د. أحمد قايد الصايدي : ليتهم صمتوا الآن

منذ سنة

  هناك مثل يتردد دائماً (الحي أبقى من الميت)

لكن هذا المثل يجد عندنا ترجمة معاكسة، فنهتم بالميت ونهمل الحي

ولعل السبب في هذا أن الاهتمام بالحي له تبعات، أما إظهار الاهتمام بالميت، فلا يترتب عليه سوى بعض الكلمات، التي لا تكلف شيئاً

وهذا ما رأيناه في حالة المناضل الوطني الكبير يحي محمد الشامي رحمه الله رحمة الأبرار

فما أن أغمض عينية وأسلم روحه الطاهرة إلى بارئها، حتى ظهر اهتمام الجهات المسؤولة به، وعبرت عن حزنها لرحيله ببيانات النعي وعبارات المواساة الطيبة، لأسرته المكلومة

 إن حزن اليمنيين عادة لا يكون حزناً مصطنعاً ولا تعزياتهم نفاقاً ولا مواساتهم مجاملة

ولكن لماذا لا تظهر هذه العواطف الإنسانية، إلا عند الموت

وتتوارى عندما يكون الشخص مريضاً وأهله يعانون معه ويتوجعون لتوجعه، لماذا لم يلتفت من يتبوأون المواقع الرسمية العليا إلى رجل أعطى اليمن كل عمره، ولم يبخل، ولم يكن شخصاً مجهولاً، يمكن تجاهله في مرضه، وتجاهل معاناة أسرته؟  كان يحي الشامي، قامة وطنية شامخة، وتاريخاً مضيئاً وتجسيداً حياً للطهر والعفة والنزاهة والبذل والعطاء ونكران الذات

فما بالهم تجاهلوه في مرضه، ثم تسابقوا في نعيه، وفي إظهار حزنهم عليه عندما رحل عن هذه الدنيا الفانية؟  لماذا يعترفون الآن فقط بدور هذا المناضل الوطني الكبير الزاهد النقي، ويشيدون بأخلاقه ويظهرون حزنهم على رحيله؟ أين كانوا عندما كان مريضاً، ومحتاجاً إلى هذه العواطف وهذه المشاعر، وإلى ما هو أكثر من ذلك، إلى إطلاق مرتبه وتأمين علاجه، وتوفير سرير له في إحدى المستشفيات الحكومية، ولا نقول المستشفيات العربية أو الأجنبية، حيث يتعالج بعض المتمارضين من ذوي النفوذ والثروة، ممن وصلوا إلى مواقع السلطة والثروة، دون استحقاق ودون تاريخ ودون أن يعطوا الوطن بعض ما أعطاه هذا المناضل الوطني الكبير

إنني لا أتحدث هنا عن شخص لم يجد سبيلاً للإثراء كآخرين، بل عن شخص كانت أبواب الثروة مفتوحة أمامه، عبر العمل السياسي، الذي غدا تجارة أكثر ربحاً من أي تجارة أخرى، حقق كثيرون عبر ممارسته ثروات طائلة، تؤمن لهم حياتهم وحياة أسرهم وحياة أحفاد أحفادهم، أتحدث عن يحي الشامي، الطهر والعفة والنزاهة المتجسدة في إنسان

رفض أن يستلم راتباً مغرياً، إذا لم تصرف رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين جميعهم، ورضي أن يشارك أبناء شعبه الطيبين عوزهم وحاجتهم، دون أن يكون مضطراً إلى ذلك

فقد أثرى من هم دونه قدرة ومكانة وتاريخاً

ولكنه الضمير الوطني والتربية السياسية السوية، التي نشأ عليها يحي وبعض أبناء جيله ورفاق دربة، وأضحت نادرة في هذه الأيام

  في 25 نوفمبر الماضي 2022م كتبت مقالاً بعنوان (المناضل الإنسان، يحي محمد الشامي)، وجد صدى وتعاطفاً، لدى من لا يتبوأون مواقع رسمية، ممن لا حول لهم ولا قوة

ولكنه لم يجد صدى لدى من وُجه المقال إليهم، من شاغلي المواقع العليا في السلطات المتعددة على رقعة الوطن الممزق

وهؤلاء أنفسهم، الذين لم يبدوا اهتماماً به وهو حي مريض، كانوا أسرع الناس إلى إصدار بيانات النعي والتعزية والمواساة والتعبير عن الحزن والأسى، عند رحيله

لقد صمتوا عندما كان الكلام والفعل مطلوبين، فلماذا لم يصمتوا الآن، وقد أضحى كلامهم بلا جدوى وحزنهم بلا معنى؟