حجة: الفقر يدفع السكان للتنقيب عن الذهب يدويًا

منذ 9 ساعات

حجة- فهمي عبد القابضدفع الفقر بمحافظة حجة، شمال غربي اليمن، بعض السكان إلى التنقيب عن الذهب بشكلٍ غير قانوني ودون أي معايير للسلامة

ويعمل هؤلاء الرجال بطرقٍ يدويةٍ تقليدية ومعدات بسيطة

ينجحون أحيانًا في الوصول إلى كمياتٍ قليلةٍ لا تتعدى جرامًا واحد، وأحيانًا يخسرون حياتهم

يوسف العبسي (36 عامًا) -اسم مستعار لدواعٍ أمنية- وهو أحد المنقبين في مديرية كُشر شمال محافظة حجة

يقول إنّ السكان يلجأون للطرق التقليدية في التنقيب عن الذهب بحثًا عن لقمة العيش

في ظل الظروف  الاقتصادية الصعبة التي فرضتها الحرب، رغم مخاطر هذه الأساليب

يعمل العبسي في مهنة التنقيب عن الذهب منذ بدء الصراع في اليمن عام 2015

وتعد مصدرًا للدخل في ظل تضاؤل فرص العمل

مستخدمًا كغيره من المنقبين أدواتٍ بدائية هي “الصَبرة والهزاز، والزُبرة وأدوات استخراج وتنقية التراب، وأكياس أو زجاحات خاصة بتجميع العينات”

“أحيانًا أقضي يومي كاملًا في أماكن التنقيب عن الذهب وأعود إلى البيت صفر اليدين

وأحيانًا أعود ومعي أقل من جرام من الذهب، لكن أكون قد استنفدتُ كل طاقتي في التنقيب”

يقول العبسي لـ”المشاهد”

يوسف العبسي، اسم مستعار لأحد هواة التنقيب في حجة”أحيانًا أقضي يومي كاملًا في أماكن التنقيب عن الذهب وأعود إلى البيت صفر اليدين

وأحيانًا أعود ومعي أقل من جرام من الذهب، لكن أكون قد استنفدتُ كل طاقتي في التنقيب”

في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها اليمن، تقل مصادر الدخل وتكاد تكون معدومة لدى أكثر السكان

وفي مثل هذه الظروف يقوم المئات من سكان محافظة حجة بالتنقيب عن الذهب في الجبال دون اتباع أي معايير للسلامة

أملًا منهم في تحسين أوضاعهم المعيشية من خلال استخراج الذهب من الصخور وبطون الجبال، وبيعه في أسواق الذهب

تقول الأمم المتحدة إن عددًا من مديريات حجة التي شهدت سيولًا وفيضاناتٍ العام الماضي تشهد انتشارًا واسعًا لانعدام الأمن الغذائي

نتيجة فقدان سبل الدخل وتدمير الأراضي الزراعية

ويشير العبسي إلى أنّ عملية التنقيب تخضع لعامل الخبرة، فقد يستغرق البعض من ثلاثة أيام إلى أسبوع للحصول على جرامٍ أو جرامين من الذهب

لافتًا إلى أنّ عملية التنقيب عن الذهب تمر بعدة مراحل، تبدأ بعملية التنقيب وجمع العينات، ثم مرحلة الطحن

حيث تطحن الصخور بحسب الإمكانيات، ما عن طريق الطحن العادي بالآلات اليدوية البسيطة مثل الزبرة والملكدة والهزاز، أو الطحن بالكسارة الآلية مقابل نسبة تعطى لصاحب الكسارة

 ثم تأتي مرحلة التصفية، حيث تتم بشكلٍ كبير عن طريق استخدام مادة الزئبق في التنقية

ويتم هنا وضع ماءٍ داخل وعاء العينة ثم صبُّ الزئبق في وعاء العينة

وتحريك الوعاء بشكلٍ شبه دائري متعرج عن طريق اليدين حتى يتم الحصول على ما يمكن الحصول عليه من ذهب

وتأتي المرحلة الأخيرة وهي مرحلة شفط العينة وتتم عن طريق استخدام “شرنقة” 5 سيسي وقطعة قماش قطنية

حيث يتم سحب الزئبق من وعاء العينات إلى داخل الشرنقة، ويتم وضع قطعة القماش القطنية في فتحة الشرنقة

وتفريغ الزئبق بما يحتويه من شوائب الذهب في وعاء زجاجي فارغ ومحكم الإغلاق لحفظها، كزجاحة العطر مثلًا

ويتم بعدها حرق العينة بالأكسجين وبيعها في أسواق الذهب

بطبيعة الإنسان منذ الأزل البحث عن المعادن الثمينة

الكثير منهم ليس لديهم خبرةً ويستند الكثير منهم على معلوماتٍ تكون مضللة؛ مما يؤدي إلى مخاطر جمة

في التاسع من يونيو الماضي، توفيّ ستة أشخاصٍ وأصيب شخص سابع من أسرةٍ واحدةٍ

نتيجة انهيار إحدى مغارات التنقيب عن الذهب في جبل بني ريبان، بمنطقة العبيسة، شمال مديرية كُشر، في محافظة حجة

وذلك أثناء تنقيبهم عن الذهب المستخرج من التراب الأحمر

ويوضح العبسي: “أنّ العمل بهذه المهنة مخاطرة كبيرة، قد تفقد حياتك داخل مغارات التنقيب بسبب تفكك صخور المغارة وتهدمها عليك

كما حصل لإحدى الأسر في منطقة العبيسة التي فقدت سبعةً من شبابها

وذلك نتيجة تهدم إحدى مغارات التنقيب عليهم، أو قد تصاب بأمراضٍ جلديةٍ وتنفسيةٍ وسرطانات نتيجة استخدام مادة الزئبق في التنقية”

ويقول أستاذ الصخور والمعادن في كلية العلوم التطبيقية بجامعة تعز، الدكتور عبدالحميد مالك: إنّ التنقيب عن المعادن ومنها الذهب، من قبل المواطنين دون درايةٍ ودراساتٍ علمية دقيقة قد يعرضهم للخطر

ويضيف في حديثه لـ”المشاهد” أنه إذا كان ولا بدّ من التنقيب فينبغي اتباع العديد من التقنيات، ومنها الابتعاد عن الحفر العشوائي العميق الذي قد يؤدي لانهيار التربة

وارتداء وسائل الوقاية الشخصية (خوذ، أقنعة، أحذية خاصة، نظارات وقاية)، والعمل في مجموعات لتجنب الحوادث في حالة الطوارئ

وتجنب المواد المتفجرة أو الكيماويات الضارة إن لم يكن هناك إشراف متخصص، والإبلاغ عن أي كهوفٍ أو مغاراتٍ أو مياه جوفية مفاجئة أثناء الحفر”

وينصح مالك بالابتعاد عن مناطق الانهيارات  الأرضية

والالتزام بعدم العبث في المواقع المحمية أو مواقع شركات التعدين المرخصة لتجنب الملاحقة القانونية

وقال أبناء محافظة حجة، الصحفي سعد القاعدي أنّ حادثة منطقة العبيسة التي راح ضحيتها سبعة أشخاص -رغم مأساتها- أنها فضحت المنقبين وفتحت الأعين عليهم لملاحقتهم

لذا هم ينقبون بشكلٍ سري هربًا من حظر جماعة الحوثي التي تجرم هذه العملية على المواطنين

وتصادر كل ما تجده مع المنقبين، وقد تلجأ لحبسهم وفرض غرامات عليهم

وفي يوليو 2022 أعلنت سلطة جماعة الحوثي سحب أجهزة كشف المعادن

واتهمت السعودية والإمارات بتهريبها إلى اليمن لتدمير المواقع الأثرية في اليمن

يقول الصحفي المهتم بالجانب الإنساني والاجتماعي في محافظة حجة، الحسين اليزيدي: إنّ الأهالي في محافظة حجة يعيشون -كبقية المحافظات- ظروفًا صعبةً ومأساويةً زادها تعقيدًا إغلاق منفذ حرض

ويضيف اليزيدي في حديث مع “المشاهد”: “انتهاء الحياة في حرض وسوقها التجاري دفع السكان إلى عملية التنقيب عن الذهب رغم صعوبتها ومشقتها ليصبحوا بذلك عرضةً للموت والمرض”

الصحفي المهتم بالجانب الإنساني، الحسين اليزيدي في حجة “انتهاء الحياة في حرض وسوقها التجاري دفع السكان إلى عملية التنقيب عن الذهب رغم صعوبتها ومشقتها ليصبحوا بذلك عرضةً للموت والمرض”

ويتابع: ما ألاحظه كمهتم بالشؤون المجتمعية في محافظة حجة هو زيادة الإصابة بالسرطانات

خصوصًا في مواقع استخراج الذهب

ويعود ذلك إلى استخدام مواد التنقية كالزئبق، والانبعاثات السامة من عوادم آلات الطحن التي انتشرت بشكل كبير في المديريات المشهورة بوجود الذهب”

يقول مالك إنّ التنقيب هو من اختصاص الجهات الرسمية ويجب أن يكون وفق معايير علمية وقانونية

تخضع لإجراء دراساتٍ جيولوجية أولية لتقييم الجدوى الاقتصادية، وإجراء دراسات بيئية لتحديد أثر التنقيب على البيئة

واتباع معايير السلامة المهنية لحماية العمال من الحوادث، والتقيُد بالحدود المسموح بها للتنقيب وعدم تجاوزها

واستخدام تقنيات آمنة وحديثة للحد من التلوث، وإعادة تأهيل المواقع بعد الانتهاء من أعمال التنقيب

الحسين اليزيدي، صحفي محلي: ما ألاحظه كمهتم بالشؤون المجتمعية في محافظة حجة هو زيادة الإصابة بالسرطانات

خصوصًا في مواقع استخراج الذهب

ويعود ذلك إلى استخدام مواد التنقية كالزئبق، والانبعاثات السامة من عوادم آلات الطحن التي انتشرت بشكل كبير في المديريات المشهورة بوجود الذهب”

