الحرب الأهلية في اليمن تدخل منعطفًا خطيرًا جديدًا - [ترجمة خاصة]

منذ 5 ساعات

بقلم: هيلين لاكنر - غالبًا ما تصف التقارير حضرموت بأنها أكبر محافظات اليمن، في إشارة إلى مساحتها الجغرافية، لكنها نادرًا ما تذكر قلة عدد سكانها — إذ يبلغ عددهم نحو 2

5 مليون نسمة من إجمالي يقارب 35 مليونًا في عموم اليمن

وبفضل إنتاج النفط وإمكانات التصدير، أصبحت حضرموت ذات أهمية متزايدة لميزانية الدولة اليمنية خلال العقود الأخيرة

ويعود اهتمام السعودية الدائم بالمنطقة إلى الحدود الطويلة المشتركة معها، وإلى العلاقة التاريخية التي تربطها ببعض أغنى العائلات التجارية السعودية، وهي علاقة تأسست قبل قرن من الزمان عبر مهاجرين حضارم

ونتيجة لذلك، استفادت حضرموت من استثمارات سعودية كبيرة في البنية التحتية والسياحة والصناعة، بما في ذلك قطاع الصيد، فضلًا عن تسهيلات أكبر لهجرة العمالة إلى المملكة

وتتمتع المنطقة بإمكانات كبيرة في مجال السياحة الثقافية بفضل تضاريسها وعمارتها الطينية

ففي الحقبة الاستعمارية، كانت المدن الثلاث الرئيسية في الداخل — شبام وسيئون وتريم — تُعرف على التوالي باسم نيويورك وباريس وروما

كما تُقارن تريم بروما لدورها البارز في التصوف الإسلامي العالمي

ويستقطب أشهر معاهدها التعليمية، دار المصطفى، طلابًا دوليين، معظمهم من جنوب شرق آسيا

وخلال فترة الاستعمار البريطاني، كانت كل من سلطنة الكثيري في الداخل وسلطنة القعيطي على الساحل محميتين بريطانيتين

ولم تنضم أي منهما إلى اتحاد الجنوب العربي قصير العمر الذي أنشأته بريطانيا عام 1962، كما لم يكن لهما دور يُذكر في الكفاح من أجل الاستقلال الذي تلا ذلك

وفي يونيو/حزيران 1967، سيطرت الجبهة القومية للتحرير على عاصمة حضرموت، المكلا، ما ضمن إدماج المنطقة في الدولة المستقلة التي أُعلنت في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، والتي سارعت إلى إلغاء جميع الكيانات السابقة، بما في ذلك السلطنتين

وكانت قيادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يهيمن عليها فصائل من منطقة صغيرة شمال عدن

وخلال سنوات وجودها الثلاث والعشرين، شهدت صراعات داخلية دامية (في أعوام 1969 و1978 و1986)

ومع ذلك، حرص القادة على إشراك الحضارم في مناصب سياسية عليا، كما تجنب هؤلاء الانخراط في تلك الصراعات

ولفهم الولاءات والانقسامات الحالية، فإن مرحلتي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية واليمن الموحد الذي تلاها تكتسبان أهمية خاصة

فقد كانت سياسات الجمهورية الاشتراكية القائمة على المساواة وعدائها للنخب الموروثة مثيرة للانقسام في حضرموت

وفي أوائل سبعينيات القرن الماضي، هاجر كثير من المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية المميزة إلى السعودية

وغادر السادة (المنحدرون من نسل النبي)، وزعماء القبائل، والتجار، المنطقة بعدما قامت الدولة بتأميم الأراضي ومنحت حق الانتفاع بها للمزارعين في الداخل، الذين كانوا تقليديًا من ذوي المكانة الاجتماعية الأدنى

وتتسم الانقسامات الاجتماعية بين ملاك الأراضي السابقين ومن حصلوا على الأراضي آنذاك بسمات موروثة أشبه بالنظام الطبقي

وعندما توحد شطرا اليمن عام 1990، عاد النخب السابقون

وبفضل سياسات الرئيس علي عبد الله صالح، أعادوا ترسيخ امتيازاتهم واستعادوا السيطرة على أراضيهم السابقة

ومع إضعاف الحزب الاشتراكي اليمني بعد حرب 1994، تخلى كثير من أبناء الفئات الأدنى مكانة عن ولائهم السابق للحزب الاشتراكي، وانضموا إلى حزب الإصلاح الإسلامي، الذي يدعو بدوره إلى المساواة بين جميع المسلمين أمام الله

الانفصال الجنوبيلم تكن حضرموت جبهة عسكرية في الصراع بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي منذ اندلاع الحرب عام 2015

كما أن الصوفية السنة الحضارم أبدوا مقاومة للخطاب الأيديولوجي الحوثي

غير أن صعود النزعة الانفصالية الجنوبية منذ عام 2017، بالتزامن مع تراجع التحالف السعودي–الإماراتي، بدأ يفرض ضغوطًا متزايدة على المنطقة

وبعد سيطرة الانفصاليين على محافظة شبوة، وهي الأخرى غنية بالنفط، عام 2022، ركزوا اهتمامهم على حضرموت، ولا سيما مناطقها الداخلية المنتجة للنفط

ومنذ ذلك الحين، انقسمت المحافظة بين قوتين عسكريتين رئيسيتين: المجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات النخبة الحضرمية على الساحل

وكانت الأخيرة قد أُنشئت أساسًا لمحاربة فرع تنظيم القاعدة في المكلا، بمشاركة مباشرة وكبيرة من الإمارات وحتى الولايات المتحدة

أما في الداخل، فكانت السيطرة بيد عناصر من الحكومة المعترف بها دوليًا المؤيدة لوحدة اليمن، بدعم سياسي سعودي، وكذلك بدعم من الفئات الاجتماعية الأدنى المتحالفة مع حزب الإصلاح

وخلال العام الماضي، برزت قوات قبلية حضرمية بقيادة عمرو بن حبريش لمواجهة الخطاب المتزايد عدوانية من الإمارات والمجلس الانتقالي

واستخدمت هذه القوات سيطرتها على حقول النفط كورقة ضغط، ما ساهم في انقطاعات كهربائية حادة في عدن ومناطق أخرى

وحل استخدام القوة محل الخطاب السياسي، في ظل عجز المحافظ السابق والحكومة المركزية عن التعامل مع الوضع

وشهد مجلس القيادة الرئاسي، وهو السلطة التنفيذية للحكومة المعترف بها دوليًا، صراعًا داخليًا بين مكونات مدعومة من السعودية تؤيد وحدة اليمن، وأخرى مدعومة من الإمارات تؤيد الانفصال

ولم يُستشر سكان حضرموت وسط هذه الخلافات؛ ولو حدث ذلك، لفضلوا إما الاستقلال الكامل أو الارتباط الفضفاض بأي سلطة تحكم اليمن، سواء من عدن أو صنعاء

وفي محافظة المهرة الشرقية على الحدود مع عُمان، كان استيلاء المجلس الانتقالي أسهل

إلا أن السكان، وهم أقل عددًا وأكثر تفرقًا من حضرموت، لا يدعمون الانفصاليين، بحكم ارتباطهم الوثيق بعُمان والسعودية

وقد هددت عُمان بإغلاق الحدود ما لم يُرفع علم الانفصال، فيما عبّر وجهاء محليون عن تضامنهم مع “الشماليين” الذين يتعرضون، بحسب قولهم، لسوء المعاملة والطرد من قبل المجلس الانتقالي

أسباب الصراعلماذا انفجرت الأزمة إلى صراع مسلح الآن؟ لا شك أن التوترات كانت تتصاعد خلال الأشهر الماضية، إلا أن الوضع لم يصل إلى مواجهة مفتوحة خلال السنوات الثلاث السابقة لسببين رئيسيين

أولًا، لم يكن الحضارم (ولا يزالون) ميالين إلى الاقتتال فيما بينهم لصالح أطراف أخرى، سواء كانت أجنبية أو يمنية

ويتجلى ذلك في أن قوات المجلس الانتقالي المشاركة في الهجوم جاءت من محافظات جنوبية غربية أخرى

ثانيًا، نجح الرعاة الرئيسيون للفصائل المتنافسة داخل الحكومة — السعودية والإمارات — حتى وقت قريب في احتواء تنافسهما المتزايد وتجنب المواجهة العسكرية، غير أن هذا الوضع تغير في الأشهر الأخيرة

فبعد تعيينه هذا العام، بدأ رئيس الوزراء الجديد في الحكومة، سالم صالح بن بريك، بالسيطرة على المؤسسات المالية، ما أسهم في تحسين سعر الصرف على حساب بعض المستفيدين من المجلس الانتقالي

كما بات المجلس يُلام بشكل متزايد على انقطاعات الكهرباء وتدهور الأوضاع المعيشية في المناطق الريفية والحضرية

وعلى الأرض، كانت قوات حماية حضرموت القبلية، التي تدعمها السعودية، تزداد قوة، وربما أصبحت قادرة قريبًا على التصدي لهجوم المجلس الانتقالي

ومنذ عام 2017، برز التنافس السعودي–الإماراتي بشكل أوضح في اليمن، لكنه امتد إلى ساحات أخرى أيضًا

فعلى الصعيد الداخلي، تتنافس استراتيجية محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد السعودي بعد النفط بشكل مباشر مع الإمارات على جذب الاستثمارات الدولية، ولا سيما الأميركية، في مجالات التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي

ويسعى البلدان كذلك إلى نيل اعتراف دولي بهما كقوتين متوسطتي النفوذ العالمي، كما يتنافسان على أدوار الوساطة في حرب روسيا وأوكرانيا، وتتضارب مصالحهما في البحر الأحمر والسودان

وخلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، طلب محمد بن سلمان من دونالد ترامب التدخل في السودان، في خطوة اعتُبرت تحديًا مباشرًا لدعم الإمارات لقوات الدعم السريع، مع تسليط الضوء على جرائمها، لا سيما في دارفور

وكانت الولايات المتحدة قد اتهمت هذه القوات، المدعومة إماراتيًا، بارتكاب إبادة جماعية في يناير/كانون الثاني 2025

وقد يكون هذا التحرك السعودي قد أسهم في قرار الإمارات الدفع بأزمة حضرموت إلى ذروتها، حيث قدمت دعمًا نشطًا لهجوم المجلس الانتقالي، ما ضمن له نصرًا عسكريًا سريعًا

آفاق المستقبلخلال الأسبوع الماضي، حاول وفد سعودي–إماراتي مشترك التوصل إلى حل

وتطالب السعودية بانسحاب قوات المجلس الانتقالي من داخل حضرموت واستبدالها بقوات “درع الوطن”، وهي وحدة أُنشئت بدعم سعودي عام 2023 وتخضع مباشرة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي

ومن غير المرجح أن يكون الممثل الإماراتي في الوفد قد قدم أكثر من دعم شكلي لمحاولة الوساطة هذه

فقد حشدت السعودية قواتها على جانبها من الحدود، بينما تتمركز القوات اليمنية الموالية للحكومة على الجانب اليمني

ومن المتوقع أن يؤجل المجلس الانتقالي، بعد حشد أنصاره للمطالبة بالاستقلال، أي إعلان رسمي للدولة، سعيًا لمواصلة الاستفادة من المساعدات الدولية والأممية وتجنب العزلة الكاملة

وفي محاولة لكسب موافقة الولايات المتحدة وتأكيد اصطفافه مع الإمارات، أعلن المجلس أنه سيعترف بإسرائيل وينضم إلى اتفاقيات أبراهام، وهي خطوة من غير المرجح أن تحسن صورته لدى الشعب اليمني المعروف بتأييده القوي للقضية الفلسطينية

وبغض النظر عن مآلات هذا الصراع، فإن المواجهة العسكرية القصيرة في الأسبوع الأول من ديسمبر ستترك جروحًا عميقة

فعلى المستوى المحلي، تبدو الاتهامات التي أطلقها قيادي المجلس الانتقالي عمرو البيض ضد الحضارم، واصفًا إياهم بالإرهابيين وداعمي الحوثيين، غير قابلة للتصديق

كما أن اللغة المسيئة التي استخدمها بعض جنود المجلس على وسائل التواصل الاجتماعي ستدفع الحضارم إلى اعتبار ما جرى غزوًا معاديًا، وستغذي كراهية طويلة الأمد تجاه جماعة طالما نظروا إليها بازدراء

ويقف الحضارم اليوم في حالة من التيه، بينما تخضع أرضهم للاحتلال

وتسيء قوات المجلس الانتقالي معاملة من تصفهم بـ“الشماليين” وتطردهم، في حين يعتبرهم الحضارم غرباء لا يقلون عن أي شمالي، إن لم يكونوا أكثر غرابة

وحتى الآن، ترفض قوات المجلس الانسحاب من المواقع التي سيطرت عليها في المهرة وداخل حضرموت

وقد عقد رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، اجتماعات في الرياض مع سفراء معظم الدول الكبرى المعنية باليمن، وجميعهم دعوا إلى العودة للاستقرار ودعم وحدة الأراضي اليمنية

ومن المرجح أن تُسحب المساعدات المالية السعودية، التي كانت المصدر الرئيسي لدخل الحكومة (بما فيها مكوناتها الانفصالية)، ما قد يؤدي إلى انهيار حاد في قيمة العملة الوطنية

وفي 17 ديسمبر/كانون الأول، التقى العليمي وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان

وقد لجأت السعودية الآن إلى طلب دعم أميركي لحل الأزمة، في اعتراف فعلي بأنها باتت صراعًا بين السعودية والإمارات

وبالنظر إلى الموقف المؤيد لإسرائيل من جانب الإمارات، ومحاولات السعودية السابقة للتفاوض مع الحوثيين، قد تنتهي الولايات المتحدة إلى الانحياز للإمارات، ما يمهد لتفاقم التنافس بين البلدين ويدفع السعودية للبحث عن دعم بديل

وفي الأثناء، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة بيانًا وُصف بالضعيف، دعا فيه جميع الأطراف إلى “ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وخفض التصعيد، وحل الخلافات عبر الحوار”

لكن ادعاء المجلس الانتقالي أنه أعاد الأمن إلى المنطقة يتناقض تمامًا مع الواقع، إذ جلب الحرب وعدم الاستقرار إلى المناطق الوحيدة في اليمن التي كانت قد نجت سابقًا من الصراع المفتوح

وفي مفارقة أخيرة، يرفع المجلس الانتقالي علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الاشتراكية، في حين يرفض تمامًا أي شكل من أشكال الاشتراكية