خير الله خير الله : ترامب… وسياسة العلاج بالصدمات
منذ 6 ساعات
خير الله خير الله في شهر واحد، منذ دخوله البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني – يناير الماضي، قلب دونالد ترامب العالم
قلب في الوقت ذاته الولايات المتحدة نفسها بعدما وضع إيلون ماسك أغنى أغنياء العالم في الواجهة ودعاه إلى تغيير مفاهيم صرف الأموال الحكومية الأميركية
لجأ ترامب إلى العلاج بالصدمات
اعتمد أسلوبا عجيبا غريبا يتوقع الرئيس الأميركي أن تكون له نتائج في غزّة أو في أوكرانيا، تحديدا
يؤكّد الانقلاب الترامبي الخروج بدعوة إلى تهجير أهل غزّة، أي تهجير مليوني فلسطيني، من أرضهم
خرج بمشروع لا أفق سياسيا له على الرغم من أنّه لا يمكن إنكار مسؤولية “حماس” عن اندلاع حرب استغلتها إسرائيل إلى أبعد حدود
استغلت إسرائيل حرب غزّة من أجل إزالة القطاع، البالغة مساحته 365 كيلومترا مربّعا، من الوجود
المضحك المبكي أنّ “حماس” تحتفل حاليا بانتصارها في غزّة رافضة أن تأخذ علما بأن القطاع صار أرضا طاردة لأهلها بفضل “طوفان الأقصى”
هذا التطور سمح لدونالد ترامب بطرح نظريته المستهجنة التي استطاع الجانب العربي استيعابها، وإن ليس كلّيا
على هامش مأساة غزّة، لا تفسير منطقيا، باستثناء الرغبة في قلب الحقائق، لخطوة ترامب تبرئة فلاديمير بوتين من العملية العسكريّة ذات الطابع الوحشي التي شنّها قبل ثلاث سنوات على دولة مسالمة، هي أوكرانيا
انضمّ ترامب إلى بوتين في حملة مباشرة على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بصفة كونه “دكتاتورا غير منتخب” و“غير كفء”
غض الطرف عن ارتكابات الرئيس الروسي، الذي هو دكتاتور بامتياز، وحساباته السياسيّة والعسكريّة الخاطئة التي قادته إلى إشعال حرب هي في الواقع حرب على أوروبا
تبدو أوروبا الهدف من إعادة الحياة إلى الأوهام التي يتمسّك بها فلاديمير بوتين الذي يؤمن بأن زوال الاتحاد السوفياتي كان خطأ كبيرا وأنّ ثمة مجالا لإعادة الحياة إليه
يحلم بوتين باستعادة الهيمنة على جزء من أوروبا، كما كانت عليه الحال قبل سقوط جدار برلين، بمساعدة من دونالد ترامب!بغض النظر عن الفساد الذي تعاني منه أوكرانيا، وهو يشبه إلى حدّ كبير الفساد في روسيا، بل هو جزء لا يتجزّأ منه، ليس لدى دونالد ترامب من دروس يلقيها على أحد، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالمعايير الأخلاقية
ليس سرّا أنّ روسيا هاجمت أوكرانيا في الـ24 من شباط – فبراير 2022
استخدم بوتين حججا واهية لتبرير حملة عسكريّة كان يعتقد أنّها ستكون نزهة قبل أن يفاجأ بفشل الجيش الروسي، بسلاحه المتخلف، الذي كان قادته يعتقدون أن السيطرة على العاصمة الأوكرانيّة كييف لن تستغرق أكثر من أسبوع
في الطريق إلى كييف، التي لم يستطع الجيش الروسي دخولها، كان الجنرالات الروس يلمّعون الأوسمة العسكرية التي على صدورهم استعدادا لعرض عسكري، لم يحصل، في العاصمة الأوكرانيّة
كان من نتائج حرب أوكرانيا ارتماء روسيا في الحضن الصيني
لم يجد بوتين مكانا يلجأ إليه غير الصين التي استغلت ضعف روسيا التي كانت في منافسة معها منذ سبعينات القرن الماضي
وفّرت الحرب الأوكرانيّة فرصة للصين كي تحسم أخيرا المنافسة بينها وبين روسيا
تعرف الصين مدى أهمّية روسيا وتعرف خصوصا نقاط ضعفها
روسيا بلد غني بالمعادن الثمينة لكنّها تعاني من عجز عن تطوير نفسها في ضوء العجز عن إقامة اقتصاد قابل للحياة
ليس لدى روسيا ما تصدّره غير السلاح
تصدّر سلاحا متخلّفا تستورده بعض الدول ذات الأنظمة الدكتاتورية من أجل قمع شعوبها… أو حصول حكامها على عمولات
في الواقع، لولا النفط والغاز والسلاح لما كان لدى روسيا دخل
على العكس من الصين لا وجود لأي منتج روسي في منزل المواطن الروسي
من البراد… إلى مكيف الهواء، مرورا بالغسّالة، كل ما في المنزل مستورد
تبدو خطوة ترامب الهادفة إلى إخراج فلاديمير بوتين من المأزق الذي وضع نفسه فيه مستغربة إلى أبعد حدود
لا تفسير آخر لما قام به الرئيس الأميركي غير انتزاع الورقة الروسية من الصين
يبدو نهج الرئيس الأميركي غريبا، بدءا بنظرته إلى مستقبل غزّة وانتهاء بالتقارب مع روسيا على حساب أوكرانيا
يظلّ أخطر ما في الأمر أنّ ترامب يثير كلّ المخاوف الأوروبيّة، خصوصا أنّ كلّ دولة من دول القارة العجوز تشعر بأنّها باتت مهددة في حال حقّق بوتين انتصارا في أوكرانيا
توجد إيجابية وحيدة للعلاج بالصدمات الذي اعتمده ترامب
على الصعيد العربي، بدأت، بمبادرة سعوديّة، مشاورات عربيّة تستهدف وضع خطة بديلة من تلك التي طرحها الرئيس الأميركي
خطة عربيّة تقنع دونالد ترامب، في نهاية المطاف، بأنّ لا بد من صيغة تأخذ في الاعتبار وجود شعب فلسطيني، لا تستطيع إسرائيل تجاوزه، كونه موجودا على الخريطة الشرق أوسطيّة
بكلام أوضح توجد حاجة إلى استخدام سياسة الصدمات مع إسرائيل أيضا، خصوصا أن ثمّة قناعة عربيّة تولّدت فحواها أنّ لا مكان لـ“حماس” في حال كان مطلوبا إعادة إعمار غزّة وعودة سكانها إليها
انتفضت أوروبا، بما في ذلك ألمانيا التي تمثّل القوة الأكبر فيها، في وجه ترامب
هل في استطاعة أوروبا، بكل مشاكلها، الرد على الرئيس الأميركي عبر توفير الدعم الكافي الذي يسمح لأوكرانيا بالصمود؟سيتقرر مصير سياسة العلاج بالصدمات في غزّة وفي أوكرانيا
ليس منطقيا ألّا يرى دونالد ترامب غزّة سوى من منظار اليمين الإسرائيلي… وليس منطقيا أنّ تذهب أوروبا ضحية رئيس أميركي لا يرى عيبا في فلاديمير بوتين الذي وجد نفسه مضطرا للاستعانة بكوريين شماليين في حربه على أوكرانيا
هل يستطيع دونالد ترامب التعامي عن الوجود العربي، وليس فقط الفلسطيني، في الشرق الأوسط إلى ما لا نهاية؟ هل يستطيع تجاهل أن ليس في استطاعته الانتصار على الصين اقتصاديا بالاعتماد على فلاديمير بوتين… والتخلي عن أوكرانيا، بالتالي عن أوروبا؟نقلا عن العرب