جميل مفرح : محاولة للاعتذار أو لترميم شيء

منذ سنة

  على مسافة بعيدة نسبياً من الغباريقف بعيني رسام ذي خيال محدود، فيبتكر التجاعيد والطرقات الملتوية، ويمنحها إذناً بالعبور إلى فكرة

 مرة أخرى بعيني كاتب ينفخ فيها من روحه ما يشاء من كينونات، لتغدو حياةً وتفاصيل حياةٍ، لشعوبٍ سالفةٍ بداخله، ولطفلة منتظرةٍ منذ الأزل، قد تتجاوز في أية لحظةٍ كونها أمنيةً وتجيء

 يعلم أن النبوءات محرمة، لأنها عمليات غسيل أحوال وتجارة غير مشروعة، ولكنه بحاجة إلى واحدةٍ منها، ولو لمرة واحدة فقط، ثم يعلن بعدها عن توبته وإقلاعه عن التعاطي مع الوقت كفناء خلفي، أو قبوٍ تحتيٍّ، يتوارى فيه عن أنظاره، كلما حاصرته الأسئلة، وازدحم رأسه بالأصوات والأسماء والأماكن شبه المهجورة

 على مسافةٍ سرابيةٍ ما من الغيم، يقتعد شروده، ويخرق، بشيء من الحواس المعطلة، سقوف الاعتياد وحدود المنطق وركام الماء المحلق عالياً، ثم يصعد ويصعد حتى لا يجد له وراء ولا تحتاً يتيحان له الالتفات

يبحث عن مكانه في الأشياء والمسافات وقد تشظى إلى ألوان وكلمات احتاج إليها ضيفاه بهندامي الرسام والكاتب

 لن يعود إلى رشده قبل الصبح، سيحول  رأسه قبل ذاك إلى حانة أو صندوق بريد للمهمل من محاولاته الفاشلة في الغناء وتأليف النوتات الناشزة

ويبدل صدره من مجرد ممرات عشوائية لصفير الريح إلى جدران لرسم الذكريات ولافتات قماشية لكتابة الغموض، بسريالية أقرب ما تكون من مخيلة مجنون متسكع، يطيل التحديق في الأشياء من حوله وكأنه يخلقها

ثمة علامات وتباشير هامسة، تدل على اقتراب ظهوره كضالٍ سقط، ذات منحنى في الأزل، من متاع نبي بلا ذاكرة أو حكيم فيلسوف غير متفرغ للتذكر، وقد يكون أسقط عنوةً من علبة تجميل كانت تستخدمها حياة ما، قبل أن تشيخ وينحني تفاؤلها باللاشيء، وتصبح مجرد باب قديم، تمنعه المحافظة على التراث من ترميمه أو طلائه ووضع قفل رقمي عليه

لا علامة حقيقية بعد لظهوره في المكان الذي يريده، والزمان الذي وضعته إرادةٌ ما على صدره كنيشان أو نوط لا معنى ولا قيمة له

 يحب أن تظهر الأشياء في أماكنها الصحيحة وأزمنتها المناسبة، لذا قرر أن يعد نفسه طفيلياً وفضولياً، ويتقبل النهايات التي سيصل إليها أياً كانت

 #فواصلي