الدراسة الجامعية بلا شغف: مشكلة تصنعها الأسرة

منذ 2 سنوات

تعز – محمد الأصبحي:قبل 19 سنة، تخرجت فادية من الثانوية العامة بتعز، وحققت درجات عالية، وأصبح دخولها إلى كلية الطب أو الهندسة ممكنًا

حينها، لم تكن فادية تحلم بدراسة التخصصات الطبية أو الهندسية، وكانت مهتمة بالآداب فقط

عندما أخبرت والدتها عن رغبتها بدراسة الأدب الإنجليزي، لم توافق الأم، واعتبرت دراسة الأدب الإنجليزي في الجامعة قرارًا خاطئًا، وأجبرتها على التسجيل في كلية الطب

لم تستطع فادية رفض قرار الأم، وبدأت بالاستعداد للدخول في تلك الكلية، وأكملت سنوات الدراسة الجامعية في ذلك التخصص

سنويًا، يلتحق الآلاف من خريجي الثانوية العامة، أمثال فادية، بالتعليم الجامعي، لكن الكثير منهم لا يختارون التخصصات التي يريدون دراستها وفقًا لرغبتهم أو طموحاتهم، حيث تجبرهم عائلاتهم على اختيار تخصصات معينة

تقول فادية لـ”المشاهد”: “رضخت لرأي أمي، والتحقت بكلية الطب

منعني الكبرياء من التوقف كي لا يقال عني فاشلة، وواصلت الدراسة حتى تخرجت”

وبعد تخرجها، لم تعمل في المجال الطبي، لأنها لم تشعر بأي شغف تجاه هذا العمل

في عام 2009، قررت فادية الالتحاق بقسم الأدب الإنجليزي

تقول: “حينها شعرت لأول مرة بالنجاح، ودرست التخصص بشغف”

اليوم، تعمل فادية كأستاذة في كلية الآداب بجامعة تعز

الدكتور نشوان الحسامي، مستشار مكتب الصحة والسكان للجودة بتعز، ومدير مستشفى الإحساني، يقول لـ”المشاهد”: “التحاق الطالب بكلية الطب بناء على رغبة عائلته المتعارضة مع شغفه، يعد كارثة، حتى وإن تفوق

غياب شغف الطبيب بالمهنة وممارستها ينقلب سلبًا على المرضى وذويهم، كون الطبيب يتحول إلى تاجر يتنقل بين المشافي”

بحسب أستاذ علم النفس بجامعة تعز، مروان العامري، فإن الطالب الذي لا يختر التخصص المناسب لشخصيته وميوله، يشعر بعدم الثقة بعد تخرجه من الجامعة، وقد يلجأ الطالب بعد التخرج إلى العمل في المجال الذي يحبه، وليس المجال الذي درسه

الانسحاب من التخصصتمتلئ أروقة كليات الطب والهندسة بطلاب يسعون لتحقيق أهداف عائلاتهم، أو يطمعون بالشهرة وزيادة الدخل بعد تخرجهم

في الأشهر الأولى من الدراسة، يعبرون عن أحلامهم الكبيرة، لكن مع مرور الوقت أو بعد الانتهاء من التعليم الجامعي، يصاب بعضهم بالإحباط والندم، لأنهم وجدوا أن تلك التخصصات لا تناسبهم

الدكتور محمد بجاش، نائب العميد لشؤون الطلبة، بكلية السعيد للهندسة وتقنية المعلومات بجامعة تعز، يقول لـ”المشاهد” إن نسبة الطلاب المنسحبين من الدراسة في الكلية تصل إلى حوالي %30، إذ يمكن تعميم هذه النسبة على السنوات الأربع المناضية

ويضيف لـ”المشاهد”: “غالبًا ينسحب الطلاب بسبب تدني مستواهم العلمي أو عدم توافقهم من مقرارات الهندسة”

سجّلت سمر القاضي، مؤسس ومدير مكتب ستارت فيوتشر للاستشارات بتعز، في كلية التربية بعد تخرجها من الثانونة العامة عام 2004

لكنها اكتشفت أن تلك الكلية لا تتوافق مع ميولها، وكان أمرًا شاقًا لها أن تدرس أربعة أعوام تخصصًا لا تحبه

تقول القاضي لـ”المشاهد”: “شعرت بأني عاجزة عن الفهم أو المذاكرة، وتخلفت عن الحضور في أغلب الأيام، وأدركت أني في المكان الخطأ

وبعد أشهر قليلة من التسجيل، قررت التوقف عن الدراسة بكلية التربية، وبحثت عن تخصص آخر”

وديع محمد، أخصائي نفسي بتعز، يقول لـ”المشاهد” إن اختيار التخصص الجامعي لا ينبغي أن يتم جزافًا، ويجب أن يكون متوافقًا مع رغبة الطالب وميوله وقدراته وسماته الشخصية، بما يحقق استقراره النفسي

يضيف: “توافق ميول الطالب مع التخصص العلمي سينعكس إيجابيًا، في المستقبل، على أسرة الطالب والمؤسسة التي سيعمل بها والمجتمع ككل

جهل الطالب بميوله والدراسة والسعي لتلبية رغبة العائلة يؤدي إلى إخفاقه، وغالبًا التوقف عن إكمال تعليمه الجامعي”

مساعدة الطلاب على اختيار التخصص المناسب لهم ليس أمرًا عسيرًا، بحسب محمد، إذ يقول: “ينبغي معالجة هذه المشكلة على مستوى المدارس والجامعات من خلال تفعيل التوجيه المهني من قبل المرشدين النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين، لإرشاد وتوجيه الطلبة لمعرفة رغباتهم وقدراتهم والتخصصات الملائمة لهم باستخدام الاختبارات والمقاييس النفسية”

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير