العاملات بدون آلية للحماية من التحرش
منذ 12 أيام
يواجهن السيدات في اليمن أشكالا متعددة للتحرش، خصوصا في أماكن العمل
تعكس الثلاثينية “وداد” فتاة، من مدينة تعز، جنوب اليمن، الوجه المأساوي الذي تواجهه النساء العاملات في الأسواق اليمنية
فهناك معاناةً يوميةً تتكبدها الفتيات والنساء بصمتٍ مع التحرش والتنمر
واقع يكشف عن ثغراتٍ مجتمعية وقانونية تُعرّض المرأة لضغوط جسدية ونفسية في بيئة العمل
يتفاقم هذا الوضع أكثر في ظل عدم وجود آلية تمكن المرأة من حقوقها بشكل يضمن الخصوصية
“وداد” –اسم مستعار– خريجة كلية التربية، قسم لغة عربية، وجدتْ نفسها تعمل في محل لبيع الأواني بسبب غياب فرص التوظيف في مجال تخصصها
ورغم البداية الإيجابية في عملها، والتي اتسمت بتقدير صاحب المحل لجهودها، إلا أن “وداد” لاحظت تغيُّرًا تدريجيًا في سلوكياته تجاهها
تروي “وداد” قصتها قائلةً: “كان صاحب المحل يهتم بي كثيرًا
واعتقدتُ أن هذا الاهتمام نابع من حرصي على عملي واهتمامي بالزبائن المترددين على المحل”
وتضيف: لكن الأمور بدأت تتغير عندما لاحظتُ نظراتٍ غريبة من صاحب العمل، وشعرتُ بأن اهتمامه بي لم يكن مهنيًا فقط
”استمرت “وداد” في تجاهل هذه النظرات حتى تعرضت لحادثةٍ هزت حياتها، حسب وصفها
“ذات يوم ذهبتُ إلى المخزن لجلب البضائع، ففوجئت بصاحب المحل يتبعني إلى الداخل وبدأ بالحديث معي بطريقة غير مريحة، وملامح متغيرة”
تحكي “وداد”
وتواصل: “ثم حاول إغلاق باب المخزن، ومنعي من الخروج، وبدأ يتودد إليّ لفظيًا محاولًا تقبيلي بالقوة”
أصيبت “وداد” بالصدمة والرعب، لكنها تمكنتْ من دفعه والهروب من المكان، مضيفةً: “عدتُ إلى المنزل مرعوبةً ولم أجرؤ على العودة إلى العمل، حتى أنني لم أطالب براتبي خوفًا من المشاكل والفضيحة”
منذ ذلك اليوم، توقفت “وداد” عن العمل في أماكن مختلطة وأصبحت تُفضّل العمل في بيئة تتوفر فيها نساء عاملات فقط
ورغم المعاناة، لم تستطع “وداد” إخبار أسرتها أو تقديم بلاغ للجهات المختصة؛ بسبب خوفها من العواقب الاجتماعية التي قد تضر بسمعتها
لا يقتصر التحرش على أصحاب العمل، بل يمتد ليشمل بعض الزبائن الذين يوجهون ألفاظًا بذيئة للعاملات
تشرح وداد ذلك: “عندما نُخبر أصحاب المحلات عن هذه المضايقات، غالبًا ما يلوموننا نحن بدلاً من اتخاذ إجراءات تجاه الزبائن؛ لأن أصحاب المحلات يخشون خسارة الزبون، وهذا يأتي على حساب كرامة العاملات”
ورغم انتشار هذه الظاهرة، إلا أن الناطق الرسمي باسم إدارة أمن محافظة تعز، المقدم أسامة الشرعبي، يكشف أن شرطة المدينة لم تتلقَ أي بلاغات عن حالات التحرش الجنسي بالنساء
الشرعبي يُرجع ذلك إلى أن المجتمع اليمني متسامٍ عن مثل هذه السلوكيات، وهو تصريح يعكس فجوة واضحة بين الواقع وغياب هذه الممارسات من سجلات البلاغات الرسمية
فالواقع يُثبت أن عدم وجود بلاغات في سجلات الأمن لا يعني عدم وجود هذه الظاهرة وممارسات التحرش بالنساء
الباحث الاجتماعي إسماعيل الشرعبي، يرى أن “التحرش بالنساء العاملات في الأسواق ناتج عن مزيج من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية
ويوضح الشرعبي أن رسوخ بعض التقاليد التي تبرر التحرش مثل اعتقاد كثير من الشباب اليمنيين بأن خروج المرأة إلى العمل أو الشارع يعني بالضرورة انفتاحها على كل أشكال العلاقات العاطفية المشروعة وغير المشروعة؛ يفاقم هذه الظاهرة
علاوةً على وجود حرمان عاطفي عند الشباب نابع من الثقافة الأسرية والاجتماعية، ووجود انفتاح مفاجئ على العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب الباحث الشرعبي
إضافة إلى ضعف الوعي المجتمعي بحقوق المرأة، وتفاقم البطالة والفقر؛ ما يزيد من الضغوط النفسية التي قد تدفع بعض الأفراد للتصرف بعدوانية
ويزيد الباحث إسماعيل الشرعبي: “ضعف القوانين المطبقة وغياب العقوبات الصارمة في التشريعات الوطنية، يُضاف إلى العوامل المساهمة في تنامي ظاهرة التحرش”
من جانبها، تقول المرشدة النفسية سهام الحساني إن التحرش غالبًا ما يعكس رغبة في السيطرة أو التعبير عن القوة، أو قد يكون نتيجة لنقص الثقة بالنفس لدى المتحرش
وهذه الدوافع النفسية بحسب المرشدة سهام الحساني، قد تدفع صاحبها إلى تعويض هذا النقص بسلوكيات غير أخلاقية، مثل التحرش
أظهرت دراسة أجريت عام 2009 أن 90 % من النساء في اليمن تعرضنّ لشكل أو أكثر من أشكال التحرش في الأماكن العامة وأماكن العمل
وخلصت الدراسة إلى ضرورة إطلاق حملات توعوية منتظمة للتعريف بحقوق المرأة وفضح السلوكيات المسيئة
بالإضافة إلى تطبيق عقوباتٍ رادعة على المتحرشين لضمان حماية النساء في بيئات العمل
وتوفير بيئة آمنة كإنشاء لجان مختصة في الأسواق لتلقي شكاوى النساء ومتابعتها
وتوفير مراكز دعم تقدم خدمات استشارية وقانونية للضحايا
فقصة “وداد” ليست حالة فردية، بل هي نموذج لمعاناة يومية صامتة تواجهها النساء العاملات في اليمن
ومكافحة هذه الظاهرة ليست مسؤولية فردية، بل تتطلب تكاتف المجتمع والمؤسسات لضمان حقوق المرأة وحمايتها من الانتهاكات
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصاديليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير