الإمارات تترك السعودية في وضع ضاغط داخل اليمن
منذ 5 ساعات
بقلم: أندرياس كريغ*رفع مقاتلون موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو جماعة انفصالية في جنوب اليمن، أعلامهم في محافظتي حضرموت والمهرة في أوائل ديسمبر
وتعني هذه السيطرة أن المجلس الانتقالي بات يهيمن الآن على المحافظات الثماني التي تشكل جنوب البلاد
ويبدو الوضع الجديد أمرًا واقعًا يمهّد لإنشاء دولة جنوبية منفصلة، ما جعل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، مجلس القيادة الرئاسي، محاصرة بين قوة في الجنوب ودولة يديرها الحوثيون المدعومون من إيران في الشمال
يستحضر المجلس الانتقالي الجنوبي ذكريات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي منحت الجنوبيين، حتى عام 1990، دولتهم الخاصة
وقد أفرزت وحدة اليمن عام 1990 علمًا واحدًا، لكن كثيرين في الجنوب لم يشعروا قط بأنهم انضموا إلى مشروع سياسي مشترك
وقد أدت هذه المظالم إلى اندلاع حرب أهلية قصيرة في عام 1994 انتهت بانتصار الشمال، وما أعقبه من عمليات تطهير للضباط والموظفين الجنوبيين، وهي إجراءات لا يزال كثير من الجنوبيين يصفونها بأنها احتلال أكثر من كونها عملية دمج
وبحلول منتصف العقد الأول من الألفية، بدأ ضباط متقاعدون وموظفون مدنيون مفصولون في الجنوب بتنظيم مسيرات للمطالبة بالمعاشات والحقوق الأساسية
وتحولت تلك الاحتجاجات إلى الحراك الجنوبي، وهو حركة جنوبية فضفاضة تضم إصلاحيين وانفصاليين متشددين
وحين بدأت التدخلات التي تقودها السعودية عام 2015 ضد الحوثيين، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء في العام السابق، تم دمج المقاتلين الجنوبيين ضمن حملة لاستعادة حكومة وطنية لم تعالج يومًا مظالمهم
تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017 لمحاولة منح هذا المشهد الجنوبي المزدحم قيادة معرّفة
وللمجلس رئيس رسمي، عيدروس الزبيدي، وهيئات مختلفة
لكنه عمليًا يقف في مركز شبكة من الوحدات المسلحة، والمجموعات القبلية، ورجال الأعمال
ومن خلال دعم مالي وعسكري مستمر للقوات الجنوبية، ظهرت دولة الإمارات باعتبارها الراعي الأساسي لولادة هذه المنظمة
وفي ظل فشل واسع للحكم في اليمن، يبدو مشروع المجلس الانتقالي قادرًا على تقديم أداء أفضل نسبيًا في مجالي الأمن والخدمات العامة
وفي أبريل 2022، وبعد سنوات من تشكيل المجلس الانتقالي، جرى إنشاء مجلس القيادة الرئاسي لتوحيد القوى التي تقاتل الحوثيين
فقد استقال الرئيس اليمني المقيم في السعودية، عبد ربه منصور هادي، وسلم سلطاته إلى هيئة مكونة من ثمانية أعضاء مدعومة من الرياض
صُمّم مجلس القيادة الرئاسي لردم الانقسامات القبلية والأيديولوجية والسياسية المختلفة في البلاد، كما كان يهدف إلى إيجاد منصة للتنسيق في الحوكمة وصنع القرار بهدف الانخراط مع الحوثيين دبلوماسيًا
لكن بخلطه بين قادة شماليين وجنوبيين، بمن فيهم قادة من المجلس الانتقالي، لم ينجح المجلس قط في أن يصبح مركزًا قادرًا على دمج الأجندات المتنافسة
وقد أدت قدرة المجلس المحدودة على تحقيق وعوده المتعلقة بتوحيد الحوكمة في اليمن إلى تآكل شرعيته تدريجيًا
حرب بالوكالة خليجيةتحولت اليمن إلى ساحة مواجهة هادئة بين مشروعين خليجيين
فقد تدخلت السعودية لهزيمة الحوثيين، وإنقاذ الدولة اليمنية الموحدة، وتأمين حدودها
أما الإمارات فدخلت لتأمين شركاء موثوقين، والوصول إلى الموانئ والممرات البحرية، والسيطرة على الموارد في إطار سياستها الإقليمية
وتظهر خريطة اليمن اليوم أن رؤية الإمارات هي التي تبدو وقد تحققت
فمن خلال المجلس الانتقالي وشبكة من الوحدات المتحالفة، ساعدت الإمارات على تشكيل قاعدة نفوذ تمتد عبر معظم مناطق جنوب اليمن السابق
وتسيطر قوات موالية للمجلس الانتقالي على مدينة عدن، وتستحوذ على جزء كبير من الإنتاج النفطي المحدود في اليمن، وتسيطر على مساحات واسعة من السواحل المطلة على البحرين العربي والأحمر
وتتولى قوات موالية للإمارات حراسة البنى التحتية الوطنية الرئيسية في جنوب اليمن، كما أن رواتبها، ووسائل إعلامها، وروابطها الخارجية تمر عبر أبوظبي
وفي المقابل، تحظى الإمارات بوكيل مخلص يسيطر على خليج عدن ومضيق باب المندب
أما السعودية فقد تُركت لدعم مجلس قيادة هش
ويظل الحوثيون عدوًا اسميًا للجميع
لكن عمليًا، ركزت الوحدات الموالية للإمارات جهودًا أكبر على إضعاف منافسين مدعومين من السعودية في جنوب اليمن أكثر من التركيز على مواجهة الحوثيين، الذين تحولوا من حركة متمردة إلى سلطة أمر واقع في الشمال
وباتت الإمارات اليوم تمتلك نفوذًا على “جواهر” اليمن في الجنوب، بينما تتحمل السعودية عبء الدفاع عن رواية “اليمن الموحد” دون حلفاء يمكن الاعتماد عليهم داخل البلاد
يمنان ونصفلسنوات طويلة، تمسّكت السعودية وسلطنة عمان ومعظم العواصم الأجنبية بمبدأ الدولة اليمنية الموحدة
لكن المشروع الذي تدعمه الإمارات عبر المجلس الانتقالي يقوّض هذا المبدأ بشكل مباشر، إذ إن النظام الجنوبي الراسخ يجعل من الانقسام الرسمي احتمالًا أكبر
وإذا ما تم تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب، فلن يختفي كيان الحوثيين في الشمال؛ بل سيكسب حدودًا جديدة ووقتًا إضافيًا وقدرة أكبر على انتزاع الاعتراف
وذلك من شأنه ترسيخ سلطة مسلحة أيديولوجية على مدخل البحر الأحمر، مرتبطة بطهران وحزب الله، وتدير سكانًا أنهكتهم الحرب والانهيار الاقتصادي
وفي مواجهة الشبكة المتداخلة التي أنشأتها إيران والإمارات داخل اليمن، لم تعد لدى السعودية خيارات كثيرة
وقد تُضطر في نهاية المطاف للقبول بحكومة مدعومة إماراتيًا في الجنوب، بينما يستقر الشمال تحت حكم الحوثيين، وتتعرض المناطق التي يديرها مجلس القيادة لضغط متزايد
تواصل سلطنة عمان الدعوة إلى طاولة مشتركة تجمع جميع الأطراف—بمن فيهم الحوثيين—في نظام واحد
لكن كل علم جنوبي جديد يُرفع يُضعف هذه الرؤية
وللقوى الخارجية، قد يبدو وجود وكيل جنوبي يحافظ على تشغيل الموانئ ويحارب المسلحين الإسلاميين أمرًا مغريًا
لكن الثمن هو تجميد شمال اليمن كمنطقة رمادية: مسلحة، أيديولوجية، ومتداخلة مع صراعات إقليمية
وهذه النتيجة تتعارض مع المشروع الوحدوي الذي تبنته السعودية وعُمان لسنوات
وما تبقى اليوم هو يمنان ونصف، مع كون النصف الذي يديره مجلس القيادة الرئاسي هو الأقل قدرة على الاستمرار مستقبلًا
* أستاذ مشارك، قسم دراسات الدفاع، كلية كينغز لندن