية الجراح، بل يسعى إلى تضميدها عبر نشر ثقافة التنمية والمشاركة والمسؤولية
ففي زمنٍ تتنازع فيه الأصوات بين الصراع والضجيج، يظل صوت الإعلام الإنمائي هو الأكثر حاجةً لأن يُسمع، صوت يدعو إلى الحياة، إلى الفعل، إلى أن يستعيد اليمنيون حقهم في أن يكون الغد أفضل من الأمس
ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع
يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة
بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail
comاحصل على آخر أخبار المشاهد نت مباشرة إلى بريدك الإلكتروني
الإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن