الحاجة للمساعدات تضاعف زواج القاصرات في مخيمات “المهمشين”
منذ 9 ساعات
تعز- أبرار مصطفىوجدت الطفلة مارينا قاسم، (اسم مستعار)، من فئة البشرة السوداء (المهمشين) نفسها زوجةً وهي ابنة العاشرة من العمر، لرجل يكبرها بأكثر من عشر سنوات، في مخيم البيرين، جنوب غرب تعز، لتتحوّل أحلامها الطفولية إلى وجع لا ينتهي
في المخيم، وكلهم من ذوي البشرة السمراء، كان الفقر هو ما دفع والدها للموافقة على زواجها من شخص أكبر منها
ووفقًا لتقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الاسكوا) عن زواج الأطفال، نشر في 2020، فإن عدم المساواة بين الجنسين، والفقر، والاستبعاد، والتهميش، وانعدام الأمن، ولا سيما في أوساط المجتمعات المحلية النازحة والمتضررة من النزاع؛ فاقمت من ممارسة زواج القاصرات
يقول محمد قاسم “اسم مستعار” لوالد الطفلة مارينا: “كنتُ مجبرًا في مايو من العام الجاري على تزويج مارينا لحاجتي مبلغًا من المال يقدر بـ500 ألف ريال يمني كنتُ قد اقترضته لتكاليف علاجي”
مضيفًا: “أمام المطالبة الملحة لإرجاع المبلغ لأصحابه ودون أي مصدر دخل؛ عجزتُ عن سداد هذا المبلغ؛ فوافقتُ على طلب أحد الأشخاص بالزواج من ابنتي مارينا”
ويواصل حديثه: “كنتُ أدرك أنها ليست في سن الزواج بعد، ولهذا اشترطتُ على الزوج بأن يجعلها تواصل دراستها”
ثلاثة أشهر هي فترة زواج مارينا، وخلال هذه الفترة تعرضتْ مارينا لتعنيف جسدي ومعاملةً قاسية، كما يصف والدها
ويقول: “منذ أسبوعها الأول في بيت زوجها كانت كل يوم تأتي إلى المنزل وتتحدث بحرقة عن سوء معاملة زوجها ووالدته، وكنتُ أحاول إرجاعها لمنزل زوجها وأتواصل مع زوجها حتى لا يكرر سوء معاملته لها، لكن دون فائدة”
ويتابع والد الطفلة مارينا بحرقة: “قرار طلاقها من زوجها كان الحل لإنقاذها من سوء المعاملة الذي تتعرض له، لكن ذلك لم يكن سهلا”
مضيفًا: “رفض الزوج الطلاق وطلب مبلغ المهر الذي دفعه، وفي النهاية تم إعادة نصف مبلغ المهر بمساعدة بعض الناس الذين عرفوا بالأمر، على أن أدفع النصف الآخر من المبلغ بالتقسيط ط، وفعلتُ ذلك من أجل ابنتي حتى لا تظل تعيش مُعذبة”
قصة الطفلة مارينا من ذوي البشرة السوداء مع الزواج المبكر ليست الوحيدة، فهناك الكثير من القصص المؤلمة لفتيات قاصرات تحولت طفولتهنّ إلى فصول من الوجع والمعاناة وسوء المعاملة
في عام 2014 وصلت نسبة زواج القاصرات في تعز، للفئة العمرية 15-18 عامًا، نحو 18%، بحسب دراسة لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، نشرت في سبتمبر عام 2021
وداد أحمد حسن (اسم مستعار) لطفلة هي الأخرى من فئة البشرة السمراء تم تزويجها عام 2016 وهي في سن الحادية عشر عامًا، من مخيم المنيج، جنوب غرب تعز
زوّجها والدها وهي في الصف الثاني الابتدائي؛ من أجل سترها وخوفًا من أي كلام قد يقال عنها”، بحسب تعبيره
تقول دراسة لـ”الاسكوا، 2020″ إن زواج القاصرات في المنطقة العربية كان قد بدأ في الانخفاض، إلا أنه آخذ بالتصاعد في البلدان التي تشهد نزاعات محلية
وتشير الدراسة إلى أن هذه الممارسة انتشرت “كآلية سلبية للتكيف في بيئة تنظر للفتيات والشابات بأنهنّ عرضة للاعتداء الجنسي والاغتصاب، ويُنظر إلى زواج الأطفال على أنه يوفر الحماية، مع أنه شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي”
حاليًا، وداد أمٌ لخمسة أطفال، أكبرهم في العام التاسع وأصغرهم في الثانية من عمره، تركها زوجها وتزوج بامرأة أخرى هروبًا من مسؤولياته تجاه وداد وأطفالها، وهي في نظره لم تعد قادرة على إسعاده وتركها تعاني مشقة تربية الأبناء بمفردها
قصتا مارينا ووداد ليست قصصًا فردية بل ظاهرة منتشرة في مخيمات النزوح، خاصة بين فئة المهمشين
وبحسب المحامية نبيلة الجبوبي، التي تتعامل يوميًا مع عشرات حالات الطلاق والعنف التي يتعرض لها النساء ضمن عملها بفريق اتحاد نساء اليمن، فإن حوالي ثلث الحالات التي وصلتها بين عامي 2023 و2025 تخص زواج قاصرات
تقول المحامية الجبوبي: “قبل كل جلسة مرافعة أتحدث مع أهالي الفتيات لمعرفة ظروف تزويجهنّ
جميع الحالات تنبع من الاحتياج المادي، وهناك حالات كثيرة تم تزويجهنّ للحصول على مساعدات إنسانية مختلفة”
المحامية نبيلة الجبوبي: قبل كل جلسة مرافعة أتحدث مع أهالي الفتيات لمعرفة ظروف تزويجهنّ
جميع الحالات تنبع من الاحتياج المادي، وهناك حالات كثيرة تم تزويجهنّ للحصول على مساعدات إنسانية مختلفة”
وفي هذا الجانب، يقول الاستشاري بقضايا حماية الأطفال والنساء بالمركز المدني للدعم والمناصرة في تعز، شائف عبدالله الجابري، إن الرجال من فئة المهمشين يتعاملون مع الزواج من جانب اقتصادي بحت، فالنساء هي من تعمل لتمويل العائلة ويدفعهنّ هذا للتسول مع أطفالهنّ، فكلما كثر عدد الأطفال لدى الرجل زاد دخله
وهذا ساعدهم أيضًا على زيادة حجم المساعدات التي يتلقوها
فهناك منظمات تقدم مساعدات مختلفة “إيواء، غذاء، خدمات صحية، وتعليمية، خدمات نفسية، خدمات المياه، خدمات قانونية، مساعدات خاصة بالنساء فقط، وكذا مساعدات مالية كانت تصل إلى ما يقارب 120-250 دولار(شهريًا)”
وفي هذا الصدد تشير نهلة عبده أحمد سلمان، المديرة التنفيذية لجمعية حياة أفضل، إلى أن تقليص حجم المساعدات بعد قرار ترامب بوقف تمويل أي مشروعات أو مؤسسات إنسانية بدعم أمريكي ساهم بدوره في الحد من حالات زواج القاصرات التي كانت تتم للحصول على مساعدات أكثر
”وتقول نهلة: “كانت العديد من المؤسسات تشترط وجود عقد زواج رسمي معتمد ووجود خيمة الأسرة لتسليم المساعدات”
نهلة عبده أحمد سلمان، المديرة التنفيذية لجمعية حياة أفضل: تقليص حجم المساعدات بعد قرار ترامب بوقف تمويل أي مشروعات أو مؤسسات إنسانية بدعم أمريكي ساهم بدوره في الحد من حالات زواج القاصرات التي كانت تتم للحصول على مساعدات أكثر
وتضيف “كانت العديد من المؤسسات تشترط وجود عقد زواج رسمي معتمد ووجود خيمة الأسرة لتسليم المساعدات”
ويضيف الجابري أن الزواج المبكر مشكلة لدى جميع فئات المجتمع، حيث أصبحت عادةً اجتماعية أطرها رجال الدين واستغلوا تدين المجتمع؛ مما أضعف قدرة الحكومة اليمنية على التزاماتها الدولية المتمثلة بالتزامها الدولي الصريحة بالاتفاقية الدولية لحقوق الأطفال الذي وقعت وصادقت عليها عام 1990، بحسب تعبيره
التوعية بمخاطر زواج القاصراتأطلق بعض الشباب من فئة المهمشين مبادرات للحد من انتشار الظاهرة في مخيمات النازحين
يشير فوزي الحبيشي، 30 عامًا، رئيس جمعية “حياة أفضل”، إلى أن الجمعية نفذت عددًا من الأنشطة المهمة ضمن مشروع دعم التعايش المجتمعي الممول من Saferworld وهي منظمة دولية تسعى لخلق عالم أفضل وآمن
يقول الحبشي إن الجمعية نظمت دورات توعية للأهالي ضد الزواج المبكر، جلسات نقاش بين أعضاء من المجلس المحلي وأمناء شرعيين والصحفيين والمحامين لمناقشة أسباب الظاهرة وكيفية منعها
كما وفرت الجمعية فرصًا للأطفال لإكمال تعليمهم، سواء المدرسي أو الجامعي، حيث ساعدت حوالي 50 شخصًا على إكمال تعليمهم المدرسي والجامعي، وساعدت أكثر من 30 آخرين على الالتحاق ببرامج محو الأمية
ورغم انتهاء المشروع بشكل رسمي عام 2024 إلا أن بعض أنشطته مثل دورات التوعية مازالت مستمرة
وتوضح نهلة أن أنشطة التوعية اعتمدت على النزول الميداني للمجتمع المحلي في المخيمات لأكثر من مرة واحدة، وقد اعتمدنا أيضًا في مبادرات التوعية على مجموعة من الفتيات والشباب المتعلمين من أبناء المخيمات لقدرتهم على التأثير في الأهالي بشكل مباشر ومعايشتهم لواقع المخيمات؛ ولذا كانت لديهم قدرة أكبر على تعريف الأهالي بحقوقهم وبأضرار الزواج المبكر
وتقول نهلة: عملنا حملات مناصرة كانت تقام في مركز مديرية المعافر بريف مدينة تعز، كانت تضم أعضاءً من السلطة المحلية في المديرية ومؤثرين مجتمعين وإعلاميين وقادة مجتمعين وخطباء مساجد ورجال دين، بحكم أن المجتمع المحلي لا يزال محافظًا على العادات الدينية، وعمل الكثير من الورش التعريفية والتعليمية والتثقيفية بحقوق الفئة المهمشة ومحاولة الخروج بالكثير من المعالجات والحلول التي عملنا عليها خلال نفس المشروع
مضيفةً أن حملات التوعية وجلسات المناصرة وورش العمل خرجت بالكثير من الحلول التي ركزت في بداية الأمر على إعادة دمج الكثير من فئة المهمشين في التعليم الأساسي والجامعي، فقد نسقنا مع المدارس والمعاهد والكليات لتوفير مقاعد مجانية لأصحاب الفئة المهمشة، حاولنا توفير فرص العمل للبعض منهم، فقد نسقنا مع المستشفيات وغيرها من المنشآت لتوفير فرص عمل حتى للبعض منهم، كما عملنا على مشروع التمكين الاقتصادي للنساء اللواتي يمتلكن بعض المهارات الحياتية وتوفير بعض المستلزمات لهنّ وتعليمهنّ الحرف
وتضيف: “نسقنا مع مندوبي المخيمات ومع بعض المؤثرين في أوساط هذه الفئة من أجل الإبلاغ عن أي حالة تزويج تتم في سن مبكر، كما تم الاتفاق مع بعض الأمناء الشرعيين من أجل حظر تزويج أي فتاة لم تبلغ السن القانوني”
نهلة عبده أحمد سلمان، المديرة التنفيذية لجمعية حياة أفضل: نسقنا مع مندوبي المخيمات ومع بعض المؤثرين في أوساط هذه الفئة من أجل الإبلاغ عن أي حالة تزويج تتم في سن مبكر، كما تم الاتفاق مع بعض الأمناء الشرعيين من أجل حظر تزويج أي فتاة لم تبلغ السن القانوني”
تقول نهلة: وبالفعل وصلنا بلاغات بخمس حالات من مخيم البيرين والمنيج خلال نهاية العام 2023 والعام 2024، رغم عدم تقبل المجتمع لنا بشكل كلي بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية التي توجد في الأرياف، التي تعتبر النساء في سن معين أنهنّ عانسات”
وقد تجاوز أثر هذه التوعية على التبليغ فقط؛ ليمتد لوقف زيجات القاصرات
هدى العواضي، التي تبلغ 16 عامًا، كانت ستُزوّج وهي في الصف الرابع، مثلها كمثل أخريات داخل المخيمات اللواتي يتم تزويجهنّ في سن مبكر
ولكن شقيقتها فاطمة، والتي كانت إحدى الفتيات اللواتي أكملنّ تعليمهنّ وعملت ضمن أنشطة “حياة أفضل” عملت على توعية الأسرتين وتم الاتفاق مع عائلة العريس على تأجيل زيجتها إلى حين بلوغها السن القانوني للزواج
أما أماني علي، فتم فسخ خطوبتها وهي في سن اثنا عشر عامًا بعد تدخل المبادرة، وكان والدها ينوي تزويجها مقابل المال الذي اقترضه لإجراء عملية البواسير
ولكن مبادرات عديدة تدخلت وعملت على إيقاف زواجها والاتفاق على دفع دَين والدها
والنتيجة كانت عودة أماني إلى المدرسة ومتابعة تعليمها من جديد وهي اليوم في الصف الثالث الابتدائي بسبب هذه المبادرات
ورغم هذه النجاحات إلا أن بعض مناطق المخيمات وعدم توفر المواصلات بشكل كافٍ يشكل تحدٍ كبير لتعميم الأثر على كافة المخيمات في اليمن
ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع
يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة
بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail
comكن أول من يتلقى آخر الأخبار والتحديثات مباشرة على بريدك الإلكتروني
منصة يمنية تهتم بالقصة الخبرية بلغة سهلة ومهنية، عبر فريق من المحررين المنتشرين في كافة المدن اليمنية
نحرص على تغطية دقيقة وموضوعية بالنص والصورة والفيديو
جميع الحقوق محفوظة © المشاهد نت 2022