الضالع: نازحون بدون رواتب أو مساعدات

منذ 2 ساعات

الضالع- عبدالرقيب اليعيسي تعيش مئات الأسر في المخيم السكني بمدينة سناح بمحافظة الضالع، جنوب اليمن، أوضاعًا إنسانيةً قاسية؛ تزداد تدهورًا يومًا بعد آخر في مختلف جوانب الحياة الأساسية

هذه الأسر جاءت من مناطق مختلفة داخل المحافظة، وأخرى من مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، بعد أن أجبرتها الحرب على النزوح بحثًا عن مأوى آمن

وبسبب انعدام الخيارات، لجأت إلى مبانٍ غير مأهولة في سناح، كانت في الأصل مشروعًا سكنيًا متوقفًا، فاكتفت بإجراء إصلاحات بسيطة كتركيب أبواب ونوافذ خشبية، أو تغطية الفتحات ببطانيات قماشية لتحتمي بها من قسوة الواقع

يأتي هذا في ظل حاجة ملايين الأشخاص في اليمن إلى المساعدات الغذائية

وقالت الأمم المتحدة في تقريرها الدوري لنوفمبر أن ما بين 15-16 مليون شخص أو 40-45 في المائة من السكان بحاجة إلى المساعدات الغذائية

وقال التقرير أنه لا يتوقع توزيع معونات غذائية في مناطق سيطرة جماعة الحوثي نتيجة تعليق برنامج الغذاء العالمي لعملياته هناك وتصنيف السلطات هناك “منظمة إرهابية أجنبية”

حتى نهاية 2024 لا يزال في اليمن 4

5 ملايين نازحا غير قادرين على العودة إلى ديارهم نتيجة دمار منازلهم، غياب الأمن ومصادر الدخل، وفقا لتقرير مفوضية الأمم المتحدة للاجئين للعام الماضي

مشهد المخيم الذي يضم آلاف النازحين يبعث على الحزن، فالحياة فيه لا تليق بالبشر

المباني المتهالكة وغياب الخدمات وتوقف المساعدات الإنسانية جعلت الواقع أكثر قسوة، خصوصًا مع تراجع دعم المنظمات الإغاثية خلال السنوات الأخيرة

يقول أكرم علي لـ”المشاهد”، أحد نازحي المخيم: “الأوضاع المعيشية أصبحت لا تُحتمل، فأسرتي تعتمد فقط على راتب والدي التربوي الذي لم يعد يكفي سوى لشراء كيس دقيق بسبب ارتفاع الأسعار وانهيار العملة”

ويضيف: “توقف دعم المنظمات خلال السنوات الماضية فاقم معاناة النازحين، إذ توقفتْ عن توفير المياه والمواد الغذائية الأساسية”

ويتابع أكرم: “في الأشهر الخمسة الأخيرة انقطعت رواتب والدي تمامًا؛ مما جعل حياتنا أكثر صعوبةً، وأثّر على دراستي ودراسة إخوتي

فاضطررتُ أنا وأخي للعمل في بيع القات لتأمين احتياجاتنا اليومية على حساب تعليمنا”

أكرم علي، نازح في مخيم سناح: في الأشهر الخمسة الأخيرة انقطعت رواتب والدي تمامًا؛ مما جعل حياتنا أكثر صعوبةً، وأثّر على دراستي ودراسة إخوتي

فاضطررتُ أنا وأخي للعمل في بيع القات لتأمين احتياجاتنا اليومية على حساب تعليمنا”

ولا تقتصر المعاناة على الجانب المعيشي فقط، بل تشمل أيضًا الوضع الصحي الذي يزداد سوءًا

إذ يعاني الأطفال من أمراضٍ مختلفة؛ بسبب تلوث البيئة داخل المخيم، حيث تطفح مياه الصرف الصحي في الحفر المحيطة بالمباني التي تفتقر إلى شبكة صرف صحي مناسبة

وهذا الوضع أدى إلى انتشار البعوض، وتكرار حوادث سقوط الأطفال في الحفر المكشوفة، فيما تنتشر الروائح الكريهة في المكان وتجعله بيئةً طاردة للحياة

ويشير أكرم إلى أن عدم أهلية المباني للسكن تسبب أيضًا في حوادث مؤلمة للأطفال، إذ يروي حادثة سقوط شقيقه الأصغر من الطابق الخامس قبل ثلاث سنوات، قبل أن يتم تركيب شبكة حماية للشرفات في بعض المباني

نجا شقيق أكرم من الموت بأعجوبة، لكنه أصيب بكسورٍ في العمود الفقري والحوض والفخذ، ولا يزال يعاني حتى اليوم من صعوبة المشي وميلٍ خفيف في جسده رغم تعافيه النسبي

ويختم أكرم حديثه بأسى: “النازحون لا يجدون أي احترامٍ أو دعم من الجهات المحلية أو المنظمات الإنسانية

موضحًا أن بعض سكان المنطقة رفضوا إنشاء شبكة صرف صحي آمنة خشية أن يتملك النازحون المباني، بينما توجه بعض المنظمات مساعداتها إلى مناطق أخرى لا تعاني نفس القدر من المعاناة”

 كما واجه النازحون في البداية اعتراضًا من قوات الحزام الأمني، التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، عند محاولتهم دخول المباني الحكومية

لكنهم أصروا على دخولها معتبرين نضالهم ضد الحوثي حجةً قوية ضد اتهامات مقاتلي المجلس الانتقالي الجنوبي بموالاة النازحين للحوثيين

ومما يزيد المعاناة أن المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة في عدن على غير وئام

وقد شهدت عدة محافظات في جنوب اليمن مواجهات بين القوات الحكومية والقوات التابعة للانتقالي بما في ذلك مقر الحكومة في عدن نفسها

وخلال فترة انقطاع رواتب المعلمين والعسكريين المنتمين لصفوف الشرعية والمجلس الانتقالي، ازداد الوضع سوءًا وتفاقمت معاناة الأسر النازحة بشكل أكبر

مما أثار موجة غضبٍ واسعة بينهم بسبب عجزهم عن توفير أبسط مقومات الحياة

وتقول الأمم المتحدة في تقريرها الشهري عن الأمن الغذائي في اليمن لشهر أكتوبر أن نقص العملات الصعبة وغياب الإيرادات العامة في مناطق سيطرة الحكومة أدت إلى تأخير مستمر في دفع رواتب الموظفين الحكوميين، وتظل تكلفة المعيشة مرتفعة جداً بشكل عام

يصف صالح ناجي، اسم مستعار لنازحٍ عسكري من القوات الحكومية، حالته بأسى شديد

فقَدَ بصره إثر إصابته بعيار ناري في الرأس مزّق العصب البصري

ووجد نفسه اليوم عاجزًا ومهملًا في مخيم سناح، بعد أن ضحّى بكل ما يملك

يقول لـ”المشاهد”: “الشرعية والتحالف تاجروا بنا

قاتلنا ببسالة ضد الحوثي، وفقدنا أعيننا وأقاربنا، لكننا لم نحظَ بأي تقدير كمقاتلين ونازحين

قطعوا رواتبنا وتركوا أبناءنا يواجهون مصيرهم في صراع البقاء”

ويشير إلى أن راتبه، الذي لم يتجاوز مئة ألف ريال، انقطع منذ خمسة أشهر، وهو مبلغ لا يكفي حتى لعلاجه

مضيفًا أن هذا الانقطاع يعكس ما وصفه بـ”التهميش الممنهج” الذي تتعرض له فئة ضحّت بأرواحها

ويؤكد أن هناك تمييزًا صارخًا في صرف المستحقات، إذ تمنح امتيازات مالية ضخمة لمقاتلين جدد

تصل إلى ألف ريال سعودي شهريًا مع حوافز إضافية، في إشارة للموالين لعضو المجلس الرئاسي طارق

بينما القدامى الذين خاضوا المعارك الفعلية تُركوا في دائرة النسيان

ويعتب بحرقة: “كيف يمكن لدولة أن تترك آلاف النازحين يواجهون مصيرًا مجهولًا وسط هذه المعاناة؟

نحن نعيش بين مياه المجاري والمباني غير الصالحة للسكن، دون أن يلتفت إلينا أحد”

ويزداد غضبه حين يتحدث عن منظمة الغذاء العالمي، التي قال إنها حاليًا باشرت إسقاط أسماء العديد من الأسر النازحة المستحقة من قوائم المساعدات في المخيم

معتبرًا ذلك “خطوة ظالمة تسعى إلى حرمان النازحين من أبسط حقوقهم، رغم أنهم يعيشون معاناةً مأساوية وفق المقاييس الإنسانية”

وفي هذا السياق، يوضح آدم الشامي، ممثل النازحين في المباني السكنية بمخيم سناح، أن أوضاع الأسر النازحة بلغت مستوى غير مسبوق من التدهور

بعد أن أوقفت المنظمات برامجها الإنسانية منذ ثلاثة أعوام

يقول الشامي لـ”المشاهد”: “المنظمات لم تعد تؤدي دورها صحيًا أو غذائيًا أو بيئيًا؛ ما جعل حياة النازحين أكثر صعوبة

خصوصًا بعد توقف خدمة المياه التي كانت تُعدّ أساسية في المخيم

آدم الشامي، ممثل النازحين في مخيم سناح: المنظمات لم تعد تؤدي دورها صحيًا أو غذائيًا أو بيئيًا؛ ما جعل حياة النازحين أكثر صعوبة

خصوصًا بعد توقف خدمة المياه التي كانت تُعدّ أساسية في المخيم

”ويضيف: “الأطفال باتوا يضطرون للذهاب لمسافات بعيدة لجلب الماء، فيما وصل سعر الألف لتر من المياه إلى تسعة آلاف ريال، وهو مبلغ يفوق قدرة معظم الأسر النازحة التي تعيش بشكل بسيط”

ويشير الشامي إلى أن الكارثة لا تقتصر على انسحاب المنظمات فحسب، بل تمتد إلى سياسات جديدة تبناها برنامج الغذاء العالمي، والتي وصفها بـ”الظالمة والمجحفة”، إذ أقصت مئات الأسر المستحقة من قوائم الدعم

ويوضح أن البرنامج اعتمد معايير غير واقعية، منها استبعاد أي نازح يمتلك سيارة نزح بها، أو موظف راتبه موقوف، أو أسرة كبيرة تستخدم مطبخًا واحدًا

حيث يعتمد البرنامج اسمًا واحدًا فقط من أفراد الأسرة

كما يتم استبعاد الأسر التي تمتلك عددًا قليلًا من رؤوس الأغنام، رغم أنها لا تملك مأوى آمنًا ولا مصدر دخل حقيقي

ويعتبر الشامي أن هذه المعايير القاسية لا تراعي واقع النازحين الذين يعيشون في مبانٍ متهالكة وبيئةٍ تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة

مؤكدًا أن تقليص الدعم الإنساني المتواصل يهدد حياة آلاف الأسر التي تعتمد كليًا على المساعدات الغذائية في ظل ما وصفه بـ”المجاعة”

ودعا الشامي الجهات المعنية والمنظمات الدولية إلى إعادة النظر في سياسات الاستهداف، ومراعاة الظروف الخاصة للنازحين القادمين من مناطق الصراع المختلفة

ويؤكد أن الإصرار على تطبيق تلك المعايير المجحفة دون تمييز بين النازحين يعني عمليًا دفعهم نحو الهلاك

واختتم: “البعض نزح بسياراته أو ببعض الأغنام، لكنهم اليوم بلا مأوى ولا أرض ولا دخل

هؤلاء نازحون حقيقيون، ويجب أن ينظر إليهم بإنسانية لا بمعايير جامدة”

وحتى نوفمبر الجاري تم تمويل 24 في المائة فقط من خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام 2025، حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة

بين انقطاع الرواتب، وتراجع الدعم الإنساني، وتجاهل الجهات الرسمية، تتجسد في مخيم سناح واحدة من أكثر صور الفقر والتهميش قسوة

حيث يعيش النازحون على أملٍ خافت بعودة المساعدات أو تدخلٍ يعيد لهم شيئًا من كرامة الحياة المفقودة

ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة

بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail

comليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن