د. تركي القبلان : الفوضى كوظيفة سياسية: من يصنع الانهيار في العالم العربي ؟
منذ 4 ساعات
د
تركي القبلان لا يمكن النظر إلى حالات الفوضى الممتدة من السودان إلى اليمن وليبيا والصومال بوصفها أزماتٍ معزولة أو نتاج إخفاقات محلية بحتة ، بل تبدو – في جوهرها – تعبيرًا عن نمطٍ سلوكي واحد يتكرر بأدوات مختلفة وساحات متعددة
هذا النمط يفترض وجود «محركٍ أساسي» للفوضى تتقاطع عنده مصالح قوى إقليمية ودولية ، ويُدار عبر تفكيك الدول وإطالة الصراعات وإدامة هشاشة السلطة بدل حسمها أو إصلاحها
إن المسؤولية السياسية والأخلاقية تقتضي الانتقال من إدارة نتائج الفوضى إلى تقصّي أسبابها، ومن معالجة الأعراض إلى تشخيص الفاعل المحرّك لها
فبدون “تحديد هذا المحرك” ستبقى أي حلول جزئية أو تسويات موضعية مجرد أدوات لتدوير الأزمة لا إنهائها
شعوب هذه الدول لا تطلب المستحيل؛ مطلبها الجوهري هو الأمن والاستقرار والحد الأدنى من من أمكانيات الدولة القادرة على حماية الحياة والكرامة
واستمرار العبث بهذه المطالب والزجّ بالأرواح في صراعات بالوكالة أو مشاريع تفكيك مقنّعة بشعارات سياسية أو أخلاقية ، لا يخدم في المحصلة إلا منظومات الهيمنة العابرة ، وفي مقدمتها “المشروع الصهيوني العالمي” الذي لا يزدهر إلا في بيئات الانقسام والفوضى وتآكل الدول الوطنية
من هنا: فإن التعامل مع هذه الحالة لا يكون بالمجاملات السياسية أو الخطابات الإنشائية ، بل بموقفٍ واضح: إما مناصحة صريحة لهذا المحرّك إن كان شريكًا قابلاً للتصحيح ، أو مواجهته سياسيًا واستراتيجيًا إن ثبت أنه يتغذّى على الفوضى بوصفها وظيفة
فالأمن الإقليمي ليس ترفًا بل شرط وجود ، وأرواح الشعوب ليست مادةً للاختبار ولا أوراقًا في صراعات الآخرين