الانقسام النقدي في اليمن.. معاناة مستمرة

منذ 2 سنوات

تعز – مازن فارس تستمر أزمة الانقسام النقدي باليمن منذ 2019، وتتعمق معها معاناة التجار والمواطنين اليمنيين عندما ينقل التاجر اليمني بضاعته من مناطق سيطرة الحوثي شمالي اليمن، إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، يشعر كأنه ينتقل من دولة إلى أخرى، ولكل منهما عملة مختلفة

عدنان عبدالله، تاجر مواد غذائية واستهلاكية بمدينة تعز، يصف الانقسام النقدي كأسوأ أزمة يمر بها التجار منذ اندلاع الحرب، ويقول لـ”المشاهد”: “الصراع الاقتصادي والانقسام النقدي وما نتج عنهما من تداعيات ألحق بنا خسائر كبيرة”

يستورد عبدالله مواد استهلاكية مثل “المياه المعدنية والمشروبات الغازية” من مصانع تتواجد في مدينة الحوبان التي يسيطر عليها الحوثيةن

بالرغم من أن مدينة الحوبان ومدينة تعز تتبعان محافظة واحدة، إلا أن الحرب جعلتهما كأنهما تتبعان بلدين مختلفين

يقول عبدالله لـ”المشاهد” إن التجار يستخدمون الريال السعودي والدولار بشكل رئيسي في التعاملات المالية، وتبادل السلع بين مختلف المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين والحكومة اليمنية

منذ 2016، يشهد اليمن صراعًا اقتصاديًا بين الحكومة اليمنية في عدن وسلطة الحوثي في صنعاء، وجاء ذلك الصراع بعد قرار الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي، بنقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن

نتج عن ذلك القرار وجود مركزين ماليين يعملان بشكل مستقل ومتناقض

في عام 2019، بدأ الانقسام النقدي عندما قرر الحوثيون منع التعامل بالأوراق النقدية الجديدة التي طبعها البنك المركزي في عدن بموافقة من الحكومة اليمنية

تسبب منع تداول الأوراق النقدية الجديدة في مناطق سيطرة الحوثي، بظهور عملتين مختلفتين، وقيمة متفاوتة لكل منهما، ولم يتوقف الانقسام النقدي منذ ذلك الوقت

هذه الخطوة نتج عنها تراجع كبير لسعر العملة المحلية وارتفاع عمولة الحوالات النقدية من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة إلى مناطق الحوثيين

وتسبب الفارق في سعر الصرف بخسائر كبيرة لكثير من التجار والأسر التي ترسل تحويلات مالية من مناطق الحكومة إلى مناطق الحوثي

عندما يرسل المواطن مبلغ 100 ألف ريال يمني من عدن إلى صنعاء، فإن المستلم في صنعاء يحصل على ما يقارب 50 ألف ريال

علي العديني، تاجر الخضروات بتعز، يشكو من زيادة فوارق الصرف في الحوالات النقدية، وكيف ضاعف ذلك من الصعوبات المالية التي يواجهها

يقول العديني لـ”المشاهد”: “إذا قمت بتحويل مبلغ 350 ألفًا من مدينة تعز إلى صنعاء، أحتاج لعمولة تحويل تتجاوز 400 ألف ريال ليتسلمها التاجر هناك بالأوراق النقدية القديمة، وهذا مبلغ كبير من الصعب تحمله”

انهيار العملة المستمرطوال سنوات الحرب، زادت شركات ومحلات الصرافة، إذ وصل عددها عام 2019 إلى 3200 شركة، بحسب مركز صنعاء للدراسات، الأمر الذي تسبب بحدوث الاختلالات في القطاع المصرفي في ظل غياب الرقابة الفعالة من قبل البنك المركزي اليمني

استمرت أسعار العملة في الانهيار، ولم تنجح التدخلات التي قامت بها الحكومة اليمنية في السنوات الماضية، ما تسبب بمعاناة واسعة للمواطنين

يقول عبدالحكيم سيف، موظف في محل صرافة بمدينة تعز، لـ”المشاهد” إن تهاوي الريال اليمني في مناطق الحكومة تسبب بزيادة نسبة عمولة الحوالات المالية إلى المناطق التي تحت سيطرة الحوثي

واستنادًا إلى بيانات مصرفية اطلع عليها معد التقرير، وصلت نسبة عمولة الحوالة النقدية من مناطق الحكومة اليمنية إلى مناطق سيطرة الحوثي، في عام 2020، إلى 52%

وفي عام 2021، بلغت نسبة عمولة الحوالة 148%، وفي عام 2022، وصلت نسبة العمولة 96%

أما حاليًا، مع عودة انخفاض العملة في مناطق سيطرة الحكومة، ارتفعت عمولة التحويل إلى نحو 150%

يرى الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، أن التفاوت الكبير بين سعر الأوراق النقدية والجديدة له تداعيات كبيرة على الأوضاع الاقتصادية وعلى قيمة الريال اليمني، إذ يدفع الناس إلى استخدام العملات الأجنبية كبديل للريال اليمني، في التحويلات المحلية، وفي عملية التبادل التجاري والسلعي

يضيف صالح لـ”المشاهد”: “تسبب ارتفاع عمولة الحوالات المالية بقيود كثيرة على التبادل التجاري والسلعي والتحويلات المالية، وكرّس أيضًا عملية الانفصال الاقتصادي، وحرمان عدد من القطاعات الحكومية من الحصول على رواتبهم من الحكومة اليمنية”

ويدعو صالح إلى ضرورة إيجاد حلول تعمل على إنهاء معاناة القطاع المصرفي وتحسين أدائه ونشاطه المالي بشكل عام، واعتماد سياسات نقدية تعمل على تحسين أداء القطاع المصرفي والاقتصادي، وإنهاء كافة القرارات التي تعمق الاتقسام الاقتصادي في البلاد

محاولات متعثرةوكان فريق الإصلاحات الاقتصادية (مبادرة طوعية من قادة القطاع الخاص في اليمن وخبراء اقتصاديين) أعلن في نوفمبر 2022 عن مبادرة لتوحيد السياسات النقدية، وتضمنت العديد من التوصيات ينبغي أخذها بعين الاعتبار لإنهاء الانقسام المالي

تلك المبادرة لم تجد تجاوبًا من أطراف النزاع

وأطلق فريق الإصلاحات الاقتصادية، في 8 يونيو الجاري، رؤية القطاع الخاص حول المسار الاقتصادي للسلام في البلاد، وذلك خلال لقائه مع ممثلي المؤسسات الدولية المعنية بالتنمية في اليمن بالعاصمة الأردنية عمان

وهدفت تلك الرؤية إلى تحقيق هدنة اقتصادية عاجلة وشاملة، وإيقاف القرارات والقوانين والإجراءات التي تفاقم من الانقسام الاقتصادي، وإزالة كافة القيود أمام تدفق السلع بين المحافظات وإلغاء الجبايات والرسوم غير القانونية، وتحييد القطاع الخاص، وعدم الزج به في اتون الصراع

كل المقترحات والمبادرات التي طُرحت للحد من تدهور الريال اليمني وإنهاء تفاوت قيمة العملة اليمنية فشلت حتى اللحظة، ومازال التجار والمواطنون يتحملون المعاناة اليومية التي أوجدها الانقسام النقدي في البلاد

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير