التلاحم اليمني الخليجي: موقف تاريخي وخيار استراتيجي تفرضه طبيعة التحديات المشتركة
منذ 14 ساعات
منذ فجر التاريخ، ظل التلاحم اليمني الخليجي ركيزة ثابتة في معادلة الجغرافيا والسياسة والأمن، حيث تشكّل العلاقات بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي نسيجًا متينًا من الإخاء والتاريخ المشترك والمصير الواحد
هذه العلاقة لم تُبنَ على المصالح العارضة، بل تأسّست على جذورٍ عميقة في الأرض والعقل العربي الجمعي
وكانت إحدى أبرز محطات هذا التلاحم الخليجي اليمني قد تجلّت مع اندلاع الأزمة اليمنية في العام 2011، حين بادرت دول الخليج– وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين– إلى تقديم المبادرة الخليجية بوصفها خارطة طريق سلمية، تهدف إلى تجنيب اليمن الانزلاق إلى الفوضى، وتأمين انتقال سياسي سلس يحفظ مؤسسات الدولة ويصون أمنها
وما لبثت هذه المبادرة أن تحوّلت إلى تجسيدٍ حيّ لحقيقة أن أمن اليمن من أمن الخليج، وأن ما يصيب صنعاء لا ينفصل عن أبو ظبي أو الرياض أو الدوحة أو المنامة أو الكويت
غير أن يد الغدر لم تمهل اليمن طويلًا، إذ انقلبت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران على الدولة ومؤسساتها، وسيطرت على العاصمة صنعاء، لتُدخل البلاد في نفقٍ مظلم من الحرب والتمزق
وكان لا بد من موقفٍ شجاع، فجاء إعلان عاصفة الحزم في مارس 2015، ثم عملية إعادة الأمل، معلنين بدء مرحلة جديدة من التضامن العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وبدعم فاعل من الإمارات وقطر آنذاك، ومشاركة واسعة من الكويت والبحرين، سياسيًا وعسكريًا وإنسانيًا
في تلك المراحل الحاسمة، امتزجت دماء الجنود الخليجيين بدماء المقاومين اليمنيين في ميدان الشرف، من عدن ومأرب إلى صعدة وتعز
كانت معركة عادلة، عنوانها الدفاع عن الدولة الوطنية اليمنية في وجه مشروع طائفي توسعي لا يعترف بسيادة ولا حدود، تقوده إيران عبر أذرعها المسلحة
على العهدوما تزال دول الخليج حتى اللحظة على العهد، داعمة لوحدة اليمن وسيادته، وصامدة في وجه التهديد الإيراني المتزايد، الذي لم يعد مقتصرًا على اليمن، بل طال بوضوح دول الخليج ذاتها
فقد شهدت مؤخرًا اعتداءات إيرانية مباشرة على دولة قطر، وتهديدات صريحة وعلنية تجاه الإمارات والبحرين والكويت، ما يعكس مدى خطورة المشروع الإيراني على الأمن القومي العربي برمّته
في المقابل، عبّر اليمن– حكومة وشعبًا– عن موقفه الثابت والراسخ في الوقوف مع أشقائه الخليجيين، مؤكدًا أن أي اعتداء على قطر أو الكويت أو الإمارات أو البحرين هو اعتداء على اليمن، وأن العروبة التي جمعت هذه الشعوب لا تتجزأ، والمصير الذي يوحّدها لا يتبدّل
ليس حادثة عابرةحول هذا، قال وكيل وزارة الإعلام فياض النعمان، في تصريح خاص لـالثورة نت، إن استهداف دولة قطر الشقيقة من قبل النظام الإيراني الإرهابي بشكل مباشر والتلويح العلني بقصف دول عربية أخرى لا يمكن النظر إليه بمعزل عن السياق العام الذي تتبناه طهران منذ سنوات، وهو مشروع توسعي عدائي يستهدف تقويض بنية الدول العربية والعبث بسيادتها وزعزعة استقرارها لصالح نفوذ طائفي ومصالح سياسية ضيقة لا علاقة لها لا بالدين ولا بالقيم ولا بالأعراف الدولية
وقال إن ما جرى في قطر ليس حادثة عابرة، بل رسالة تهديد واضحة لدول الخليج كافة والأمة العربية بشكل عام
معتبرًا هذا العدوان الإيراني تعبير عن مرحلة جديدة في سلوك إيران الصفوية القائم على التصعيد المباشر، بعد أن ظلت لسنوات تمارس أدوارها التخريبية عبر أذرعها وميليشياتها المنتشرة في أكثر من دولة عربية
وأضاف أن اللجوء إلى القصف المباشر والتصريحات التهديدية من قبل مسؤولين عسكريين وسياسيين إيرانيين تجاه دول عربية مستقلة يؤكد أن المشروع الإيراني انتقل من التخفي إلى المواجهة العلنية، مما يتطلب من الجميع قراءة المشهد بمسؤولية ووضوح
التجارب مع إيرانوعلى ضوء العدوان الأخير، أكد النعمان، أن التجربة أثبتت أن إيران لا تؤمن بمبدأ حسن الجوار ولا تحترم ميثاق الأمم المتحدة، وتعمل على تصدير الأزمات وبناء نفوذ طائفي مسلح داخل الدول
وأضاف: هذا ما جربناه نحن في اليمن مع الميليشيا الحوثية الإرهابية، وتجربة العراق مع الميليشيات الطائفية، ولبنان مع حزب الله، وسوريا مع نظام الأسد
والمفارقة، وفق النعمان، أن طهران لا تنكر هذا المشروع وإنما تفاخر به في خطاباتها السياسية والعسكرية وتعتبره أداة لمد نفوذها على حساب الدول المستقرة
موقف ثابت وضرورة استراتيجيةعن موقف اليمن، قال النعمان، إن اليمن سيظل ثابتًا في موقفه الرافض للعدوان الإيراني على أي دولة عربية، ومتمسكًا بتحالفه الأخوي مع دول الخليج انطلاقًا من قناعة راسخة بأن أمن العرب لا يتجزأ، وأن الخطر الإيراني لا يواجه إلا بجبهة عربية متماسكة قائمة على الشراكة والندية والوعي بطبيعة المعركة
وأوضح أن التلاحم اليمني الخليجي في هذه المرحلة الحرجة ليس خيارًا طارئًا، إنما ضرورة تاريخية واستراتيجية تفرضها طبيعة التحديات المشتركة
فاليمن الذي يقاتل منذ سنوات مشروعًا انقلابيًا مدعومًا من إيران، يدرك تمامًا حجم الخطر الإيراني، وليس من منظور سياسي أو عسكري، وإنما من زاوية تهديد الهوية الوطنية وتمزيق النسيج الاجتماعي
وأكد أن اليمن لا يدعم دول الخليج من باب المجاملة، وإنما من باب الشراكة في المصير، لأن أمن الخليج من أمن اليمن والعكس صحيح
وبشأن الرد على هذا العدوان الإيراني، قال النعمان، يجب ألا يكون فقط في دائرة الإدانة اللفظية في وسائل الإعلام، وإنما في بناء موقف عربي موحد قائم على تفعيل أدوات الردع السياسي والدبلوماسي، وتعزيز التنسيق الأمني والعسكري والإعلامي بين الدول المستهدفة
وقال إن الوقت قد حان لإعادة النظر في العلاقة مع النظام الإيراني الإرهابي بوصفه نظامًا يهدد الأمن الإقليمي والدولي، وليس مجرد طرف يمكن الحوار معه أو احتواؤه
وأكد على أن الأمة العربية اليوم بحاجة إلى إعلام يعكس حقيقة ما يجري، ويكشف الأكاذيب الإيرانية التي تحاول دائمًا تغليف مشروعها بشعارات المقاومة والمظلومية، في حين أنها تمارس الإرهاب والعنصرية والتوسع تحت لافتة دينية مشوهة
كما أننا بحاجة إلى موقف عربي يعيد ترتيب الأولويات، ويضع مواجهة المشروع الإيراني ضمن الأولويات الأمنية والسياسية، تمامًا كما نواجه التنظيمات الإرهابية الأخرى
طبيعة غادرة من جانبه، استنكر الصحفي والباحث اليمني عادل الأحمدي، لـالثورة نت، هذا الهجوم والعدوان الإيراني على دولة عربية شقيقة هي قطر
وقال: لطالما وقفت دولة قطر إلى صف إيران، ولطالما جملت أذرع إيران، وحاولت تجنّب الصدام مع طهران، وسعت إلى تحاشي الغدر الإيراني
لكن إيران أثبتت مجددًا أنها لا تحفظ الودّ، ولا تؤمن بحق الجوار، ولا تتوانى عن طعن من أحسن إليها
وأضاف الأحمدي: لقد حذّرنا الأشقاء في قطر قبل أكثر من 15 عامًا في فبراير 2010 عقب توقيع الدوحة اتفاقية دفاع مشترك مع إيران، وقلنا حينها إن سياسة التحاشي لن تجدي، والأجدى هو تبني نهج المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين والإمارات في المواجهة الصريحة مع الخطر الإيراني، وليس بمداراته ومهادنته على الطريقة العمانية والقطرية
وأردف قائلاً: أنا لست مع من يتحدث عن تواطؤ قطري أو سماح بانتهاك السيادة
قطر تُدرك دورها، وسياستها طوال العقدين الأخيرين ارتكزت على المناورة وتجنيب البلاد ضربة مباشرة
لكنها صُدمت من غدر الملالي
مضيفًا لست مع فكرة أن قطر سمحت بانتهاك سيادتها وتواطأت مع الإيرانيين لتجميل صورتهم أمام أتباعهم
واختتم الأحمدي، حديثه بالتأكيد على أن قطر تعي دورها في المخطط الكبير، وسياستها في العقدين الأخيرين متركزة على إجادة الدور وتجنيب البلد ضربة إيرانية
مؤكدًا أن الملالي غدارون، والأشقاء مصدومون لكنهم يكابرون درأً لما هو أشد