العيد.. عبء على الأطفال العاملين

منذ 2 سنوات

عدن – فردوس الكاملييتوجه بشار، 14 عامًا، للعمل في ورشة لصيانة السيارات من الساعة الثامنة صباحًا إلى السابعة مساء كل يوم، بأجر يومي زهيد يصل إلى 1500 ريال يمني

لا يكفي هذا المبلغ لتوفير احتياجات الأسرة اليومية، ويجد بشار المعاناة أكبر في أيام العيد، المناسبة التي يبتهج فيها الأطفال، ويلبسون الجديد، ويلعبون في البيوت والحدائق والشوارع الفرعية

منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، غابت البهجة لدى الآلاف من الأطفال العاملين في اليمن، وأصبح الكثير من الأطفال يتحملون عبء توفير مستلزمات العيد من كسوة وحلويات وزيارات عيدية

الوضع الاقتصادي المنهار في البلاد، وفقدان الكثير من العائلات مصدر دخلها، والنزوح والاقتتال، كلها عوامل دفعت الكثير من الأطفال إلى العمل، وحرمتهم من البهجة والمرح حتى في الأعياد

يقول بشار لـ”المشاهد”: “أرغب في لعب الكرة مع أصدقائي، والذهاب معهم إلى المدرسة، لكني الأخ الوحيد لأخواتي، وليس لأبي عمل”

لا يحب بشار أن يتحدث كثيرًا، ويجد صعوبة في حركة رجله اليسرى بعد إصابته بروماتيزم المفاصل

هذا الطفل ليس حالة نادرة، بل مثال واحد للعديد من الأطفال الذين يستقبلون العيد بحسرة، ولا يشعرون بهذه المناسبة

تشير إحصائيات منظمة العمل الدولية أن عدد الأطفال العاملين في اليمن بلغ 1

4 مليون طفل، وعملت الحرب على تفشي هذه الظاهرة في العديد من المحافظات اليمنية

تدمير الطفل نفسيا وصحياتنظر الدول المتقدمة إلى الأطفال كشباب الغد ومستقبل الأوطان، فتوليهم الرعاية والاهتمام، لكن الطفل اليمني خارج اهتمامات الدولة والمجتمع، وتثبت ظاهرة عمالة الأطفال والتسرب من المدارس مدى غياب الاهتمام بالطفولة في اليمن

عبير درهم، أخصائية نفسية، تتحدث لـ”المشاهد” عن الآثار المترتبة على العمالة قائلة: “الإنسان الذي لا يعيش طفولته بشكل كافٍ ومتوازن، يؤثر ذلك عليه حاضرًا ومستقبلًا، ويحتاج الطفل إلى التقدير والأمان

تتسبب عمالة الأطفال بسلب الأطفال حقوقهم، مثلًا حق اللعب، وتعرضه لصدمات كثيرة نتيجة لخوضه تجربة أكبر من سنه”

يتأثر الطفل العامل بشكل كبير نتيجة الحرمان والشعور بأنه في بيئة خطرة، ومروره بتجارب قاسية لا يستطيع أن يفسرها بطريقة عقلانية، بالإضافة للتعرض للاعتداء الجسدي، ما يشكل مستقبلًا أطفالًا مشوهين نفسيًا، بحسب درهم

وتضيف: “التجارب التي يمر بها الطفل في مراحل حياته، تجعله يحاول إعادة السلوكيات التي تعرض لها في المجتمع، ويعيش في اضطرابات نفسية واكتئاب وتخوف من المستقبل ونفور من المجتمع”

إقبال الإطفال على العمل يؤثر على تعليمهم، ويدفعهم إلى القبول بالمهام الخطيرة، بما في ذلك الانضمام لجبهات القتال

وفقًا لتقررير اليونيسف، خلال الفترة الواقعة بين آذار/ مارس 2015 وشباط/ فبراير 2021، تم تجنيد أكثر من 3,600 طفل في اليمن ضمن القوات والجماعات المسلحة، وبلغ عدد الأطفال الذين تسربوا من المدارس مليوني طفل

أسباب اجتماعية واقتصاديةالعادات القبلية والبيئة القاسية في اليمن تدفع الطفل للعمل بشتى المجالات

خليل هيلان، أخصائي اجتماعي وباحث في قضايا الطفول والنشء في اليمن، يقول لـ”المشاهد” إن المجتمع اليمني القبلي يتكون من مستويين: رأس القبيلة وقاع القبيلة، وغالبًا ما تكون الفئات الفقيرة من المستوى الثاني

ويقصد هيلان برأس القبيلة المشائخ والأثرياء الذين يكون أطفالهم بوضع جيد

ويضيف هيلان: “تفاقمت عمالة الأطفال منذ الانقلاب، وأصبح الأطفال ضحايا الحرب، وتعمل عمالة الأطفال على ضرب روابط الأسرة، وخصوصًا حرمان الطفل العامل من النمو المتوازن”

تفشي ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن هو نتيجة التدهور الاقتصادي الذي زادت حدته خلال سنوات الحرب، فالطفل الذي لا يجد ما يأكله أو يلبسه يتجه لسوق العمل للبحث عن المال الذي يسد احتياجاته

كان ناصر، 13 عامًا، يتجول في شارع بغداد بصنعاء، قبل عيد الفطر، ويعرض ملابس رجالية (الشيلان) على المارة بهدف بيعها

يقول ناصر لـ”المشاهد”: “أنا لا أحب أن أعمل في هذا المجال، ولست سعيدًا بهذا الشيء

وجئت إلى هنا لبيع هذه الملابس لكي أجمع القليل من المال لشراء متطلبات العيد لي ولإخوتي الصغار”

أراد ناصر أن يجمع 50

000 ريال، لشراء ملابس لإخوته الثلاثة الأصغر منه، وشراء بعض حلويات العيد

قد يجد الأطفال حلًا لجوعهم عندما يذهبون لسوق العمل، لكن الخبير الاقتصادي نبيل الشرعبي يعتقد أن عمالة الأطفال لها آثار سلبية على الاقتصاد الوطني

يقول الشرعبي لـ”المشاهد”: “تأتي عمالة الأطفال على حساب الأيدي العاملة من القادرين والمحتاجين للعمل، وهذا يقود إلى توسع دائرة البطالة في أوساط هذه الشريحة، ويترافق مع ذلك مع توسع دائرة الفقر أيضًا”

سينتهي هذا العيد ويعود آخر، لكن بشار وأمثاله لا يعرفون متى سيأتي الوقت الذي يفرحون فيه بهكذا مناسبة، ويمرحون في الحديقة دون التفكير في المال أو العمل

ليصلك كل جديدالاعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير