السعودية واليمن .. عقود أولى من النزاعات والحروب والمعاهدات

منذ سنة

تعز – سامي عبدالعالم :تتصل الجمهورية اليمنية بالمملكة العربية السعودية بحدود برية وبحرية

تمتد الحدود بين البلدين قرابة 1,458 كيلومتر مربع، الحدود البرية منها 1327 كيلومتر مربع  ، وفقا لبيانات هيئة المساحة الجيولوجية السعودية

تتسم العلاقة بين البلدين والشعبين بأواصر ومصالح وقواسم مشتركة ، غير ان التوتر في العلاقات السياسية والنزاعات والحروب هي سمة ملازمة للعلاقات ، دون فقدان سمات التعايش والجوار الأخرى

تمثل معاهدة الطائف ١٩٣٤م حجر الزاوية رسميا في صلة الدولتين ببعضهما وترسيم حدودهما لمعالجة النزاعات الحدودية ، على رغم اقتصار المعاهدة على حدود شمال اليمن وأتت اتفاقية جدة عام ٢٠٠٠م واليمن موحدا ، مكملة

لكن النزاعات لم تنته كليا

احيانا ، لم تكن السعودية طرفا في نزاع بين دولتين ، ففي احايين كانت طرفا وسيطا ، وغالبا ان لم يكن على الدوام ، مارست السعودية دورا اكبر بقبول اقليمي ودولي باعتبار ان اليمن تشكل عمقا استراتيجيا للمملكة والتي تعد منطقة حيوية للمصالح الدولية خاصة الغربية

ولطالما كانت الحدود بين البلدين مصدر توتر وخلافات ، وتشكو السعودية من التهريب عبر الحدود

منذ الإعلان عن قيام المملكة العربية السعودية عام ١٩٣٢م وعلى مدى أكثر من ٩٠ عاما، شهدت العلاقات بين اليمن والسعودية نزاعات وحروب والعديد من الاتفاقيات والمعاهدات ، ورغم استمرار النزاعات فقد اتسمت علاقات البلدين اجمالا بفترات استقرار، واستمرار المصالح المشتركة ويرجع ذلك لعدة عوامل أبرزها التقارب بين الشعبين ووجود شريحة كبيرة من العمالة اليمنية في السعودية

في ضوء مجريات الحرب الأهلية اليمنية الراهنة والمستمرة للعام التاسع على التوالي والدور السعودي الراهن وتحولاته في مقابل الدور الإيراني المسبب لاندلاع النزاع واشتعال الحرب الاهلية اليمنية نتيجة الدعم الايراني القوي للانقلاب الحوثي في اليمن والذي يعبر عنه موقف ايران رسميا باعتبارها الدولة الوحيدة التي اعترفت بالمتمردين الحوثيين وتبادلت معهم التمثيل الديبلوماسي ، في ضوء كل ذلك تعد دراسة ماضي النزاع اليمني- السعودي ومسار العلاقات خلال ١٠٠ عام، موضوعا هاما لإدراك خلفية النزاعات وطبيعتها واستلهام دروس للمستقبل، وابرزها أن اضطراب العلاقات بين البلدين قد اوجد حالات فراغ سمحت في العقدين الماضيين، لدولة ذات نفوذ وأطماع كأيران أن ترسخ اقدامها في شمال اليمن وتستخدم اليمن راس حربة في مشروعها للهيمنة على دول المنطقة

اندلعت حرب خاطفة بين السعودية والمملكة المتوكلية اليمنية التي كانت مسيطرة على شمال اليمن عام ١٩٣٤م انتهت بتوقيع معاهدة الطائف في العام نفسه، سبق تلك الحرب ارهاصات وصراعات متشعبة واشتباكات ومعارك بدأت نذرها منذ العام ١٩٣١م

منطقة نجران كانت محور نزاع بين السعودية واليمن الشمالي في عهد الامام يحيى، كانت نجران أبرز ميادين المعركة بين قوات يحيى حميد الدين وابن سعود وارهاصاتها وقد نشأت الازمة عندما توجهت قوات الامام يحيى حميد الدين لمهاجمة نجران وتحالف مع الإمام بعض اهالي المنطقة من قبائل يام وقيامهم بطرد الجيش السعودي عام 1932م ، وفقا لكتاب تاريخ اليمن الحديث لمؤلفه بول دريش، ص 35

يروي كتاب تاريخ اليمن الحديث أن ” الإمام يحى حميد الدين توجه إلى مناطق قبائل وائلة ومنها إلى نجران موطن قبيلة يام ، وان عددا من هذه القبيلة ناصر الإمام وطُرد الجيش السعودي من المنطقة

”يقول الكاتب نداف صفران في مؤلفه ” المملكة العربية السعودية : البحث عن الأمن”:” كان السبب المباشر للحرب هو النزاع حول واحة نجران، على الحدود بين البلدين السعودية واليمن، والتي استولت عليها قوات الإمام يحيى والتي أطاحت بها جماعة الإخوان في ربيع عام 1932م”

ورد في كتاب ” جون فيلبي والبلاد العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز بن سعود” : ” في شتاء عام١٩٣١م  وقع حدث كثير الخطورة، عندما انحدرت قوة يمانية في نجران واحتلتها، حيث تم تدمير ممتلكات عناصر غير صديقة، أجبرت شكاواهم ابن سعود على الرد بقوة

وخلال ربيع عام 1932م قاد أمير الخرمة خالد بن لؤي، قوة من الإخوان إلى مكان الحادث، ولم يجد صعوبة كبيرة في مطاردة الحامية خارج الواحة واحتلالها باسم عبد العزيز آل سعود

”ادت حرب نجران الى نزوح  عدد كبير من سكان المنطقة نحو منطقة عسير

جاء في كتاب ” تاريخ اليمن الحديث” لمؤلفه بول دريش ان الأدارسة ومنذ نوفمبر عام 1933م نقضوا حلفهم مع البريطانيين ومع ابن سعود والتحقوا بالإمام يحيى حميد الدين

اعقب ذلك اندلاع الحرب اليمنية- السعودية عام ١٩٣٤م في نجران بين ابن سعود والامام يحيى ، كما اندلعت الحرب بالتزامن في بقية الجبهات بين ابن سعود والأدارسة المتحالفين مع الامام يحيى والذين هزموا واصبحوا لاجئين في اليمن عند الإمام يحيى

وفقا للكتاب “قامت حرب خاطفة بين  مارس ومايو  عام 1934 وانتهت بتوقيع معاهدة الطائف عقب سيطرة ابن سعود على 100 كيلو متر بعد ساحل صبيا” تم توقيع معاهدة الطائف بين ابن سعود وبين يحيى حميد الدين وتصفية وجود الامارة الادريسية وسيطرة السعودية على جازان وتهامة وضمها  لنجران وانسحاب الجيش السعودي من حجة والحديدة ووضعهما تحت سيطرة الامام يحيى

تعود خلفية الحرب  اليمنية – السعودية ، الى حرب بين المملكة المتوكلية اليمنية والإمارة الأدريسية بين ١٩٢٤م و١٩٢٦م انتهت بسيطرة قوات الامام يحيى حميد الدين على الحديدة ومحاصرته مناطق اخرى في الامارة الادريسية ، تحولت بعدها الامارة الإدريسية لحكم ذاتي تحت حماية السعودية بعد رفض يحيى حميدالدين عرض الحسن الادريسي الاعتراف بالسيادة الزيدية على عسير مقابل حكم ذاتي، وما لبث اتفاق الحماية السعودية ان تحول الى سيطرة تامة على امارة الادارسة وضم المنطقة للسعودية في أكتوبر 1930م ما ادى الى تمرد الأدارسة متذ ١٩٣٣ ضد ابن سعود وتحالفهم مع الامام يحيى

بالتزامن مع معارك بين قوات ابن سعود التي كان يقودها نجله فيصل وبين قوات الامام يحيى في نجران،  كانت هناك مفاوضات بينهما حول نجران ، جرت في مدينة ابها جنوب السعودية، واوقف ابن سعود المفاوضات ووجه قواته لاحتلال مناطق عسير وجيزان وتهامة، حيث وصلت القوات السعودية إلى قلعة الطائف في منطقة الدريهمي جنوب مدينة الحديدة غربي اليمن

والى ذلك كانت السعودية قد تمكنت من استعادة سيطرتها على نجران، انسحبت القوات السعودية مسافة مائة كيلو متر بعد صبيا كانت قد سقطت بيد الجيش السعودي، تلاها تطورات اعقبت الحرب انتهت بتصفية وجود الامارة الأدريسية وتقاسم اراضيها بين السعودية والمملكة المتوكلية التي تنازلت عن مناطق جيزان ونجران وعسير لصالح السعودية مقابل الحديدة وميدي ومناطق اخرى لليمن

في ١٨ و١٩ مايو ١٩٣٤م ، عقدت مفاوضات بين ممثلين عن الجانبين يحيى حميدالدين وابن سعود

تمت المفاوضات بوساطة المجلس الإسلامي الأعلى

وانتهت المفاوضات بتوقيع معاهدة الطائف بين المملكة المتوكلية اليمنية والمملكة العربية السعودية

نصت المعاهدة على ان تنتهي حالة الحرب وتنشأ حالة سلم دائم وصداقة وطيدة، وحل جميع المنازعات والاختلافات التي قد تقع بين البلدين وديا،كان من نتائج المعاهدة انسحاب السعودية  وقواتها من الحديدة والساحل اليمني وإعادتها لليمن تحت سلطة يحيى حميد الدين،مكنت المعاهدة السعودية من السيطرة على نجران وعسير  وجازان وهي مناطق يمنية اصبحت سعودية حتى اليوم وتم تسليم الأدارسة اللاجئين لدى الامام في اليمن إلى الملك عبدالعزيز ابن سعود

بموجب نصوص معاهدة الطائف ، اعترف كل طرف باستقلال وسيادة الطرف الآخر

 مدة سريان المعاهدة حددت بعشرين عاماً، تجدد من تلقاء نفسها ما لم يرغب أحد الطرفين أو كلاهما في تعديلها

تالفت المعاهدة من ٢٣ مادة ، نصت على تحديد الحدود الجغرافية الفاصلة بين السعودية وشمال اليمن

كما نصت على تعهد الطرفين بعدم إحداث أي بناء محصن في مساحة خمسة كيلومترات في كل جانب من جانبي الحدود في كل المواقع والجهات على طول خط الحدود، وتعهد البلدان بسحب قواتهما عن البلاد التي أصبحت بموجب المعاهدة تابعة للطرف الآخر

استمرت الحدود بين اليمن الشمالي والسعودية غير معتمدة بشكل نهائي لعقود زمنية وكانت اخطر ملف تتحاشى اي حكومة في شمال اليمن الخوض فيه،  و ” في عام 1974م طلبت السعودية اعتماد الحدود نهائيا ووافقت حكومة الجمهورية العربية اليمنية( شمال اليمن) آنذاك على الطلب إلا أنه قوبل برفض شعبي وسياسي أدى إلى رفضه

 تم اعتماد الحدود بين اليمن والسعودية بعد توقيع اتفاقية جدة في 13 يوليو عام 2000 وبعد عقد زمني على قيام الوحدة اليمنية

شملت التفاقية ايضا ترسيم الحدود بين السعودية وجنوب اليمن

يشكل اليمن عمقا استراتيجيا للسعودية ودول شبه الجزيرة والخليج بصفة عامة

غير أنه ولعقود من الزمن كانت الحدود اليمنية- السعودية ” موضع خلاف على مدار التاريخ

” وفقا لمادة بحثية نشرها مركز كارنيجي في يناير ٢٠٢٠م، بعنوان ” العسكرة على الحدود اليمنية السعودية – اليمنية ” للباحثة الايطالية إليونورا أردماغني ، وهي باحثه في المعهد الايطالي للدراسات السياسية الدولية ومساعدة تدريس في جامعة ميلانو الكاثوليكية ومحللة في مؤسسة الكلية الدفاعية التابعة للناتو

تقدم الباحثة تلخيصا مكثفا للصراع ومسار العلاقة بين المملكة السعودية الناشئة وشمال اليمن خلال الفترة الممتدة من مطلع القرن الماضي وحتى سقوط الامامة وقيام الجمهورية العربية اليمنية مطلع الستينيات

  يقول التقرير: ” كانت الحدود السعودية-اليمنية موضع خلاف على مدار التاريخ

فقد كانت جازان مركز إمارة الإدريسية التي أسسها محمد علي الإدريسي في عام 1908م عندما تمرّد على سيادة الأمبراطورية العثمانية

ولاحقاً ضمّتها الدولة السعودية الناشئة إليها في إطار معاهدة مكة التي وُقِّعت في عام 1926م

وفي عام 1934م، اندلعت حرب بين السعودية وإمامة يحيى الزيدية في شمال اليمن

وكان الإمام يحكم الطائفة بصورة تقليدية، أي إنه كان زعيماً دينياً وسياسياً على السواء

وفضلاً عن ترسيم الحدود، أجاز اتفاق 1934 (الذي وُقِّع في الطائف) للمملكة الحصول على سيادة مؤقتة على جازان وعسير ونجران على أن يجري تجديدها كل عشرين سنة عبر تقديم تنازلات إلى السكان المحليين في موضوع تأشيرات السفر

ثم بدأت السعودية بتطبيق سياسة المحسوبيات في التعاطي مع سكان المنطقة الحدودية بهدف ضمان ولائهم والحد من حركات التمرد المحتملة

وقد تكللت هذه المقاربة بالنجاح

وأنشأت القبائل المؤيّدة للرياض منطقة عازلة مؤقتة في الستينيات من أجل إغلاق الحدود السعودية إغلاقاً محكماً

  وعندما اندلعت الحرب الأهلية بين الجمهوريين اليمنيين من جهة واليمنيين الموالين للإمام والمدعومين من السعودية في الإمامة الزيدية من جهة ثانية (1962-1970)، وقفت مصر إلى جانب الجمهوريين ونشرت جنودها من 1962 إلى 1967

فانتصر الجمهوريون في نهاية المطاف

”ووفقا للباحثة إليونورا أردماغني ، تشير الباحثة الى روابط القربى في المناطق الحدودية التي حددت في معاهدة الطائف كمناطق حدود بين السعودية وشمال اليمن ، برغم ذلك يقول التقرير ” انه وعلى الرغم من أنه جرى ترسيم الحدود رسمياً عام 1934م وفقاً للحدود الدولية المتفق عليها، تُشكّل هذه الأراضي المشتركة بيئة حاضنة فريدة من نوعها لروابط القربى والصلات القبلية، والاقتصاد غير النظامي، وفن العمارة، والتراث الثقافي

على سبيل المثال، انقسمت القبائل التابعة لاتحاد خولان بن عامر القبلي المرموق بين البلدَين بعد عام 1934

ولا يزال المتحدرون من قبائل تهامة – المنطقة الساحلية عند ضفاف البحر الأحمر – يقطنون في الغرب السعودي-اليمني

“منذ عام ١٩٦٢م ومع اندلاع ثورة ٢٦ سبتمبر التي اطاحت بنظام الامامة في شمال اليمن ، توترت العلاقات مجددا بين السعودية والجمهورية العربية اليمنية الناشئة

تحولت السعودية الى اكبر داعم لنظام الإمامة الذي اطيح به وسعت بكل ثقلها لاعادة البدر الى السلطة من خلال تقديمها الدعم بالمال والسلاح للقوى الامامية التي فرضت على صنعاء

كان صراع السعودية مع مصر عبدالناصر احد ابرز اسباب الموقف السعودي

الداعم بقوة لعودة الامامة خلال الفترة من ١٩٦٢م وحتى ١٩٦٧م حين رعت السعودية ومصر اتفاقا بين الجمهوريين والاماميين

 الباحث عبدالغني الإرياني وهو باحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ، لديه العديد من الكتابات والاسهامات البحثية حول تاريخ العلاقات بين اليمن والسعودية ، يقول إن ” معاهدة الطائف بين المملكة المتوكلية والمملكة العربية السعودية أنهت حرب عام 1934 بين الدولتين، وأفضت إلى ضم السعودية لمقاطعات نجران وجيزان وعسير المتنازع عليها

نصت المعاهدة على سلطة السعودية على المقاطعات المتنازع عليها لمدة 20 عامًا

كما أنها منحت مواطني كل بلد الحق في العيش والعمل في البلد الآخر

أعقب ذلك 30 عامًا من السلام، الأمر الذي سمح بإقامة روابط اقتصادية قوية ويسر هجرة مئات الآلاف من العمالة اليمنية إلى السعودية

”ويضيف الباحث إن العلاقات السعودية – اليمنية توترت بعد اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال اليمن ضد محمد البدر نجل الإمام احمد، وكان البدر قد فر إلى السعودية

وطلب الثوار من مصر عبدالناصر، المنافسة الرئيسية للسعودية في المنطقة، إرسال قوات لدعم الجمهورية الناشئة

وبعد فترة وجيزة، هدد نائب الرئيس عبدالرحمن البيضاني بقصف قصور الرياض

كان ذلك إيذانًا بتدخل سعودي كبير لدعم القوى الملكية التي حاربت لإعادة الإمام إلى السلطة في صنعاء

توقف التدخل المصري بعد اتفاق بين الرئيس عبدالناصر والملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عقب هزيمة مصر في حرب 1967، ورغم اتفاقهم مع مصر، ظل السعوديون يمولون الملكيين حتى عام 1970م

وحين أصبح عجز الملكيين عن الانتصار واضحًا؛ توقفت السعودية عن تمويل مجهودهم الحربي وتوسطت في إبرام اتفاقية سلام بينهم والجمهوريين، مُنح بموجبها الملكيون حصة رمزية في السلطة السياسية للنظام الجمهوري، وبدأت صفحة جديدة من العلاقات بين اليمن الشمالي (الجمهورية العربية اليمنية) والسعودية لبضع سنوات

”ليصلك كل جديدالاعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير