ثابت الأحمدي : الشعوب العريقة أقدر على تجاوز الصدمات

منذ شهر

ثابت الأحمدي  تبقى إرادة الشعوب الحية فوق قوات الجيوش وحسابات الساسة، وأكبر من الصدمات التي تتلقاها بين الحين والحين؛ لأن المزاج العام لأي أمة محكوم بعروقها التاريخية، وفقا لإشارة جوستاف لوبون

هناك دول آتية من صدفة الجغرافيا، أو الحسابات السياسية، وهناك دول آتية من حضارات عريقة، لها امتداها الزمني العريق، وهذه الأخيرة من الرسوخ والثبات بمكان، ولن تؤثر فيها الانكسارات أو الهزات مهما كانت قوتها

أثناء حرب الأفيون بين الصين وبريطانيا تعرضت الصين لاتفاقية مجحفة ومهينة في حق الشعب الصيني العظيم، سنة 1841م، عرفت باتفاقية نانجينغ، وكانت الصين آنذاك أشبه بمستعمرة بريطانية، ومع هذا تجاوزتها بعد ذلك بعقود، وامتلكت أمة الصين قرارها السيادي

ومن يتأمل بنود معاهدة فرساي التي وقعت عام 1918م بين الحلفاء والمحور يجدها إلى صك العبودية بالنسبة لألمانيا أقرب منه إلى الاتفاقية السياسية، خاصة وقد تم إجبار ألمانيا على الاعتراف بالمسؤوليةِ الكاملةِ عنِ الحرب، رغم أن ثمة متسببين آخرين، الأمر الذي أثار حنق الشعب الألماني الذي اعتبر القبول بها تنازلا عن الكرامة الوطنية، ومع هذا تم ابتلاع السم من قبل القادة، لإعادة بناء ألمانيا من جديد، ومعروف القوة التي وصلت إليها الرايخ الثالث وإن خرجت مدمرة أيضا في الحرب العالمية الثانية، لكن ألمانيا شاركت في عام 1955م في أكبر معرض لصناعة السيارات في العالم، أي بعد الحرب بعشر سنوات فقط

تدمرت الآلة وتدمرت الأبنية، لكن الإنسان الألماني موجود، العقل لم يمت، أو يتأثر بالحرب

هُزمت ألمانيا ماديا، لكنها لم تنهزم نفسيا

اليابان كذلك خرجت مدمرة عقب الحرب العالمية الثانية، بعد هيروشيما وناجازاكي، واضطر اليابانيون أن يكبتوا دستورهم بالقلم الأمريكي، بمعنى أن مواد الدستور الياباني كتب بإملاءات أمريكية، خاصة المادة التاسعة التي اعتبرتها النخبة اليابانية مذلة ومهينة لأمجاد الساموراي الياباني الذي عليه أن يتخلى إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للدولة، وعن القيام بأية أعمال عدوان أو تهديد بواسطة العنف، كوسيلة لحل النزاعات الدولية

ومن أجل تحقيق الغاية من البند السابق، لا يتم امتلاك قوات برية أو بحرية أو جوية أو غيرها من القوات العسكرية، ولا تعترف الدولة بحقها في خوض الحروب

ومع هذا قَبل الإمبراطور الياباني بهذه الاتفاقية المجحفة، من أجل صناعة هدف سياسي بعيد، وفعلا وصلت اليابان في فترة ما إلى الاقتصاد العالمي الثاني، وإلى اليوم واليابان دولة عملاقة

مصر تعرضت لنكسة/ نكبة عام 67م وقد وضعت إسرائيل مخالبها في عنقها، من خلال احتلال سيناء، ومع هذا تجاوزت مصر بعراقتها وتفكيرها الاستراتيجي هذه الأزمة الخانقة باتفاقية كامب ديفيد عام في سبتمبر 78م، في الوقت الذي لم تستطع دولة عريقة أخرى هي سوريا تجاوز أزمتها في الجولان التي احتلتها إسرائيل مع سيناء في نفس الوقت، ولا تزال الجولان محتلة إلى اليوم، بفعل الشعارات الفارغة التي ظلت مرفوعة إلى اليوم بلا جدوى، في الوقت الذي صنع أنور السادات قرارا استراتيجيا تاريخيا، وإن لاقى بموجبه الكثير من الشتائم

ثمة قاعدة عسكرية تقرر أن النصر واحد، ولكن الطرق إليه مختلفة، وإن تراجع أو إخفاق أو حتى فشل الأمة في جولة من جولات الصراع لا يعني فشلها الدائم؛ بل قد يكون هذا الإخفاق محفزا لصناعة نصر أعظم

باختصار

يجب قراءة الأحداث على الطريقة الكلية، وبأفق أوسع، خاصة القضايا الكبيرة التي تتعدد مدخلاتها، كما تتعدد مخرجاتها