امتحانات الثانوية العامة.. ظروف بالغة الصعوبة
منذ 2 سنوات
صنعاء – محمد النمروسط العديد من الصعوبات والتعقيدات التي أفرزتها الحرب في اليمن يؤدي آلاف الطلاب اختبارات الثانوية العامة في مدينة صنعاء، وهم يعيشون حياةً معيشية صعبة، ويكاد مستقبلهم يتلاشى وسط ضجيج الحرب، حاملين على أكتافهم همومًا في بلدٍ دمرته الحرب منذ قرابة 9 سنوات
سعيد صالح، طالب ثانوية، يتحدث لـ «المشاهد» عن كابوس الحرب الذي لحق بالتعليم في اليمن، ويسرد صالح قصته قائلًا: ”أنا متشائم من الإمتحانات، خاصةً هذا العام, فلا يوجد جدية في المدارس الحكومية، حتى أننا لم ندرس المنهج كاملاً، وجل ما تعلمناه خلال هذه السنة لا يتجاوز ثلاث وحدات من كل كتاب
ويواصل: ”ندخل الامتحانات ونحن نخشى الرسوب، فليس لنا قدرة على إعادة السنة مرة أخرى، فواقع البلاد فرض علينا بيئة تعليمة معقدة”
ولا يختلف هذا الحال مع الطالب أحمد مقبل، وهو يواجه نفس النمط أثناء الإمتحانات التي باتت ترهق كاهل الطلاب، حد وصفه، وأشار لـ «المشاهد» إلى أنه لا يوجد كادر تعليمي متخصص في إعطاء حصة دراسية متكاملة دون نقص، فغياب الكتاب المدرسة جعل الوضع أكثر سوءًا
وأضاف، دُفنت أحلامنا ومستقبلنا مع بداية الحرب، وبات التعليم في اليمن مهمشًا بشكل كلي، وتفتقر المدارس الحكومية للكثير من الأساسيات التعليمية التي تعين الطلاب على الاستمرار في الدراسة
نقص حاد في الكتاب المدرسيتشهد مدارس صنعاء نقصًا في الكتاب المدرسة، حيث غُيب عن الطلاب خاصة في المدارس الثانوية، وحضر على مزاد الرصيف للمتاجرة به؛ ما أثر سلبًا على الطلاب في المذاكرة اليومية، وتأدية الامتحانات العامة، ونقص في المعلومات لدى الطلاب في الامتحان
يقول الطالب لبيب المكردي لـ «المشاهد»: أنا وأربعة من زملائي نتشارك كتابًا واحدًا، ونقرأ منه الأربعة، فلا يوجد حل سواه؛ لذا نواجه صعوبة كبيرة خلال أيام الامتحانات، حيث لا يوجد سوى هذا الكتاب، ونضطر إلى الاجتماع حتى نذاكر سويةً ونستعد للامتحان
ويتابع: ”هناك كتب تباع لكنها غالية الثمن ليس بمقدوري شراءها نظرًا لسعرها المرتفع، في ظل ظروف معيشية صعبة للغاية يكابدها غالبية الطلاب؛ ما يجعل العراقيل كثيرة، وتتسبب بحصول الطلاب على معدلات ضئيلة، خاصة في صنعاء”
فيما يقول المعلم والتربوي عبد السلام الغارتي، لـ «المشاهد»: ”إن هناك حالة من التشتت وعدم الإستقرار يعيشها الطلاب لحظة الإمتحانات، ابتداءً من عدم توفير الكتاب المدرسي، مرورًا بالظروف الصعبة التي يواجهها الطلاب في ظل حربٍ نالت من العملية التعليمية ومزقتها
ويؤكد الغارتي أن الكتاب المدرسي ليس من السهل الحصول عليه بسبب وجودة على أرصفة الشوارع ولا يمكن أن يُوزع بالمدارس؛ نظرًا لعجز وزارة التربية على طباعة الكتب وتوزيعها على الطلاب؛ مما يجعل الطالب أمام واقع مرير في البحث عن المعلومة, حيث يخوض عراكًا متواصلًا أثناء الامتحان
عزوف المعلمينعزف الآلاف من المعلمون في صنعاء عن ممارسة العمل التربوي بسبب انقطاع رواتبهم منذ بداية الحرب، وتوجهوا اضطراريًا إلى أعمالٍ بديلة تحفظ لهم قوت يومهم، حيث جاءت كوادر غير متخصصة وغير قادرة على توصيل المعلومة بشكل أدق للطلبة، فكانت هذه المعضلة كارثية على القطاع التعليم في البلاد
التربوي عدنان علي يتحدث لـ «المشاهد» عن عدم قدرته على الذهاب إلى المدرسة، وقال: ”أنا لا أمتلك قيمة المواصلات، فانقطاع الراتب في اليمن فرض واقعًا ثقيلًا على الطلاب، وجعل المعلمين يعزفون عن التدريس بعد انقطاع أجورهم”
ويضيف: ”الطالب الآن يواجه الأمرين من غياب الأستاذ والمعلومة ونقص الكتاب، حيث يصطدم العديد من طلاب الثانوية العامة مع قرب الامتحانات بهذا الواقع، وبالكاد يحصلون على درجة نجاح، وهي درجات لا تأهلهم على التقدم في أقسام علمية، حيث تغيب أحلام الطلاب وتُقوّض عند هذا المنعطف، وبعض الطلاب لا يواصلون التعليم نظرًا للصدمة التي يتعرضون لها”
من جهته، يشير التربوي حسان ناجي لـ «المشاهد» إلى صعوبة التدريس دون أجور، فالمعلمون في صنعاء يعملون لأكثر من 8 سنوات، وفي أحلك الظروف وأسوأها دون راتب ويأملون بأن تصلح البلاد وتعود رواتبهم، لكن سلطات الأمر الواقع لا تكترث إلى معاناتهم، وهو ما أُجبروا على الفرار إلى واقع يأمن لهم حياتهم، فكان الطلاب والتعليم الضحية
حياة صعبةفي السابعة صباحًا من كل يوم يتأهب الطالب هارون النجار للمشي على قدميه قاطعًا ثمانية كيلو مترات، إلى قاعة الإمتحانات في مدرسة جمال عبد الناصر بصنعاء؛ نتيجة عجزه عن توفير ثمن المواصلات
يشكو هارون لـ«المشاهد» من قساوة الأوضاع التي يعيشها، يقول: ”أريد أن أتعلم وأحقق طموحاتي في دراسة الهندسة لكن الظروف تحاصرني من كل اتجاه، وأخشى ألا أحصل على معدل يضمن لي الالتحاق بالهندسة”
وبنبرة ممزوجة بالحيرة والحزن، يضيف هارون ”أحيانًا لا أجد ما يوفر حتى ثمن فطوري، واضطر لتناول وجبتين في اليوم، وأفكر جديًا في الانقطاع عن التعليم؛ لأن واقع البلد مدمر جدًا”
ويتساءل هارون: ”كيف لي أن أوفر قيمة أدوات الدراسة وإيجار السكن وكذلك مصاريفي اليومية؟، فهذه الأشياء تستنزف جهدي ووقتي، ومن المفترض أن أستغله في القراءة والبحث”
عراقيل معثرة”أفكر مرارًا بالتوقف عن الدراسة؛ بسبب عدم توفر المتطلبات اللازمة لتعليم هذه واحدة من قصص الطلاب الذين يعانون ويكابدون لمواصلة تعليمهم الثانوي في ظل استمرار الحرب من ثمان سنوات”
هكذا تحدثت طالبة الثانوية مرفت محمد
وتقول: ”أكابد وضعًا معيشيًا صعبًا، كدت أن أتوقف عن دراستي؛ بسبب عدم قدرتي على شراء أقلام وكتب مدرسية حتى أتمكن من اجتياز الإمتحانات التي تعتبر مطلبًا وشرطًا أساسيًا لإنهاء الدراسة الثانوية”
وتضيف لـ «المشاهد» أنها اختارت الدراسة وأرادت أن تكمل حلمها الذي سعت لتحقيقه، ولكن الظروف المعيشية المتدنية في البلاد دفعتها للتفكير كثيرًا بإنهاء دراستها، وبرغم ذلك إلا أنها ما زالت متمسكة بحلمها
بدوره، قال مدير مدرسة جمال عبد الناصر الدكتور محمد القاسمي لـ «المشاهد» إن العملية التعليمة تشهد حالةً من الإعاقة التامة في مختلف المحافظات اليمنية نتيجة تداعيات الحرب، لكن في المقابل نقوم بجهد كبير لتوفير ما يريده الطلاب في فترة الامتحانات من كتب ومراجع قد يحتاجها الطلاب، لكن التوفير لم يكن بذلك القدر الذي يفي بالغرض
ويختم الدكتور القاسمي قائلًا: أمر مستحيل جدًا أن تكون قادر على تحمل مسؤولية طلاب في ظل غياب الدولة عن تيسير وتنظيم مرحلة الامتحانات، وتوفير كل الاحتياجات الأساسية
يذكر أن الحرب في البلاد شكلت حالةً من التشظي في كل القطاعات الحكومية خاصةً التعليم، حيث لحق بها أضرار بالغة وبات الطلاب في ماراثون مستدام من البحث عن قلم وكتاب لكي يتعلمون، فالحالة المعيشية الصعبة وظروف الحرب غيرت أحلام الكثير من الطلاب وجعلتهم أمام صورة قاتمة يبحثون عن فرص عمل بدلًا من الكتاب
ليصلك كل جديدالاعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير