توفيق السامعي : اليمنيون "كفار" و"إخوان النصارى" وعملاء اليهود والأمريكان!
منذ 11 ساعات
توفيق السامعي لم تعدم الإمامة عبر التاريخ، ولا الحوثية اليوم شعارات التعبئة، ولا المبررات التي تعبئ بها عكفتها ومليشياتها ومرتزقتها وتبرر لها ولمن حولها الدافع لتدمير اليمن والبطش باليمنيين، وخاصة في التاريخ الحديث منذ تأسيس الدولة القاسمية وحتى انقلاب الإمامة الجديدة الحوثية على الدولة
فالحوثية تمضي على نهج آبائها وأجدادها الأوائل خطوة بخطوة، واستيراد الأحداث التاريخية للسيطرة على البلاد والتسلط على المواطنين، شعارهم في ذلك {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}
فمنذ عهد الرسي وصولاً إلى عهد الدولة القاسمية كانت تهمة اليمنيين عموماً كسنة قبل أن يكون هناك شيعة زيدية أو هادوية، وخاصة اليمن الأسفل، أنهم (مُشَبِّهة ومُجَبِّرة، وبغاة، ونواصب، فسقة، وظلمة)، وهم في هذه الحالة في مقام الكفار الذين يجب جهادهم، وهو شعار مختلق كدافع للإمامة القديمة لمحاربة اليمنيين والانقلاب على الدول والسلطات والتسلط على اليمنيين وإقامة دولتهم الإمامية
وكثيراً ما استخدم هذه الذريعة والراية السفاح عبدالله بن حمزة ضد اليمنيين في مختلف البلاد، وكان كل قوم يختلق لهم ذريعة لمحاربتهم واستئصالهم؛ فالسنة باعتبارهم أشاعرة وهم أهل تشبيه وجبر، ومعارضيه من الزيدية الهادوية المعروفة بالمطرفية باعتبارهم مُخْتَرِعة، وكذلك اتهمهم بالكفر والردة والضلال، وأنهم يساوون بين اليهودي والرسول، وأنهم يقولون أن القرآن مخلوق [عقيدة المعتزلة]، وأنهم يسبون الأئمة، وأنهم أدعياء نبوة، كما اتهمهم بسب الصحابة ولعنهم، وأفتى أنه من قتل دعياً فإنه يتقرب إلى الله بدمه! وجاء في كتاب المنتزع المختار من الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار في فقه الأئمة الأطهار للعلامة عبد الله بن مفتاح (قال أبو طالب لا يصح الوقف على مساجد المشبهة والمجبرة
وقال (ص بالله) مساجد المشبهة والمطر فيه والمجبرة لا حكم لها ولا حرمة وأخرب كثيراً منها وسبل بعضها)
وهذا الكتاب هو العمدة في الفقه الهادوي، وهو يحكي إخراب الإمام عبدالله بن حمزة للكثير من مساجد أهل السنة و(ص بالله) إشارة إلى لقب الإمام عبدالله بن حمزة الذي يتلقب به (المنصور بالله)( )
وأما في عهد الدولة القاسمية، وتحديداً في عهد المتوكل إسماعيل، أظهرت الإمامة شعار كفر التأويل وكفر الإلزام ورموا به اليمن الأسفل ومخالفيهم واعتبار أرضهم خراجية تعامل معاملة أرض الكفار المغنومة؛ فقد عمل الإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم على نشر وبعث علماء الزيدية إلى القرى لنشر المذهب الهادوي وفقه الهادوية حتى يتحولوا إلى المذهب، فقد كان يتعصب لمذهبه إلى درجة أنه كان يقول بكفر الأتراك ويدخل في حكمهم من والاهم، ولو كان معتقده يخالف معتقدهم، وهذا ما عرف عندهم بالتكفير بالإلزام، حيث إن الأتراك -حسب زعم المتوكل إسماعيل- (كفار) والكفار إذا استولوا على بلاد وملكوها، ولو كانت من أراضي المسلمين تعتبر بلاداً كفرية؛ لأن أهلها أقاموا تحت أوامر وقيادة الكفار
وقد رفع المتوكل إسماعيل شعارات عديدة في هذا الجانب وهي الشعارات الدينية التي تدفع بمرتزقته ومليشياته للبطش باليمنيين وإرهابهم ونشر معتقده ومذهبه بالحديد والنار، وهذه الشعارات هي (كفار تأويل، بغاة، نواصب، منافقون لا يمتثلون لأحكام الشرع إلا كرهاً وخوفاً من صولة الإمام بجنده أو بعضهم) ورد عليه كثير من العلماء في مسألة التكفير بالإلزام، يراجعونه في ما ذهب إليه من التكفير وعدم استحلال أموال الناس تحت هذه الحجة، ومن هؤلاء مثلاً عبدالقادر بن علي المحيرسي الذي رد برسالة قال فيها: وبعد: فما ذكرتم من منع مشاع الدعاوى لما كان من زمن الدولة وصارت الجوابات مختلفة؛ فإن كان لأجل البغي فالباغي لا يخرج عن أحكام الشرع فيما بين المؤمنين لثبوت إسلامه شرعاً، وفي معاملة علي -كرم الله وجهه- لأهل الجمل وصفين مع استحلالهم لدماء المسلمين ما يهدي إلى هذا المعلوم، وإن كان لكونهم من أولياء المجبرة لموالاتهم لهم، أو لكون الجبر معتقدهم، فالذي علمناه من يضاد الإسلام والكفر يقضي باتخاذ الطريق إلى ثبوتهما وإلى دخول أحدهما حيث يدخل الآخر من ثبوتهما بفعل القلب بلا اختلاف وإلا لافتقر أحد الضدين إلى أكثر مما افتقر إليه الآخر وهو محال أو لزم ثبوت الحكم بمجرد القول فيكفر من نطق بكلمة الكفر بنحو إكراه من دون اعتقاد معناه وهو خلاف الإجماع
إلخ( )
ولم يكن المحيرسي أو غيره فقط ممن احتج على المتوكل وراجعه في ذلك، بل وصل الأمر إلى معارضته وانتقاده من داخل البيت القاسمي نفسه؛ فقد رد عليه وراجعه ابن أخيه العلامة والمؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم في أكثر من رسالة، وكان يصفه بالقول: كانت حالته في ذلك حسنة [لا يأكل من الزكاة] إلا أنه لو كملها بالعدل باليمن الأسفل في مطالبه وجور ولاته الجور المفرط، وأزال عنه الشبهة في تكفيرهم بالجبر والتشبيه الذي لا يقولون به ولا يلتزمونه، لكان كاملاً بأوصاف الخيرات جامعاً للأحوال السنيات، لكنه قصر في النظر وقلد في الأصول والأثر، ولم يعرف بحقائق أقوال أهل الخلاف وتفاصيل محققي علماء السنة ليعرف بذلك أقوالهم البينة كما عرفه غيره من الأئمة( )
وفي رد المتوكل إسماعيل على ابن أخيه يحيى بن الحسين برسالة طويلة عريضة، وهو مصر كل الإصرار على التكفير، ومبرر كل التبرير لجوره وتكفيره اليمنيين، نقتصر ببعض ما جاء فيها بالقول: وبعد
فوصل كتابكم الكريم ويتضمن السؤال عن وجه المقرر ولم يشغل عنه حال وصوله شاغل فتحققناه، وما كان الظن أن يخفى ذلك وجهه فالحق بيّن بحمد الله، وبيان ذلك أن مذهب أهل العدل أن المُجَبِّرة والمُشَبِّهة كفار، وأن الكفار إذا استولوا على أرض ملكوها ولو كانت من أراضي المسلمين وأهل العدل، وإنه يدخل في حكمهم من والاهم واتمنرى إليهم، ولو كان معتقدهم يخالف معتقدهم، وأن البلد التي تظهر فيها كلمة الكفر بغير جوار كفر به ولو سكنها من لا يعتقد الكفر ولا يقول بمقالة أهله، هذه الأصول معلومة عندنا بأدلتها القطعية ومدونة في كتب أئمتنا وسلفنا، ولا ينكر ذلك عنهم أحد من له أدنى بصيرة ومعرفة بمصنفاتهم الأزهار وغيره
إلى أن قال: فإذا استفتح الإمام شيئاً من البلاد التي تحت أيديهم فله أن يضع عليها ما شاء سواء كان أهلها ممن هو باقٍ على ذلك المذهب أم لا؛ فالمقلد من الناس إن أراد أن يكتفي بالتقليد فهذه الأمور معروفة في المختصرات، وأن الواجب الوقوف على الدليل ففي المبسوطات ما يكفي ويشفي( )
أسس المتوكل إسماعيل منهجاً إرهابياً لمن جاء بعده وزادوا عليه كابن أخيه الإمام المهدي الحسن، وبعده ابنه الإمام المهدي صاحب المواهب اللذين كانا من أشد الناس على اليمنيين قتلاً ونهباً وتدميراً وفوضوية، وباستخدام نفس الشعارات والحجج (كفار تأويل، كفار إلزام، بغاة، عصاة، نواصب
إلخ)
فقد جاء بعده ابن أخيه المهدي أحمد بن الحسن والذي تولى الإمامة بعد المتوكل إسماعيل وقد كان معتزلياً مقلداً جده الإمام القاسم بن محمد مؤسس الدولة القاسمية
وله كثير من المسائل التي يعتقد فيها اعتقاد المعتزلة، وقد كان جارودياً رافضياً هو الذي اقترح الاحتفال بيوم الغدير على عمه المتوكل إسماعيل
وله مختصر في أصول الدين على مذهب المعتزلة ويجري فيه مجرى الإمام القاسم في أساسه، وهو أول من جار في مطالب اليمن من أهل هذه الدولة؛ فإنه زاد على المعتاد وأمر عماله بذلك حتى كان يصح مع أهل اليمن النصف والنصف يأخذه
قال عنه ابن عمه المؤرخ يحيى بن الحسين: أخبرني جماعة أنه أمر العمال أنكم لا تتركون لهم إلا الثلث، وكان لسوء اعتقاده فيهم وأنهم جبرية عنده، وجرى على ذلك بعده المتوكل ولا حول ولا قوة إلا بالله( )
ونتيجة لهذه التعبئة يكون قتل المخالفين عليهم عند هؤلاء الأئمة هو من القربات إلى الله، كما أوضح ذلك الأمر الإمام المهدي أحمد بن الحسن في رسالته إلى محمد بن المتوكل بقوله: وأما قتل النفوس في زمن المتوكل فهو عندي من أقرب القرب؛ فإذا أنكر على من قتل علي بين يدي رسول الله في يوم بدر وأحد وفتح خيبر والخندق ويوم حنين أنكر عليّ بمن قتلت يوم أبين ويوم نجد السلف ويوم يافع ويوم بحران بحضرموت، وأرجو من الله أن يبلغني ما بلغه بعد دعوتي هذه من القتل يوم الجمل وأيام صفين ويوم النهروان( )
وهكذا جاء بعده ابنه المهدي الثاني محمد بن أحمد بن الحسن فكان أشد طغياناً وظلماً وجوراً ممن سبقه، وكانت لا تهدأ نفسه حتى يريق الدماء ليشفي غليله
في عهد الإمام يحيى حميد الدين، تكرر ذات الأمر، ورفع نفس الشعارات من التكفير التأويلي وموالاة النصارى، وبعد أن أجبر الأتراك على الخروج من اليمن، استبد يحيى بالبلاد الشافعية وكان يعتبرهم إخوان النصارى، يوضح الأستاذ النعمان أن علي الوزير حينما احتل الحجرية كان ينظر لأهلها أنهم متعاونون مع النصارى (الإنجليز في عدن)، وأنه يحل لهم استباح أموالهم، فيقول: كان آل الوزير يشكون في الحكام من الشافعية بأنهم فيما سبق مع الأتراك ويميلون نحو الخارج، وربما يتفاهمون الآن أيضاً مع الانجليز النصارى؛ لأن الإنكليز الآن يحكمون منطقة الجنوب وسكانها شافعيون، فربما نحن أيضاً كشوافع ننضم إلى إخواننا
خرج السيد علي الوزير لاحتلال المنطقة وهو أول من وصل من مسؤولي الإمام بعد انسحاب الأتراك
الزيديون كانوا في أيام التعصب الشديد يعتبرون أم أموال الشافعيين مستباحة، ونساءهم مثل نساء النصارى، أو مثل أصحاب الملل الأخرى، كأنهم يحتلون بلاداً فيها كفار
كانت هذه الروح موجودة عند الزيديين بالنسبة للشافعيين
[الشافعيون] كانوا يعتبرون الزيديين وحوشاً خارجين عن الملة، وأثناء وجود الأتراك في اليمن كان الشافعيون متفاهمين مع الأتراك لحمايتهم من الزيديين؛ لأنهم جميعاً سنيون، فلما انجلى الأتراك تراكمت عند الزيود الأحقاد ضد الشوافع أولاً لأنهم كانوا يقفون مع أعدائهم، وثانياً بسبب نظرتهم إلى المذهب
ومع أن الإمامين يحيى وابنه أحمد كانا يعتبران أبناء تعز إخوان النصارى موالين لهم، ونكلوا بهم أيما تنكيل، إلا أنهما كانا يتوددان إلى بريطانيا كل التودد لتثبيت حكمهم في الشمال وعدم منازعتهم ذلك، والتعاون بينهم على الثائرين عليهم وعقد الاتفاقات المختلفة معهم في عدم إيواء اللاجئين إلى عدن، والتنازل لهم عن محافظة الضالع مقابل دعمهم ضد الأدارسة في تهامة، والمواقف والشواهد أكثر مما تحصى!يضيف الأستاذ النعمان: لقد وجه الإمام يحيى قبائل الشمال التي حاربت تحت قيادته الأتراك نحو الجنوب (تعز وإب) وتهامة بدعوى المحافظة على الراية المحمدية في بلاد كفار التأويل وإخوان النصارى( )
ويوضح الأستاذ النعمان أن الإمام يحيى ومن معه وضعوا قاعدة يقولون فيها: من أنكر على الإمام بقلبه فهو فاسق، ومن أنكر عليه بلسانه فهو كافر، ومن أنكر عليه بيده فهو محارب، وفي كل الأحوال فهو عاصٍ يستحق العقوبة! ولأن التكفير والتعبئة من الإمام يحيى لمرتزقته ضد الأتراك لمحاربتهم وإخراجهم من اليمن كانت الشعارات الواضحة والمرفوعة حينها، تفاجأ مناصرو الإمام يحيى بعد صلح دعان مع الأتراك أنه يصفهم بالمسلمين وإخواننا في الدين، فقد فوجئ الشيخ ناصر مبخوت الأحمر بالإمام يحيى يتحدث عن الأتراك بأنهم مسلمون إخوة لليمنيين بعد أن كان يصفهم بأنهم مستعمرون، بغاة، كفار تأويل، وأن من قتل تركياً دخل الجنة!أحدث ذلك الأمر معارضة ناصر الأحمر تطور إلى الحرب والمواجهة بينه وبين الإمام يحيى، وهو الذي نصبه إماماً في الأساس، وبدأت الخلافات مع آل الأحمر، وبعد وفاة الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر، بدأ الإمام يحيى مواجهته العسكرية لقبيلة حاشد وأبناء الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر، وبدأت المواجهة في حجة، عندما أيد الشيخ ناصر بن ناصر بن مبخوت الأحمر محسن شيبان في مواجهته للإمام يحيى، وأرسل أخاه الشيخ حسين بن ناصر بن مبخوت الأحمر لمناصرة محسن بن شيبان الذي ثار بسبب قيام الإمام يحيى بحبس أخيه يحيى بن شيبان الذي كان مسؤولاً عن حجة بتهمة إجراء اتصالات مع الإدريسي
ونجح الهجوم على حجة، وتمكن المهاجمون بقيادة الشيخ حسين بن ناصر الأحمر ومحسن شيبان من الاستيلاء على قاهرة حجة وبعض حصونها، فقد كان أمير حجة سيف الإسلام أحمد بن يحيى خارج المدينة، لكن الإمام أرسل وساطة كان نتيجتها انسحاب المهاجمين بسلام وعودتهما إلى بلاد العصيمات
وبعد فترة عاد الخلاف بين الإمام يحيى وبين الشيخ ناصر بن ناصر الأحمر، وأرسل الإمام جيشاً كبيراً حاصر حصن (حبور) في (ظليمة) وضربوه بالمدافع تحت مـبرر أن أهل مناطق حاشـد من رعية الإمام ولا ينبغي أن تبقــى تحت سيطرة الشيخ ناصر الأحمر، وأيضاً تحت مبرر ضمان توريث النساء
لقد استخدم الأئمة فتاوى تكفير المجتمع الذي لا يدين بمذهبهم كوسيلة للسيطرة على اليمن ونهب الشعب واستحلال أموال غالبية الشعب اليمني تحت مبرر أن هؤلاء كفار تأويل، كما كان يطلق عليهم ويجوزون نهب أموالهم وهدم بيوتهم واستحلال دمائهم، ولقد سجل الكثير من الثوار هذه المشاهد المؤسفة شعراً ونثراً
وكتب الأستاذ محمد أحمد نعمان (الابن) عن هذا بالتفصيل في كتابه الأطراف المعنية الذي يفصل هذا المسلك الاستعلائي واستباحة أمواله بذريعة التكفير لكل من لا يؤمن بفكرة السلالة المقدسة( )
فيمكن للأئمة التغاضي عن كل شيء، بما في ذلك الإلحاد وكل أنواع الفسق، إلا أنهم لا يتغاضون أبداً عن أمر الولاية في غيرهم، وهذا يفسر لنا اليوم كثيراً كيف أن الحوثية تجند وتستقطب كل لص وقاطع طريق وناهب ومجرم وسفاك للدماء ولا تحاسبهم البتة طالما كانوا موالين لهم