حسين الوادعي : النار المؤقتة والجنة الدائمة

منذ سنة

كان هناك حرية ملحوظة في النقاشات حول الجنة والنار في التراث، وهي الحرية التي تراجعت اليوم تحت ضربات عصور الانحطاط

 على سبيل المثال طرح الأقدمون مسألة العذاب الأبدي بصراحة، وقالوا إنه ليس من العدل أن يعذب الله الناس إلى الأبد بسبب ذنوب ارتكبوها في خمسين أو ستين سنه

لهذا قال بعضهم إن المذنبين سيعذبون لفترة معينة بما يتناسب وخطاياهم ثم يدخلون الجنة، وقال البعض مثل الجهم بن صفوان بفناء الجنة والنار معا

 في القرن العشرين قال الشيخ محمد عبده بصراحة انه لا يؤمن بالعذاب الأبدي، أي لا يؤمن بخلود الكفار جهنم

بل ان واحدا من رموز الحنبلية، رغم ما عرف عنهم من تشدد، هو ابن القيم الجوزية قال بفناء النار وأنكر العذاب الأبدي

 أما ابن رشد وغيره من الفلاسفة فانكروا البعث الجسدي، وقالوا ان الأرواح فقط هي من ستبعث وتحاسب

وكانت دليلهم إن أجساد الموتى تتحلل وتدخل في خلق كائنات حية أخرى وأناس آخرين وبالتالي يصبح الجسد المتحلل للميت داخلا في تكوين أكثر من كائن حي! ولو تأملنا في قولهم هذا فهو في حقيقته مقدمة لفهم مجازي للحياة الآخرة وفهم مجازي للجنة والنار

فالبعث الروحاني يقتضي أن نعيم الجنة وعذاب النار سيكون متناسبا مع هذه الأرواح، أي نعيما معنويا ومجازيا، وستكون الجنة والنار بالضرورة مخلوقات معنوية ومجازية! إلى جانب هذه الآراء الجريئة كان هناك أيضا الرأي الذي يتمسك بالفهم الحرفي وبخلود الجنة والنار، وكانت هذه الاراء تتعارض وتتلاقح دون في جو نسبي من الحرية

 إن أغلب معارفنا عن الجنة والنار مستقاة من اجتهادات وخيالات الفقهاء والاخباريين في القرون الإسلامية الأولى، وكلها تصورات بدوية صحراوية ساذجة عن الأنهار والأشجار والظلال وكل ما يفتقده المرء في مجتمع صحراوي

 لذا يجب أن يظل النقاش حول معنى الغيبيات مفتوحا وأن لا يغلق بسبب السطوة الأصولية التي جمدت العقل الاسلامي في عصر الانحطاط واعادت تجميده في عصر الصحوة