حمود العودي : جهود تنقيح الموروث الفقهي.. مشروع يتجاوز الفرد ويستدعي المؤسسات

منذ 7 ساعات

حمود العودي يُعد الباحث عصام القيسي نموذجا نادراً في الساحة الفكرية اليمنية خاصةً والعربية على وجه العموم والاسلامية على وجه أشمل ؛حيث يخوض بوعي ودراية ملفتة معركة تنقيح الموروث الفقهي الإسلامي، متسلحاً بالمنهج العلمي والدراسة العميقة، بعيداً عن الأهواء والمصالح السياسية

 إن جهود الأخوين القيسي عصام وعبدالله ود

شوقي القاضي وفضل مراد ، رغم أهميتها الكبرى، تتجاوز قدرات أي فرد مهما بلغت إمكانياتهم، فهي تحتاج إلى مؤسسات بحثية متخصصة ذات إمكانيات عالية قادرة على تفكيك التراث الفقهي وإعادة قراءته قراءة نقدية منصفة

لقد تعرض الفقه الإسلامي عبر العصور لزيادات وتحريفات أدخلها الحكام السياسيون وفق أهوائهم وسياقاتهم السلطوية، بعيداً عن صحيح دين الله كما أنزله على نبيه محمد ﷺ

هذه الزيادات لم تكتفِ بتغيير الأحكام، بل شوهت جوهر الإسلام السمح، وحولت الدين إلى ساحة صراع بين المذاهب والطرق، حيث انقسم الناس إلى معسكرات متناحرة ؛ مؤمنين وكفار

سنة وشيعة

أشاعرة وسلفيين، وغير ذلك من التصنيفات التي لم تكن في أصل الرسالة الإسلامية

 ومع ذلك ما يقدمه عصام القيسي اليوم هو خطوة شجاعة في مسار طويل يحتاج إلى جهد جماعي، إذ إن إعادة النظر في الموروث الفقهي تتطلب أدوات بحثية رصينة، ومراكز دراسات تمتلك القدرة على فرز الحقائق من التأويلات السلطوية التي صيغت عبر العصور لخدمة الحاكم لا الدين

ومن هنا ؛ فإن دعمه وإسناده ليس خياراً بل ضرورة لكل من يؤمن بأن الدين جاء رحمة للعالمين، لا أداة للفرقة والتمييز بين البشر،أو التحكم بمصائرهم وحقوقهم

  وصار من الضرورة وجود خطاب فقهي جديد يعيد الدين إلى جوهره، بعيداً عن الإضافات التي فرضتها الظروف السياسية والاجتماعية عبر العصور

وإذ نثمن جهود عصام القيسي، فإننا ندعو إلى تأسيس مراكز بحثية متخصصة، أو دفع المؤسسات الدينية كالأزهر الشريف والزيتونة والجامعات إلى أن تتولى مسؤولية تنقيح الموروث الفقهي وإعادة قراءته بما يتوافق مع مقاصد الإسلام الكبرى في العدل والرحمة والتوحيد، بعيدًا عن النزعات المذهبية والتفسيرات المتحيزة

  انتقادات علي البخيتي

تأكيداً على أهمية مشروع عصام القيسي في سياق الجدل الدائر حول جهود الباحث عصام القيسي في تنقيح الموروث الفقهي، برزت انتقادات من قبل الكاتب علي البخيتي، حيث شكك في منهجية القيسي وحجية ما يقدمه في هذا الصدد

الأستاذ علي البخيتي يطرح نقداً حاداً للباحث عصام القيسي، لكنه يتجاوز النقد العلمي إلى السخرية الشخصية والاتهام بالمروق عن الإسلام

!!من حق أي شخص أن يختلف مع أطروحات القيسي وغيره فلا أحد فوق النقد بل العكس، لكن الإنصاف العلمي يقتضي تفنيد أفكاره بالحجة والدليل، وليس بالتشكيك في نواياه أو تسفيه اجتهاداته

والتجديد في قراءة التراث ليس صناعة جديدة ولا مؤامرة عزيزي علي ، بل هو امتداد لحركة اجتهادية قديمة بدأت منذ عهد الصحابة واستمرت مع أئمة المذاهب أنفسهم، الذين لم يغلقوا باب الاجتهاد ولم يدّعوا امتلاك الفهم المطلق للإسلام ،وبالتالي فإن رفض الحوار المباشر ليس حجة كافية لإسقاط الأطروحات، فكم من عالم ومفكر أثرى الفكر الإسلامي دون أن يخوض مناظرات، وقيمة الأفكار تُقاس بمحتواها، لا بمناظراتها الإعلامية

ما يطرحه القيسي – سواء اتفقنا معه أو اختلفنا – هو اجتهاد فكري يستحق النقاش الجاد والموضوعي، وليس التخوين والتسخيف

والأهم من ذلك، أن يكون النقد قائمًا على تفنيد الأفكار بالحجة، وليس بالانتقاص الشخصي أو اتهام النوايا

 ومع احترامنا لحق الجميع في النقد وإبداء الرأي، إلا أن من الضروري توضيح بعض النقاط التي تعزز من مصداقية وأهمية مشروع القيسي

 أولًا:تجدر الإشارة إلى أن علي البخيتي نفسه قد أثنى في مناسبات سابقة على انفتاح عقل القيسي وجرأته في طرح التساؤلات ففي تغريدة له، وصف البخيتي القيسي بأنه من أكثر العقول تفتحاً، وأشار إلى شجاعته في مواجهة التيارات الإسلامية وإثارة التساؤلات من قلب الفكر الإسلامي

هذا التناقض يثير تساؤلات حول دوافع الانتقادات الحالية ومصداقيتها

 ثانيًا: لا يمكن إنكار عقلية البخيتي المتفتحة والناقدة كشاب يمني واعد يمتلك قدرة على التأثير، ويعمل في جو صحي بين الرأي والرأي الآخر، لكن من دون منهج علمي موضوعي يدعم حججه

وهذا ما يجعل نقده أقرب إلى المواقف الجدلية منه إلى الدراسة النقدية المنهجية التي تعتمد على البحث العلمي الصارم؛ وبالتالي خسرنا عقلية ناقدة وشجاعة

 ثالثًا: يعتمد القيسي في مشروعه على منهجية علمية رصينة، مستندة إلى دراسات معمقة وتحليلات نقدية للموروث الفقهي من خلال برنامجه الأجندة على قناة بلقيس الفضائية، ومقالاته المنشورة على منصات معروفة مثل الجزيرة نت، يقدم العزيز عصام القيسي رؤى مستنيرة تهدف إلى إعادة قراءة التراث الديني بعيدا عن التأثيرات السياسية والتحريفات التاريخية على سبيل المثال، في إحدى مقالاته على الجزيرة نت، يتناول القيسي موضوع الفتنة وأثرها على المجتمعات الإسلامية، مسلطا الضوء على التفسيرات المغلوطة التي أدت إلى تشويه المفهوم الأصلي للدين

 أعجمي القرآن

جدل قبل البث وهجوم غير مبرر

    الجمهور اليوم بانتظار برنامج القيسي الجديد أعجمي القرآن، وهو من إعداد وتقديم الباحث الجاد عصام القيسي يتناول البرنامج ( بحسب مقدم البرنامج)قضية علمية بحتة تتعلق بأسماء الأعلام الأعجمية التي وردت في القرآن الكريم، والتي اتفق جمهور العلماء على أصلها الأعجمي بدون خلاف

ومع ذلك بدأت بعض الأصوات المتشددة بمهاجمة البرنامج حتى قبل أن يبث، بل قبل أن يتم تصويره! في تعليق له على هذه الهجمات

كتب القيسي:بدأت قطعان من جهلة المتدينين الهجوم على برنامج أعجمي القرآن حتى قبل أن يذاع

بل قبل أن يصور!

إلى الآن لم نصور حلقة واحدة، والقوم لا يكفون عن اتهامه بالمروق والزندقة!

مع أن بوستر البرنامج أخبرهم أن جمهور العلماء مع هذا الرأي!

وفي الحقيقة أن البرنامج يتناول أسماء الأعلام التي اتفق جميع العلماء على أصلها الأعجمي بدون خلاف!

أظن أن هذه الحالات تكفي لمعرفة كيف يفكر هؤلاء، وهل هم مؤهلون علميًا وعقليًا وأخلاقيًا لما يتصدون له أم لا

  في تقديري بأن هذه الهجمة الاستباقية تكشف عن أزمة في التعامل مع البحث العلمي في المجتمعات الإسلامية، حيث يُهاجم أي اجتهاد جديد دون حتى الاطلاع عليه، وهذا يعيدنا إلى أهمية توفير بيئة علمية حرة يتمكن فيها الباحثون من تقديم أفكارهم دون تعرضهم للتخوين أو التشكيك المسبق

 قناة بلقيس

منبراً واعداً للفكر الحر وفتح الآفاق لا يمكن الحديث عن هذه النقاشات الفكرية دون الإشادة بالدور الرائد الذي تلعبه قناة بلقيس الفضائية في إتاحة هذا المنبر الحر للباحثين والمفكرين لمناقشة قضايا حساسة كانت محظورة في السابق من خلال تقديم مساحة حوارية مفتوحة، تمكن القناة الباحثين مثل عصام القيسي من طرح أفكارهم ومناقشتها بشكل علني، مما يسهم في إثراء الحوار الفكري والديني في المجتمع، ويدفع عجلة التجديد الديني القائم على البحث والدليل العلمي

 ويبقى التأكيد بأن النقد البناء مرحب به دائماً، شريطة أن يستند إلى حقائق ومعطيات موضوعية

أما التشكيك غير المبرر في جهود باحثين مجتهدين مخلصين كعصام القيسي ، فإنه لا يخدم سوى تأجيج الخلافات وإعاقة مسيرة الإصلاح الفكري والديني التي نحن بأمس الحاجة إليها في هذا العصر