تحقيق استقصائي: اليمن يخسر ملايين الدولارات سنوياً بسبب تهريب الأحجار الكريمة والمعادن النادرة
منذ 6 ساعات
كشف تحقيق استقصائي نشره موقع الجزيرة نت أن اليمن يخسر سنوياً مئات الملايين من الدولارات جراء تجارة غير قانونية للأحجار الكريمة والمعادن النادرة، تديرها شبكات تهريب منظمة تضم رجال أعمال وقيادات قبلية وسياسية تعمل خارج سلطة القانون، مستفيدة من هشاشة مؤسسات الدولة بفعل الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد
هذه التجارة المزدهرة، التي تدار بعيداً عن الرقابة الرسمية، تحرم البلاد من عائدات ضخمة كان يمكن أن تدعم الاقتصاد والخدمات الأساسية، مما يزيد من العجز المالي ويعمّق الأزمة الاقتصادية
وخلال أشهر من البحث الميداني، تتبع التحقيق مسار التهريب بدءاً من المناجم البدائية في محافظات مثل شبوة وأبين ولحج والبيضاء، وصولاً إلى المنافذ الحدودية والموانئ، حيث تُهرّب المعادن بوثائق مزورة أو عبر شاحنات محمية من جهات نافذة
وقد وثق التحقيق شهادات حصرية من عمال ووسطاء، إلى جانب مستندات تكشف عن عقود واتفاقيات تُدار خارج أجهزة الدولة، لتشكل اقتصاداً موازياً يستنزف موارد اليمن ويضعف سيادته
وأكد صالح حسين، أحد الوسطاء السابقين في تجارة الأحجار الكريمة، أن أبرز الأحجار المتداولة في السوق اليمني هي حجر الإيولايت واليشم (الجاد)، مشيراً إلى أن الأخير يحظى بطلب مرتفع في الصين وتايلاند وسريلانكا لارتباطه بالمعتقدات البوذية كرمز للطاقة الإيجابية والسلام الروحي
وأوضح صالح أن استخراج هذه الأحجار يتم بطرق بدائية في مناطق مثل مديرية لودر بمحافظة أبين ومدينة نصاب بشبوة، ثم تُنقل إلى عدن عبر مندوبين تابعين لشبكة يديرها شخص معروف بـم ع، لتُخزن في فيلا بحي النصر في مديرية خور مكسر قبل تهريبها إلى الخارج
وأيد هذه الرواية أبو محمد المرفعي، من سكان أبين، مشيراً إلى أن النشاط لم يتوقف منذ 2016 وأن القبائل المحلية تتحكم فعلياً في عمليات البيع والشراء، مضيفاً أن مناطق مثل أهل هديل في لودر غنية بالذهب والأحجار الكريمة، إلا أن الحكومة لا تمارس أي رقابة فعلية
أما بشأن المعادن النادرة مثل الرمال السوداء، المستخدمة في الصناعات التكنولوجية، فقد أكد صالح أنها تُهرّب سرّاً عبر منفذ الشحن الحدودي مع سلطنة عمان، لتجنب الإجراءات القانونية التي تُلزم موافقة مجلس الوزراء على تصدير الموارد الطبيعية
ويكشف التحقيق آلية الدفع في هذه التجارة غير القانونية، حيث يقوم التجار الصينيون بتحويل الأموال بالدولار إلى حسابات خارجية، ويتم تسليم المقابل نقداً بالريال اليمني، بما يحرم الدولة من العملات الأجنبية
ويشير عامل مناجم تقليدية في شبوة إلى أن الأجور اليومية لا تتجاوز ستة دولارات، رغم استخراج أحجار تُباع بملايين الدولارات في الخارج، بينما تُحمَّل الشحنات غالباً ليلاً على سيارات بلا لوحات أو شعارات رسمية قبل نقلها إلى الموانئ أو منافذ التصدير
وتشير شهادات من شهود عيان في محافظة المهرة إلى استمرار مرور الشاحنات المحمّلة بالأحجار والمعادن عبر طرق صحراوية نائية تربط اليمن بسلطنة عمان، دون وجود أي نقاط تفتيش فعلية، فيما أكد مسؤول حكومي في هيئة المساحة الجيولوجية بعدن أن التهريب يشمل أيضاً منفذ الوديعة في حضرموت ومنافذ بحرية مثل ميناء صرفيت، مستفيداً من ضعف السيطرة الأمنية والطبيعة الجغرافية الوعرة للمحافظة
وتقدر خسائر اليمن السنوية جراء هذه العمليات بين 100 و250 مليون دولار، وفقاً للخبير الاقتصادي فارس النجار، وتشمل المعادن الثمينة مثل العقيق والكوارتز والإيولايت والجاد والذهب والنحاس، التي تُستخرج وتُباع خارج أي إطار قانوني أو رقابي
ويشير التحقيق إلى فروقات ضخمة بين الأسعار المحلية وأسعار التصدير العالمية، فطن الإيولايت يُباع محلياً بنحو 1500 دولار، بينما تتراوح أسعاره في الأسواق العالمية بين 600 ألف ومليون دولار
ويكشف التحقيق عن عقود سرية بين شركات يمنية وصينية لبيع الأحجار، لكنها تفتقر إلى أي تراخيص استكشاف أو استخراج رسمية، ما يجعلها غير قانونية ويتيح التهريب تحت غطاء تجاري رسمي زائف
ويشير المحامي عمر الحميري إلى أن هذه العقود تخلو من أي التزام بإبراز تراخيص استخراج أو نقل المواد، وهو ما يفتح الباب أمام عمليات تهريب واسعة، في ظل غياب أي مساءلة قانونية
وتُظهر الوثائق الرسمية، مثل استمارات التصدير وفواتير شركات الشحن، حجم الانفلات القانوني في قطاع التعدين، الذي يُدار خارج رقابة الدولة ويستنزف الثروات الوطنية، في وقت تشهد اليمن إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم
ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، بلغت صادرات اليمن الرسمية من اللآلئ والأحجار الكريمة والمعادن والعملات نحو 1
67 مليون دولار عام 2015، فيما تشير تقديرات السوق العالمية إلى أن القيمة الحقيقية لهذه الثروات أعلى بمئات المرات، وهو ما يعكس تفشي التهريب وفقدان الدولة لمصدر تمويل مهم
رغم وجود قانون المناجم والمحاجر رقم 22 لسنة 2010، الذي يحظر أي نشاط تعديني من دون ترخيص رسمي، تستمر عمليات التعدين والتهريب دون رقابة فعّالة، وسط غياب تام لإجراءات المحاسبة والمساءلة
وتشير الشهادات إلى أن بعض موظفي الهيئة يسهلون دخول شركات تستغل المواطنين، بينما توزع الرسوم على متنفذين في الوزارة بعيداً عن خزينة الدولة، في حين تنفي الجهات الرسمية أي مخالفات جسيمة، مؤكدة عملها وفق القانون
في ظل هذه الشبكة المعقدة من المصالح، التي تضم رجال قبائل ومتنفذين وشركات وهمية، تتحول القوانين اليمنية إلى واجهات شكلية، ليبقى الاقتصاد بلا حماية من استنزاف موارده الطبيعية، بينما تفقد الدولة فرصاً تنموية مهمة كانت يمكن أن تخفف من وطأة الحرب والانهيار الاقتصادي