لكنّ غياب الرقابة الرسمية خاصة في المناطق النائية أو التي تشهد نزاعات، والجهل بالقانون والفقر والبطالة وغياب فرص العمل

وتدفع كل هذه العوامل الناس للاتجاه نحو التنقيب عن الذهب كونه ذات ربح أسرع، يوضح مالك

بينما يقول القاعدي إن المواطنين يلجأون للتنقيب عن الذهب رغم مخاطره

وفي ظل الرقابة الصارمة التي تفرضها جماعة الحوثي على مكامن تواجد المعادن بحثًا عن لقمة العيش

ويضيف لـ”المشاهد” أن جماعة الحوثي تلاحق المنقبين وتعمم بمنع التنقيب ومنع التعامل معهم في سوق الذهب

مستغلةً بذلك هذا الموضوع لصالحها عبر نافذين وشركات تنقيب محلية تابعة لها

ويحرم قانون المحاجر والمناجم اليمني رقم (24) لسنة 2002، التنقيب عن الذهب باعتباره ملكا للدولة

وتنص المادة (30) من هذا القانون على أنه “لا يجوز لأي شخص طبيعي أو اعتباري البحث أو الكشف أو الاستغلال أو المتاجرة بالمعادن أو الصخور الصناعية والإنشائية قبل الحصول على إذن مسبق وَفقًا لأحكام القانون ولائحته التنفيذية”

يقول مالك إن المعادن، ومنها الذهب، تنتج بالطبيعة من عوامل جيولوجية مختلفة أهمها، النشاط الماغماتي

حيث تنقل المصهورات الصاعدة معها عناصر معدنية تتبلور عند التبريد، سواءً كان ذلك تحت السطح أو على السطح، والعمليات التكتونية

حيث حركة الصفائح الأرضية تؤدي لتكوين بيئاتٍ مناسبة لتركيز المعادن (مثل نطاقات التصادم أو مناطق الانزلاق)، وعمليات التحول

ويغيّر الضغط والحرارة تركيبة الصخور وتؤدي إلى تكوين معادن جديدة

بالإضافة إلى التجوية والترسيب التي تؤدي إلى تركيز المعادن الثقيلة في بعض الأنهار والسهول الرسوبية

كما يمكن الاستدلال على وجود المعادن، بحسب مالك، من خلال الدراسات الجيولوجية ودراسة الخرائط الجيولوجية والتتابعات الصخرية، والدراسات الجيوكيميائية

وتعتمد على تحليل عينات من التربة أو المياه للبحث عن عناصر مرافقة للمعادن، والدراسات الجيوفيزيائية والمتمثلة بقياس الشذوذات المغناطيسية والكهربية أو الجاذبية، والمسوحات الجوية باستخدام الصور الجوية والفضائية لرصد التركيب السطحي والبنية الجيولوجية، والاستكشاف بالحفر

وذلك بحفر آبار استكشافية لأخذ عينات مباشرة من التربة أو الصخور

ويؤكد أنّ اليمن غني بالثروات المعدنية، وما زالت الدراسات فيها محدودة لذلك تعتبر اليمن بكر من الناحية المعدنية

مشيرًا إلى أنّ أهم مناطق تواجد المعادن في اليمن التي تم التعرف عليها ومنها الذهب، هي منطقة الحارقة بمحافظة حجة

بالإضافة إلى مناطق وادي مدن بمحافظة حضرموت، ووادي شرمه بمحافظة شبوة

كما يتواجد بنسبٍ مختلفةٍ في أغلب المحافظات

وبحسب القاعدي، فإنّ أشهر مناطق تواجد الذهب التي يمارس فيها المواطنون عمليات التنقيب في محافظة حجة هي منطقة الحارقة

ويتواجد فيها أكبر منجم ذهب في اليمن

وتتبع مديرية أفلح الشام، ومنطقة السكابة التابعة لمديرية الكعيدنة، ومنطقة جبل بني ريبان التابعة لمنطقة العبيسة بمديرية كشر

الصحفي سعد القاعدي: أشهر مناطق تواجد الذهب التي يمارس فيها المواطنون عمليات التنقيب في محافظة حجة هي منطقة الحارقة

ويتواجد فيها أكبر منجم ذهب في اليمن

وتتبع مديرية أفلح الشام، ومنطقة السكابة التابعة لمديرية الكعيدنة، ومنطقة جبل بني ريبان التابعة لمنطقة العبيسة بمديرية كشر

وبحسب دراسة لوزارة النفط والمعادن بحكومة مجلس القيادة الرئاسي في عدن، تحت عنوان “فرص الاستثمار في المعادن الفلزية في اليمن”، فإنّ المعلومات المتوفرة تشير إلى أن الذهب يوجد مصاحبًا لترسبات معادن فلزية أخرى كالنحاس والارزينوبيرايت بهيئة متناثرة في الصخور الحاوية للتمعدن

وأشارت نتائج الدراسات الاستكشافية التي اشتملت على مسوحات جيولوجية وجيوكيميائية إلى وجود أكثر من 50 موقعًا لتواجد الذهب في اليمن، أعلاها نسبة تلك المتواجدة في محافظة حجة

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير