اليمن: التهديد الأكثر إهمالًا في الشرق الأوسط - [ترجمة خاصة]

منذ 5 ساعات

من بين التداعيات الإقليمية الأوسع لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة خلال أكتوبر/تشرين الأول، كان من المفترض أن يبرز هدوء جديد في البحر الأحمر، وربما في اليمن أيضًا

وبالفعل، ونتيجة للهدنة، أوقف الحوثيون — الجماعة المسلحة الثقيلة التي تسيطر على شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والمتحالفة مع حماس وإيران — هجماتهم على الشحن التجاري في البحر الأحمر وضد إسرائيل

كما بدا أن اتفاقًا سابقًا بوساطة عُمانية بين الحوثيين والحكومة الأمريكية قد ساهم في تهدئة التهديد الحوثي المباشر للأصول الأمريكية في ممرات الشحن

وداخل اليمن، ظلّ ساريًا وقف هش لإطلاق النار في الحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليًا

وعلى الرغم من أن الحوثيين لم يُهزموا، بدا أن المسؤولين الأمريكيين اعتقدوا أن الوضع في البلاد قد هدأ، وأن بإمكانهم تحويل انتباههم إلى ملفات أخرى

لكن بعد أقل من شهرين، بدأ ذلك الهدوء النسبي في التلاشي

ففي أوائل ديسمبر/كانون الأول، أطلق انفصاليون جنوبيون حملة عسكرية واسعة للسيطرة على أجزاء كبيرة من محافظة حضرموت الغنية بالنفط، المحاذية للسعودية، ومحافظة المهرة المتاخمة لسلطنة عُمان

وتمثل هذه العملية التي قادها المجلس الانتقالي الجنوبي — وهو كيان يُعد جزءًا من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا لكنه يدعو لاستقلال جنوب اليمن — تحولًا زلزاليًا في ميزان القوى داخل البلاد

فمن جهة، يحظى المجلس بدعم دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد أدى تمدده الجريء إلى تفجير توترات جديدة مع السعودية، التي تدعم فصائل منافسة داخل الحكومة وترى في هذا التوسع تهديدًا محتملًا لأمنها القومي

والأكثر إثارة للقلق أن هذا الهجوم قد يوفر ذريعة لتحركات أوسع من جانب الحوثيين

وبينما تتواصل حملة المجلس الانتقالي، تعهّد الحوثيون بتوسيع سيطرتهم على مناطق إنتاج النفط والغاز في شرق البلاد

وبمساعدة من إيران ودول أخرى، واصل الحوثيون بلا كلل توسيع ترسانتهم من الأسلحة التقليدية المتقدمة، كما صعّدوا من الإنتاج المحلي للسلاح، مع قدرة على تجميع صواريخ باليستية وتصنيع طائرات مسيّرة قصيرة المدى بشكل مستقل

وفي الوقت ذاته، لا تزال أفعال الجماعة وخطابها تؤكد رغبتها في السيطرة على كامل اليمن، ومواصلة مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية والإمارات

وإذا ما انهار وقف إطلاق النار في غزة، فإن الحوثيين مستعدون لاستئناف هجماتهم في البحر الأحمر، وبعد أن لمسوا مدى فعالية تلك الحملة، قد يعيدون إطلاقها مستقبلًا لأسباب أخرى

إن تجاهل الولايات المتحدة لليمن ينطوي على مخاطر جسيمة

فحتى الآن، اقتصرت إدارة ترامب على فرض عقوبات على الحوثيين، وحماية الهدنة الثنائية مع الجماعة، والتعويل على أن تتولى إسرائيل وشركاء واشنطن في الخليج معالجة بقية الملفات بأنفسهم

كما تراجعت الإدارة إلى حد كبير عن دعم الحكومة اليمنية وعن لعب دور دبلوماسي فاعل لإنهاء الحرب الأهلية

غير أن الضغوط المالية على الحوثيين، في غياب استراتيجية أمريكية شاملة، قد تأتي بنتائج عكسية

فقبل تحرك المجلس الانتقالي في ديسمبر/كانون الأول، ألمحت قيادة الحوثيين إلى احتمال السعي للسيطرة على مزيد من الأراضي أو ابتزاز تنازلات مالية من السعودية للحصول على موارد إضافية

أما الآن، فقد جعل الاضطراب في الجنوب البلاد أكثر قابلية للاشتعال، مهددًا بإعادة إشعال صراع طالما صبّ في مصلحة الحوثيين

وأي عودة إلى حرب شاملة ستكون لها ارتدادات واسعة عبر الخليج ومنطقة البحر الأحمر

محور التحديفي أعقاب انقشاع غبار حرب إسرائيل على غزة، يبرز الحوثيون كحالة استثنائية لافتة

فمع تدمير حركة حماس إلى حد كبير، وتفكيك قيادة حزب الله اللبناني، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتجنب الميليشيات الشيعية في العراق الصدام مع إسرائيل، باتت بقية مكونات ما كان يُعرف بمحور المقاومة الإيراني في وضع شديد الضعف

وعلى النقيض من ذلك، خرج الحوثيون أكثر جرأة، إذ ساعدتهم حرب غزة على تشديد نواتهم الأيديولوجية، وتهميش التيار البراغماتي داخل الحركة، وتعزيز قناعة أنصارهم بأنهم يخوضون «مهمة مقدسة» لتحرير فلسطين وقلب النظام الإقليمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وإسرائيل

وقد جنى الحوثيون مكاسب ملموسة من هذا التحدي

فببقائهم في حالة حرب، تفادوا المساءلة عن تفشي الفقر وفشلهم في دفع رواتب موظفي القطاع العام في المناطق الخاضعة لسيطرتهم

كما استغلوا الصراع لتشديد قبضتهم الأمنية، وقمع خصومهم المفترضين، وتضييق أي هامش للمعارضة

وفي الوقت ذاته، أسهمت مواجهتهم العلنية مع إسرائيل في تعزيز التجنيد العسكري، بما في ذلك تجنيد الأطفال، وسهّلت جهودهم في تدريب وتلقين جيل جديد

واعتبارًا من عام 2024، قُدّر عدد مقاتلي الحوثيين بنحو 350 ألف عنصر

وقد تفاقم التهديد الحوثي مع تنامي قدراتهم العسكرية

ففي المراحل الأولى من حرب غزة، كانت الصواريخ الحوثية عاجزة في الغالب عن بلوغ الأراضي الإسرائيلية؛ لكن بحلول مايو/أيار 2025، أصبحت قادرة على استهداف مطار بن غوريون قرب تل أبيب

وفي سبتمبر/أيلول 2025، نجحت طائرات مسيّرة حوثية في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، مما أدى إلى إصابة أكثر من 20 شخصًا في إيلات، وضرب مطار رامون القريب

كما طالت صواريخ الحوثيين ميناء ينبع السعودي، أحد أهم موانئ تصدير النفط، على بعد نحو 620 ميلًا من الحدود اليمنية

وفي الوقت نفسه، وفّرت حرب غزة للحوثيين خبرة عملياتية ثمينة، مكّنتهم من تحسين دقة الاستهداف واختبار أسلحة جديدة، بما في ذلك صواريخ باليستية مزودة بذخائر عنقودية

ولتوسيع ترسانتهم، نوّع الحوثيون سلاسل الإمداد، وأقاموا علاقات مع عدد من خصوم الولايات المتحدة، من بينهم الصين وروسيا، إلى جانب إيران

ولسنوات، زوّدت طهران الحوثيين بالأسلحة التقليدية والتدريب، وعمّقت هذا الدعم مع تراجع نفوذ بقية أذرع محورها الإقليمي

غير أن الحوثيين باتوا يستوردون أيضًا مكونات مزدوجة الاستخدام ومواد عسكرية من الصين لاستخدامها في التصنيع المحلي

وفي سبتمبر/أيلول، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 32 فردًا وكيانًا مرتبطًا بالحوثيين، من بينهم جهات مقرها الصين، بسبب جمع أموال غير مشروع وتهريب وشراء أسلحة

وفي المقابل، أفادت صحيفة وول ستريت جورنال بأن روسيا شاركت بيانات استهداف عبر الحرس الثوري الإيراني لمساعدة الحوثيين في ضرب سفن غربية

كما سلّمت موسكو شحنات نفط للحوثيين عبر ميناء الحديدة

وفي الصومال، قدّم الحوثيون أسلحة وتدريبًا لجماعة «الشباب» الجهادية السنية مقابل المال، واحتمال شراكة لتعطيل الملاحة في خليج عدن، فيما تحولت الصومال إلى محطة عبور مهمة لتهريب السلاح إلى مناطق سيطرة الحوثيين

وقد أوضح زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، أن طموحات الجماعة لا تقف عند حدود اليمن

فمنذ تأسيس الحركة مطلع الألفية، شكّل توحيد العالم الإسلامي ضد النفوذ الغربي وإسرائيل جزءًا جوهريًا من عقيدتها، وهي مهمة تضاعفت حدتها مع حرب غزة

وقال الحوثي إن جولات قتال جديدة مع إسرائيل «حتمية»، واصفًا السعودية والإمارات بأنهما أدوات في المشروع الأمريكي–الإسرائيلي وخائنتان للقضية الفلسطينية

ويزعم اليوم أن حركته تدرب أكثر من مليون «مجاهد»، وأن اليمن الخاضع لسيطرتها يتصدر العالم العربي في الإنتاج العسكري

ورغم أن هذه الادعاءات مبالغ فيها إلى حد بعيد، فإنها تعزز صورة الحوثيين الذاتية كقوة المقاومة العربية الأولى

الضغط بلا سياسةمع تصاعد حضورهم، تلقّى الحوثيون بعض الضربات

فقد أدت عملية “رايدر الخشن” (Operation Rough Rider)، وهي حملة قصف مكثفة استمرت 52 يومًا وبدأتها إدارة ترامب في مارس/آذار، إلى تدمير العديد من مخازن الأسلحة ومنشآت التصنيع التابعة للحوثيين، رغم أن الحجم الكامل للأضرار لا يزال غير واضح

كما أن قرار الولايات المتحدة هذا العام إعادة تصنيف الجماعة منظمةً إرهابية أجنبية فرض ضغوطًا اقتصادية على المناطق الخاضعة لسيطرتهم، من خلال قطع وصولهم إلى النظام المصرفي الدولي

ومنذ صيف 2024، ألحقت الضربات الإسرائيلية أضرارًا جسيمة بمناطق سيطرة الحوثيين، حيث أُغلق المطار الدولي الوحيد في شمال اليمن، ودُمّر جزء كبير من ميناء الحديدة، وتعرضت البنية التحتية الكهربائية في البلاد لدمار واسع

كما استهدفت إسرائيل قيادة الحوثيين بدرجات متفاوتة من النجاح

ففي أغسطس/آب، أسفرت غارة إسرائيلية عن مقتل رئيس الوزراء وعدد من أعضاء الحكومة التي يديرها الحوثيون في صنعاء، ولم يكن أيٌّ منهم من المنظرين العقائديين الأساسيين للجماعة

وفي أكتوبر/تشرين الأول، أكد الحوثيون اغتيال رئيس أركانهم، وهو أحد أبرز الاستراتيجيين العسكريين

ورغم أن هذه الضربات لم تنجح إلا بشكل محدود في الوصول إلى قمة هرم القيادة، فإنها دفعت القادة إلى الاختفاء، وأبطأت الاتصالات داخل الجماعة، وأثارت شائعات حول مقتل شخصيات أخرى

ومع ذلك، فإن المقاربة الأمريكية العامة تجاه اليمن مليئة بالتناقضات

فعلى سبيل المثال، وفّرت الهدنة الثنائية التي أبرمتها الإدارة مع الحوثيين في مايو/أيار مخرجًا سريعًا من عملية “رايدر الخشن”، التي كانت قد كلّفت أكثر من مليار دولار واستنزفت أصولًا عسكرية ثقيلة كانت مطلوبة في ساحات أخرى

لكنها لم تمنع الحوثيين من مواصلة استهداف أهداف غير أمريكية في البحر الأحمر، أو من إطلاق مزيد من الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل

كما لم توفّر استراتيجية طويلة الأمد لحماية المصالح الأمريكية في البحر الأحمر أو الخليج

وعلى العكس، فقد سمحت الهدنة لواشنطن بالانسحاب سياسيًا وعسكريًا من اليمن، ما أتاح للحوثيين فرصة تصعيد معاركهم ضد خصومهم الداخليين والإقليميين بكلفة أقل

وفاقم المشكلة أن إدارة ترامب علّقت معظم المساعدات الإنسانية لليمن، بما في ذلك تلك المقدّمة للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية التي تدعمها الولايات المتحدة اسميًا

وفي بلد يحتاج فيه 24 مليون شخص — أي الغالبية الساحقة من السكان — إلى مساعدات إنسانية، ويعاني أكثر من 14 مليونًا من احتياجات حادة، شكّل هذا القرار ضربة هائلة

وفي الوقت نفسه، أدت تشديد العقوبات وإغلاق المسارات الدبلوماسية أمام الحوثيين إلى القضاء، في الوقت الراهن، على أي أفق لاتفاق سلام تفاوضي

ولم تعد الولايات المتحدة تملك مبعوثًا خاصًا لليمن، في مؤشر واضح على مدى تراجع أولوية الملف اليمني في واشنطن

كما لا تدعم الإدارة العودة إلى الصيغة التي كانت مطروحة قبل حرب غزة، والتي كانت تقوم على موافقة الحوثيين على وقف إطلاق النار والدخول في مسار سياسي مقابل حوافز مالية، من بينها دفع رواتب موظفي القطاع العام

ومع ذلك، فإن قلة قليلة في واشنطن تعمل على بلورة مسار بديل

سباق جديد على النفوذمع الاضطرابات الجديدة في الجنوب، قد تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الخليجيون أزمة أوسع قريبًا

فمن المحتمل أن تسعى الإمارات والسعودية إلى الحد من التداعيات الناجمة عن سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت، من خلال التوصل إلى تفاهم مشترك لاحتواء التوترات داخل الحكومة اليمنية

وقد يؤدي مثل هذا الاتفاق إلى تشكيل جبهة أكثر توحدًا في مواجهة الحوثيين، بما يسمح بإحياء البحث عن تسوية سياسية في اليمن، أو بدفع هذه القوى إلى محاولة انتزاع أراضٍ من الحوثيين في الشمال قبل أي مفاوضات محتملة

وقد أعلن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، بالفعل أن «الهدف القادم يجب أن يكون صنعاء، سلمًا أو حربًا»

وأي ترتيب يسمح لقوات المجلس بدعم المقاتلين على ساحل البحر الأحمر وفي مدينة مأرب لاستعادة الشمال من الحوثيين سيكون بالغ الصعوبة، وسيتطلب على الأرجح ضمانات لحكم ذاتي جنوبي، وربما استفتاء في المستقبل

لكن كل ذلك غير ممكن ما لم يتم أولًا حل المأزق القائم في حضرموت بطريقة تراعي المخاوف الأمنية للسعودية

وقد يكون الوقت ضيقًا

فهناك احتمال حقيقي لاندلاع قتال بين فصائل الحكومة، وهو ما قد يتيح للحوثيين تحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية إضافية

وإذا ما أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الاستقلال — وهو أمر يبدو مترددًا في الإقدام عليه حاليًا بسبب ضعف فرص الاعتراف الدولي — فقد يؤدي ذلك إلى إعادة اصطفاف قوى الشمال ضده

وحتى إن لم تؤدِّ حملة المجلس الانتقالي إلى إشعال حرب أوسع، فإن الحوثيين سيحتاجون قريبًا إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية المفروضة عليهم

وقد يعني ذلك الاستيلاء على مزيد من الموارد داخل اليمن، مثل السيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط شرق صنعاء، أو إرغام السعودية على تقديم تنازلات مالية جديدة

وقد هدد الحوثيون الرياض علنًا، مطالبين إياها بإنهاء الحرب الأهلية بشكل نهائي، ورفع القيود عن الموانئ والمطارات، ودفع تعويضات حرب عن الأضرار التي لحقت بالبلاد نتيجة الغارات السعودية بين عامي 2015 و2022

ويعكس خطابهم، بما في ذلك إعادة نشر مقاطع فيديو لعمليات توغل سابقة داخل الأراضي السعودية وهجمات على منشآت أرامكو، استعدادهم لاستخدام القوة

ونظرًا لانشغال السعودية بأولوياتها الداخلية، وتزايد الشكوك حول المظلة الأمنية الأمريكية، فقد ترضخ الرياض لهذه الضغوط

ورغم أن أي توسع حوثي جديد سيواجه مقاومة داخلية يمنية، فإن السعودية قد تتردد في دعم هذه القوى المناهضة للحوثيين خشية تجدد الهجمات عليها

وبدلًا من ذلك، ومع ضعف موقف الحكومة اليمنية نتيجة تحركات المجلس الانتقالي في الجنوب، قد يسعى الحوثيون إلى تحقيق مكاسب إقليمية، مثل تكثيف جهودهم لاستمالة زعماء قبليين موالين للحكومة في محيط مأرب للانضمام إلى صفهم

وكل واحد من هذه السيناريوهات سيمنح الحوثيين موارد إضافية لتسليح أنفسهم في معارك مستقبلية ضد الولايات المتحدة وشركائها، فضلًا عن تقويض أي فرصة لتسوية سياسية شاملة في اليمن

من القاعدة إلى القمةتعهد القادة الإسرائيليون بمعاقبة قيادة الحوثيين على هجماتهم الجريئة ضد إسرائيل، وأنشأت الحكومة الإسرائيلية وحدة استخباراتية جديدة تركز على اليمن

وإذا انهار وقف إطلاق النار في غزة، ستُستأنف المواجهات بين الحوثيين وإسرائيل، ما قد يشتت انتباه الحوثيين عن جبهات أخرى، ويوفر فرصًا عسكرية محتملة لخصومهم اليمنيين

غير أن واشنطن لا تستطيع الاعتماد على إسرائيل لمعالجة التحدي الحوثي

فالـحوثيون بعيدون جغرافيًا عن إسرائيل، ومتحصنون بقوة في تضاريس جبلية تشبه إلى حد كبير تضاريس أفغانستان

وكما أظهرت الحملات السعودية والأمريكية السابقة، لا يمكن هزيمة الجماعة بالقصف الجوي وحده

إضافة إلى ذلك، تحظى إسرائيل بشعبية متدنية للغاية في مناطق سيطرة الحوثيين، وأي ضربات إسرائيلية إضافية، لا سيما تلك التي تستهدف البنية التحتية المدنية، قد تؤدي إلى التفاف اليمنيين العاديين حول عدو خارجي مكروه

وحتى إذا نجحت إسرائيل في تنفيذ عمليات اغتيال رفيعة المستوى أخرى، فقد يفضي ذلك إلى قيادة حوثية أكثر تشددًا في صنعاء، أو إلى صراع داخلي جديد على السلطة قد يزعزع استقرار المنطقة بطرق غير متوقعة

إن رغبة واشنطن في تجنب الانخراط في حرب مكلفة في اليمن مفهومة

فقرابة شهرين من القصف الأمريكي المكثف في الربيع الماضي ألحق أضرارًا بالحوثيين، لكنه فشل في تغيير سلوكهم أو إضعاف قبضتهم على السلطة

وتبرز الحملة الجديدة للمجلس الانتقالي الجنوبي عمق الانقسامات داخل التحالف الداعم للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وتعقيد المشهد السياسي الداخلي المتغير باستمرار

غير أن الموقع الاستراتيجي لليمن على ممر البحر الأحمر وقربه من أهم حلفاء واشنطن في الخليج يجعل من المستحيل على إدارة ترامب ترك فراغ سياسي

ولمنع اندلاع صراع أوسع، يتعين على الولايات المتحدة إعادة تكريس اهتمام جاد باليمن

وعلى وجه السرعة، يجب على الإدارة الضغط على السعودية والإمارات لخفض التصعيد في الجنوب والتوصل إلى مقاربة موحدة تجاه اليمن، وهو شرط أساسي للتعامل بفعالية مع الحوثيين

وفي الوقت نفسه، يتوجب على واشنطن بذل مزيد من الجهود لدعم القوات اليمنية الموالية للحكومة في الحفاظ على خطوط التماس الحيوية، بما في ذلك في مأرب وعلى ساحل البحر الأحمر، لإقناع الحوثيين بتقديم تنازلات

كما يمكن لتعزيز الضمانات الأمنية الأمريكية للسعودية والإمارات أن يلعب دورًا مهمًا، من خلال طمأنة البلدين بأن الولايات المتحدة ستساندهما في حال تعرضهما لهجمات حوثية

كذلك، يجب على واشنطن إحياء مسار دبلوماسي مخصص

فقد تجاوزت الحرب في اليمن عقدها الأول، وخلفت كلفة إنسانية هائلة ستكون لها آثار عبر أجيال

ولا يمكن معالجة تحدي الحوثيين، ولا المشكلات الداخلية الأوسع في اليمن، عبر الضغوط الاقتصادية أو حملات القصف الخارجية وحدها

فالإكراه ضروري — ولا سيما الضغط السياسي والعسكري من الداخل اليمني — لكن المخارج الدبلوماسية لا تقل أهمية

ولهذا، ينبغي على الولايات المتحدة التنسيق مع جميع الأطراف المعنية الرئيسية — اليمنيين، والسعودية، والإمارات، وعُمان، والأمم المتحدة، وغيرهم — لرسم ملامح تسوية مُحدّثة

وتحتاج إدارة ترامب إلى إدراك أن النظام الأمني الإقليمي الجديد، المرتكز على الخليج والذي تسعى إلى بنائه في مرحلة ما بعد غزة، لن ينجح إذا انزلق اليمن إلى الفوضى

وفي غياب انخراط أمريكي، ستواصل السعودية والإمارات على الأرجح دعم جماعات متنافسة داخل الائتلاف الحكومي، ما يعمّق التوترات بين حليفين رئيسيين لواشنطن (وهي توترات تظهر أيضًا في السودان)، ويوسّع الانقسامات بين اليمنيين، ويخلق فرصًا للحوثيين — فضلًا عن جماعات عنيفة أخرى مثل القاعدة — للاستفادة من الوضع

وقد يؤدي ذلك إلى تجدد التحركات الحوثية في أنحاء المنطقة

إن استعادة الهدوء في اليمن لن تكون مهمة سهلة، وسيتطلب ذلك توفير ضمانات أمنية للبحر الأحمر ولدول الجوار في الخليج، إضافة إلى التعامل مع مطالب المجلس الانتقالي الجنوبي بالاستقلال

وفي نهاية المطاف، سيستلزم الأمر إدماج الحوثيين في عملية سياسية، وإعادة توجيه تركيزهم نحو الداخل من خلال منحهم مصلحة في مستقبل أفضل

وقد يتعثر أي اتفاق في ظل تضارب المصالح العديدة، لكن التقاعس سيكون أسوأ بكثير، إذ سيضمن استمرار تداعيات أزمات اليمن في الامتداد إلى أحد أهم ممرات الشحن في العالم وإلى الشرق الأوسط الأوسع

قد لا تحتاج واشنطن إلى قيادة الملف اليمني، لكن حجم المخاطر يجعل من المستحيل تجاهله