الإمارات.. من جزيرة سقطرى إلى القرن الأفريقي: شبكة قواعد ترسم ملامح نفوذ عابر للحدود
منذ 7 ساعات
لم تعد جزر سقطرى النائية، الواقعة عند ملتقى البحر العربي والمحيط الهندي، مجرد موقع طبيعي فريد يجذب العلماء والسياح
فصور الأقمار الصناعية الحديثة، التي حللها موقع ميدل إيست آي، تكشف عن وجهٍ آخر للأرخبيل: مركز عسكري متنامٍ يشكل جزءًا من شبكة نفوذ إماراتية تمتد على طول الممرات البحرية من خليج عدن حتى سواحل الصومال
هذه الشبكة، التي تنامت بهدوء خلال السنوات الماضية، لم تعد خافية على أحد
إذ توحي طبيعة منشآتها وأماكن انتشارها بأن الإمارات تسعى لتثبيت حضورها في واحد من أكثر الممرات البحرية أهمية في العالم، في وقتٍ تتصاعد فيه التوترات الإقليمية بعد هجمات 7 أكتوبر 2023 والحرب على غزة
قواعد في أراضٍ خارج السيادة الإماراتيةاللافت أن معظم هذه القواعد لا تقع ضمن الأراضي الإماراتية، بل في مناطق تخضع لنفوذ حلفاء أبوظبي المحليين
ففي اليمن، تنتشر القواعد في مناطق يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات طارق صالح، بينما تمد الإمارات أذرعها نحو بوصاصو وبربرة في الصومال، وحتى أرخبيل سقطرى الذي تحول إلى منصة مراقبة بحرية وجوية متقدمة
تشمل هذه المواقع جزيرتي عبد الكوري وسمحة في سقطرى، وميدي والمخا على الساحل الغربي لليمن، إلى جانب بوصاصو وبربرة في القرن الأفريقي، وجزيرة ميون الاستراتيجية في مضيق باب المندب، التي تُعرف تاريخيًا بـبوابة الدموع
ميون
القلب النابض في حلقة السيطرةمن بين كل هذه المواقع، تبقى ميون أكثرها حساسية وأهمية
فمنذ عام 2021، التقطت الأقمار الصناعية أعمال بناء مكثفة لمدرج طائرات بطول يقارب كيلومترين، إلى جانب منشآت كبيرة يُعتقد أنها مخصصة للطائرات المسيرة وطائرات الاستطلاع
وتمنح هذه القاعدة الإمارات، وحلفاءها، موقعًا يتحكم مباشرة في حركة الملاحة عبر باب المندب، وهو الممر الذي تعبر منه يوميًا مئات السفن وناقلات النفط المتجهة إلى أوروبا وآسيا
من الإغاثة إلى النفوذبدأ الوجود الإماراتي في سقطرى عام 2015 تحت شعار المساعدات الإنسانية بعد إعصار تشابالا
لكن خلال سنوات قليلة، تحوّل النشاط الإنساني إلى حضور عسكري وسياسي مباشر
وفي منتصف عام 2020، تمكن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي من فرض سيطرته الكاملة على الأرخبيل، ما مهد الطريق أمام إنشاء مدارج جوية ومنشآت رادارية جديدة في عبد الكوري وسمحة
القرن الأفريقي
الامتداد الجنوبي للمشروعلم يتوقف الطموح الإماراتي عند حدود اليمن
ففي الصومال، شهدت بوصاصو تطوير قاعدة جوية متقدمة مزودة برادارات فرنسية وإسرائيلية قادرة على رصد الأهداف حتى مسافة 400 كيلومتر
أما بربرة، فباتت أشبه بمركز قيادة إقليمي، إذ جُهزت بميناء عميق ومدرج طائرات بطول 4 كيلومترات، ما جعلها محطة لوجستية رئيسية تربط بين القواعد المنتشرة في البحر الأحمر والمحيط الهندي
تعاون استخباراتي ثلاثيورغم محاولات التعتيم، تشير تقارير متعددة إلى أن الإمارات لم تتحرك وحدها
فقد شاركت إسرائيل والولايات المتحدة في بعض منشآت الشبكة الجديدة
ويُعتقد أن ضباطًا إسرائيليين انتشروا في جزر سقطرى، حيث نُصبت أنظمة رادار متطورة مكّنت من تتبع الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، فيما يجري تبادل البيانات عبر منصة استخباراتية مشتركة تُعرف باسم Crystal Ball لتنسيق الإنذارات المبكرة
الامتداد نحو السودانيتجاوز المشروع بعده الأمني المباشر
فبحسب مصادر دبلوماسية، تُستخدم قاعدتا بوصاصو وبربرة لدعم قوات الدعم السريع (RSF) في السودان، من خلال نقل الأسلحة والذخائر على متن طائرات شحن عسكرية من طراز IL-76 وC-130
وتربط تقارير أممية بين هذا الدعم وبين الاتهامات الموجهة للإمارات بتغذية الصراع السوداني بالمال والسلاح
نفوذ صغير بحجم إمبراطورييرى خبراء أن أبوظبي تمكّنت من بناء هذا الحضور بفضل هشاشة الأنظمة المحيطة بها، في دول مثل اليمن والصومال والسودان، ما أتاح لها توظيف المال والتكنولوجيا لتعويض محدودية جيشها الصغير
ويقول الباحث جلال حرشاوي إن الإمارات نجحت في تحويل الفوضى إلى فرصة، مضيفًا أنها تسير على خطى القوى الاستعمارية القديمة، مستفيدة من الفجوات الأمنية والسياسية لفرض نفوذ يتجاوز وزنها الحقيقي
مشروع نفوذ متكاملورغم النفي الإماراتي المتكرر لأي أهداف عسكرية أو تدخلات إقليمية، تؤكد وثائق أممية وغربية أن مشاريعها في البحر الأحمر والقرن الأفريقي تتجاوز الإطار الأمني إلى مشروع هيمنة بحرية متكامل، يجمع بين القوة العسكرية والدبلوماسية والتمويل
مشروعٌ يقول مراقبون إنه يهدف إلى ضمان موقع الإمارات كـقوة بحرية مصغّرة تتحكم في مفاتيح الملاحة بين آسيا وأفريقيا، في وقتٍ تتغير فيه موازين القوى الإقليمية بعد حرب غزة وعودة المنافسة بين القوى الكبرى في البحر الأحمر