خارطة استثمار جديدة بقيمة 270 مليار دولار تعيد صياغة الشراكة السعودية الأميركية
منذ 2 ساعات
اختُتم المنتدى في واشنطن بحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، تحت شعار الريادة من أجل النمو: تعزيز الشراكة الاقتصادية بين المملكة والولايات المتحدة
المشاركة القيادية عكست المقصود: هذا حدث مُصمّم ليُخرج العلاقة من لغة العموميات إلى قوائم مشاريع قابلة للقياس
وزير الاستثمار خالد الفالح ربط بين زيارة الرئيس الأميركي للرياض في مايو وما ترتّب عليها من التزامات تكنولوجية ضخمة، وبين كون عام 2025 محطة مفصلية تُنقل فيها الشراكة من موجة تعهّدات أولى إلى موجة توقيعٍ وتمويلٍ وتنفيذ
في هذا الإطار، جاء الإعلان عن حزمة اتفاقيات نوعية تمتد عبر الدفاع والطاقة والذكاء الاصطناعي والمعادن النادرة والتمويل، بما يخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في البلدين، ويُحوِل الشعار إلى خطوط إنتاجٍ وسلاسل توريدٍ ومراكز بيانات ومصانع معدات متقدمة
اتفاقيات بمئات المليارات: اقتصاد سياسي بلغة الأرقامقيمة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المُعلَن عنها—نحو 270 مليار دولار—تَحمل أكثر من دلالة مالية
أولاً، هي إشارة ثقة في بيئة الأعمال السعودية بعد عقد من التحوّل ضمن رؤية 2030: تضاعف الناتج المحلي والاستثمارات المحلية، وتزايد تدفقات الاستثمار الأجنبي أربع مرات (90% منها للقطاعات غير النفطية)، مع تصنيف ائتماني قوي ودين منخفض وتضخم تحت السيطرة وسعر صرف مستقر
ثانياً، هي إعادة تشكيل لسلاسل القيمة المشتركة: استثمارات أميركية توطّن صناعات متقدمة داخل المملكة، مقابل عقود تصنيع وخدمات أميركية عالية القيمة تُغذّي الطلب والوظائف في ولاياتٍ عديدة
وثالثاً، تُعيد هندسة مزيج النمو في العلاقة الثنائية من نفط مقابل سلع وخدمات إلى تكنولوجيا وصناعات تحويلية وطاقة نظيفة ودفاع ذكي
دفاع مؤسس وشراكات تقنية: من الحليف خارج الناتو إلى إطار تنفيذسياسياً، أعلن الرئيس الأميركي اعتماد المملكة حليفًا رئيسياً من خارج الناتو، بالتوازي مع توقيع اتفاق دفاع إستراتيجي
هذه ليست صفة رمزية؛ هي بوابةٌ لتسهيل التعاون العملياتي ونقل المعرفة ورفع كفاءة المشتريات الدفاعية
إلى جانبها، وُقعت الشراكة الإستراتيجية للذكاء الاصطناعي—من السحابة والبنية التحتية إلى التطبيقات الصناعية—والإعلان المشترك لاكتمال مفاوضات التعاون في الطاقة النووية المدنية، وإطار استراتيجي لتأمين سلاسل إمدادات اليورانيوم والمعادن الحرجة والمغانط الدائمة، وترتيبات للشراكة المالية والاقتصادية وتسهيل الاستثمارات السعودية، والاعتراف المتبادل بالمواصفات الفيدرالية لسلامة المركبات، ومذكرة تفاهم في التعليم والتدريب
الصورة الكاملة تقول إن الأمن القومي والأمن الاقتصادي يُدمجان في رزمة واحدة، بحيث تُدار المخاطر التقنية والتمويلية واللوجستية من نقطة تحكّم مشتركة
أرامكو على خط واشنطن: 17 اتفاقية تتجاوز 30 مليار دولار… وتراكمٌ إلى 120 ملياراًفي الطبقة القطاعية، تقدمت أرامكو إلى الواجهة بوصفها أحد أهم جسور الشراكة العملية
الشركة العملاقة أعلنت توقيع سبع عشرة مذكرة واتفاقية مع شركات أميركية بقيمة تتجاوز 30 مليار دولار عبر مجموعة شركاتها، استكمالًا لأربع وثلاثين مذكرة وقعت في مايو بقيمة تقترب من 90 مليار دولار، ليقترب إجمالي فرص التعاون مع الشركاء الأميركيين من 120 مليارًا
خارطة هذه الاتفاقيات تتوزع على الغاز الطبيعي المسال والخدمات المالية وتصنيع المواد المتقدمة وتوريد المواد والخدمات، بما ينسجم مع استراتيجية النمو وتعظيم قيمة المساهمين
رئيس أرامكو أمين الناصر أعاد التذكير بأن الشريك الأميركي حاضر في قصة الشركة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، من أول برميل نفط خرج من باطن الأرض إلى توسع أعمال الغاز والرقمنة والذكاء الاصطناعي
الرزمة الحالية، كما قدمها الناصر، لا تكتفي باستدعاء التاريخ بل تحاول تحويله إلى منصة انطلاق لمرحلة ابتكار جديدة تقاس بالإيرادات والتقنيات والمحتوى المحلي، وتربط بين عمق الشراكة وعمق سلاسل القيمة المضافة
الولايات المتحدة أكبر مستثمر أجنبي: ماذا يعني ذلك لزخم 2026؟الفالح لَفَتَ إلى أن الولايات المتحدة تمثل ربع إجمالي الاستثمارات الأجنبية في المملكة، وأن غالبية هذه الشركات حضرت المنتدى
هذا الثقل يعد بأثرٍ تراكمي في 2026: مشاريع الطاقة والبنية الرقمية تحتاج دورات إنفاق متعددة السنوات، ما يُرسخ خط أنابيبٍ من العقود والدفعات والمناقصات والخدمات الممتدة
الإطار الإستراتيجي لتسريع الاستثمارات وتسهيل الإجراءات يُقلص فجوة الزمن بين التوقيع ووضع الحجر الأول، ويُسرِّع انتقال الاستثمارات من وضع التعهّد إلى الأصول قيد التشغيل، وهو تفصيل بالغ الأهمية في القطاعات كثيفة رأس المال
معادن ووقود للطاقة الجديدة: سلاسل إمداد تُبنى على ضفتي الأطلسيفي خلفية النقاش الاقتصادي، يرتسم ملف بالغ الحساسية يتعلق بسلاسل إمدادات اليورانيوم والمعادن الحرجة والمغانط الدائمة
الموضوع هنا لا يتعلق بمسطرة تقنية في هوامش الاتفاقيات، بل بصميم تنافسية السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح وتقنيات تخزين الطاقة والإلكترونيات المتقدمة
الإطار الموقع بين الطرفين يرسم ممراً استراتيجياً مزدوج الاتجاه يجمع التمويل والتقنية والخبرة الأميركية مع القدرات التشغيلية واللوجستية والتوطين الصناعي في المملكة، بما يقلل من اعتماد هذه السلاسل على مناطق شديدة الحساسية جيوسياسياً ويرفع مناعة الصناعات أمام الصدمات
النتيجة المتوقعة، إذا ما سارت الأمور وفق المخطط، هي قدرة أكبر على استيعاب الاستثمارات الخضراء وتسريع الجدول الزمني لمشاريع التحول الطاقي، سواء في السوق السعودية أو في الأسواق التي ترتبط بها عبر هذه السلاسل
السياسة والبرلمان والتوقيت: تحديات التنفيذكما في محطات مشابهة، يبدأ الامتحان الفعلي بعد أن تنطفئ اضواء القاعات
بعض الترتيبات يحتاج إلى مرور عبر البرلمان الأميركي ومسار تشريعي ليس معزولاً عن مناخ الاستقطاب في واشنطن، وسلاسل التوريد العالمية مطالبة بإثبات قدرتها على التقاط موجة الطلب الجديدة في ظل طاقات إنتاجية مشدودة
في المقابل، تظهر مؤشرات تحوط مسبق عبر إطار استراتيجي شامل، واتفاق دفاعي يوفر مظلة استقرار، وادوات تمويل قادرة على امتصاص جزء من تقلبات السوق
هذه العناصر مجتمعة لا تلغي المخاطر، لكنها تخفض احتمالات التعثر وتحافظ على زخم سياسي واقتصادي يفترض أن يمتد إلى 2026 وما بعدها
من المنتدى إلى المصانع: ما الذي ينبغي مراقبته الآن؟المرحلة التالية تُقاس بمؤشرات ملموسة على الأرض
جداول الإغلاق المالي لمشاريع الغاز الطبيعي المسال والمواد المتقدمة، عقود توريد المغانط الدائمة والمعادن الحرجة، مسار الترخيص لمشاريع الطاقة النووية المدنية، الإعلان عن مواقع المصانع وخطوط التجميع ضمن سلاسل السيارات والمعدات، وتفاصيل استثمارات الذكاء الاصطناعي من سعة مراكز البيانات وعقود الخدمات السحابية وبرامج نقل المعرفة
إذا تحركت هذه المسارات وفق الإيقاع المعلن، فإن مبلغ 270 مليار دولار سيتحول من عنوان كبير في منتدى استثماري إلى زيادة قابلة للقياس في الناتج والوظائف والصادرات غير النفطية، وإلى شراكة ثنائية تدار بعقلية محفظة مشاريع لا قائمة أمنيات
* رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتينقلا عن : النهار العربي