الوصفات الطبية.. “تحالف مادي” يؤذي المرضى
منذ 15 أيام
مأرب – محمد الوجيه“شعرتُ برعشة ودوار شديد، بعد اليوم الأول من تناول أدويةٍ كتبها لي الطبيب بخط أشبه بـ”خربشات”
وتفاجأتُ بعد زيارة طبيب آخر أن الأدوية التي تناولتها لم تكن خاصة بالمرض الذي أعانيه”
هكذا يصف نذير العليمي، مواطن من سكان مدينة مأرب (شمال شرق اليمن) مشكلة كتابة بعض الأطباء للوصفات الطبية بشكل “خربشات” غير مفهومة؛ مما يجعل الصيادلة يجدون صعوبةً في قراءة الوصفة
والبعض الآخر يصرف أدويةً ويجتهد في محاولة تركيب حروف كلمات الوصفات بالإنجليزية؛ حتى تتشكل كلمة مفهومة؛ ولهذا تحصل الأخطاء
حيث تصرف أدوية لا علاقة لها بما يعانيه المرضى من أسقام؛ نتيجة سوء الخط غير المفهوم
كما حدث مع نذير الذي صرف له الصيدلي العلاج بناءً على الأحرف الأولى من اسم الدواء المكتوب
ما أن يغادر المريض عتبة العيادة حتى تستقر في يديه أوراق تحوي اختصارات وخربشات مبهمة، يُفترض أن تحمل في طياتها وصفات علاجية؛ لتخفيف معاناة المرضى
ومع ذلك، فإن هذه الكتابات غير الواضحة قد تنقلب إلى كابوس حقيقي
تؤدي إلى صرف أدوية غير صحيحة أو جرعات خاطئة
ما يسبب مضاعفات صحية خطيرة تؤثر بشكلٍ مباشر على سلامة المريض
فالخط السيء -حسب العليمي- لبعض الأطباء عند كتابة وصفاتهم الطبية، باتت مشكلة تواجه المرضى والصيادلة على حدٍ سواء
وبالنسبة للمرضى، فإنهم يعانون بالبحث عمن يستطيع قراءة الوصفة الطبية، ويضطرون للانتقال من صيدلية إلى أخرى حتى يجد من يفك طلاسم هذه الوصفة، وقد يقرأها بشكل خاطئ
“بالنسبة لنا كصيادلة فإن الوصفات الطبية مكتوبة على شكل رموز وحروف غير مرتبة”
يقول نائف سعيد، الذي يعمل في صيدلية الأربعين بمدينة مأرب
ويضيف: “نواجه يوميًا تحديًا في قراءة الوصفات الطبية، فبعض الأطباء يكتبون بطريقة غير مفهومة؛ مما يجعل من الصعب تمييز الأدوية المطلوبة
وفي إحدى الحالات، اضطررت للاتصال بالطبيب ثلاث مرات للتأكد من الوصفة”
ويواصل الصيدلي سعيد في حديثه لـ” المشاهد “: “نواجه ضغطًا نفسيًا كبيرًا، ونظل متخوفين من صرف الدواء عندما تكون الوصفة غير مفهومة”
لأنه أحيانًا يطلب من الصيادلة التخمين في قراءة الوصفة الطبية، وهو أمر خطير للغاية
إذ يتم إلقاء المسؤولية على الصيادلة
حسب تعبيره، مما يتسبب في تعرض الصيدلي لمساءلة قانونية
وتحظر المادة 55 من قانون الصحة العامة “على أي منشأة طبية وصحية أو صيدلية
سواء كانت خاصة أو عامة، صرف الأدوية التي تستوجب وصفة طبية، إلا بموجب وصفة طبية صادرة من طبيب
وتحدد تلك الأدوية بقائمة صادرة من الهيئة العليا للأدوية”
كما تنص المادة (21) الفقرة (ز) من قانون المهن الطبية والصيدلانية: “على الصيدلاني عدم تغيير كميات أو جرعات الأدوية الواردة في الوصفة الطبية أو استبدالها بأدوية أخرى
إلا بعد الموافقة من الطبيب المعالج”
ومن يخالف تكون العقوبة: الحبس لمدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد عن 100 ألف ريال
حسب المادة (33) الفقرة (د) من نفس القانون
الدكتور نجيب الذبحاني :خط الطبيب السيئ ليس مجرد مشكلة شخصية تتعلق بجودة الكتابة، بل هو أحد العوامل الأساسية التي تهدد بشكل مباشر سلامة المرضى”
وحسب الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية فإن “أكثر المتطلبات أهمية (في الوصفة) هو وضوح الوصفة، إذ لا بد أن تكون مقروءة، وأن توضح بدقة ما الذي يجب صرفه”
وفي السياق، يقول نجيب الذبحاني، أستاذ الطب الباطني، بجامعة صنعاء، في حديث مع “المشاهد”: إن خط الطبيب السيئ ليس مجرد مشكلة شخصية تتعلق بجودة الكتابة
بل هو أحد العوامل الأساسية التي تهدد بشكل مباشر سلامة المرضى”
ويضيف الذبحاني في حديثه لـ” المشاهد ” أن الكتابة غير الواضحة للوصفات الطبية قد تؤدي إلى سوء فهم الصيدلي لمحتوياتها؛ مما يتسبب في صرف أدوية خاطئة أو بجرعات غير صحيحة
وهو ما قد يكون له عواقب وخيمة على صحة المرضى
كتابة الوصفة الطبية بخط غير واضح أصبحت مشكلة شائعة بين الأطباء في اليمن
ففي حالات عديدة، تكتب الوصفات الطبية برموز، وتصبح كرسالة مشفرة، حيث لا يستطيع معرفة محتواها إلا صيدلي واحد أو اثنين من أجل “العمولة“
يشير الدكتور الذبحاني إلى أن الموضوع ليس مجرد سوء خط بعض الأطباء وعدم مقدرتهم على الكتابة بشكل واضح؛ بل هو “تحالف بين بعض الأطباء والصيادلة”
ويضيف: “عندما تكتب الوصفة الطبية بخط سيئ للغاية أو تُستخدم رموز خاصة لا يمكن للصيادلة الآخرين فهمها
ويجبر المريض علي شراء الدواء من صيدلية معينة، وغالبًا ما تكون هذه الصيدلية متحالفة مع الطبيب”
ويعتبر الذبحاني هذا التحالف بين الطبيب والصيدلي ليس فقط غير أخلاقي
بل يعرض حياة المرضى للخطر، خاصة في حالة عدم توفر الدواء الصحيح أو عند صرف دواء غير مناسب
من جهتها، تقول حياة عبد الرزاق، معلمة من مأرب
إن بعض الأطباء يكتبون وصفاتهم الطبية بشكل رموز حتى لا يستطيع المريض شراءها إلا من صيدلية محددة
يفهم الصيدلي قراءة وصفة الطبيب كما حدث معها
وتتابع: “كنت أعاني من ألم المفاصل وشد عضلي في الأقدام
فذهبتُ إلى مركز الأمومة والطفولة وأعطتني الطبيبة وصفة مليئة برموز متقطعة
وعندما ذهب ابني إلى صيدلية قريبة من منزلي، لم يتمكن الصيدلي من فهم الوصفة
فلجأ إلى عدة صيدليات ولم يفهم أحد العلاج المطلوب، ومعظمهم كان يعطون أدوية مختلفة
وعندما ذهب إلى الصيدلية التي تعمل فيها الطبيبة، تمكنوا هناك من فهم الوصفة فورًا
هذا الأمر جعلني أشك في وجود اتفاق مسبق بين الأطباء والصيادلة”، بحسب حياة
من ناحية أخرى، يرى الدكتور الصيدلاني، أنور الضراسي، أن هذه الظاهرة تفتح الباب أمام استغلال المرضى ماديًا
حيث يشعر المريض بأنه مضطر للجوء إلى صيدلية معينة دون وجود خيارات أخرى
مما قد يؤدي إلى رفع أسعار الأدوية أو فرض أدوية بعلامات تجارية معينة لتحقيق مكاسب مالية مشتركة للطبيب والصيدلي
هذه المشكلة بحاجة إلى معالجات وإجراءات صارمة، بحسب الكثير من المرضى الذين التقاهم معد التقرير
حتى لا يقع المزيد من المرضى ضحايا تناول أدوية لا تناسب مرضهم؛ بسبب غموض الوصفة الطبية
ومن تلك الحلول ما يراه الدكتور الذبحاني، هو اعتماد استراتيجيات متطورة، مثل التحول إلى الوصفات الإلكترونية، وتعزيز الرقابة على كتابة الوصفات
مع تفعيل القوانين الطبية التي تحد وتردع المتجاوزين في هذا الإطار
إضافة إلى تحسين تدريب الأطباء وتوعية الأطراف كافة بأهمية الوضوح في العمليات الطبية
هذه الحلول لا تهدف فقط إلى تقليل الأخطاء الطبية، بل إلى بناء ثقة أكبر بين المرضى والنظام الصحي
وضمان حق الجميع في الحصول على علاج آمن ودقيق
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير