د. عبدالقادر الجنيد : أوراق ضغط عند تشي وترامب ورشاد العليمي
منذ 4 أيام
د
عبدالقادر الجنيد نحن الآن نعيش في زمن إسمه: عصر ضد العولمة
أيام كلينتون— يعني أيام ما كان الرئيس صالح يحارب الرئيس البيض في اليمن- كانت قمة أيام عصر العولمة
كلينتون، كان هو الذي ابتكر مقولة أن أمريكا سوف تقوم بتغيير الصين عن طريق التشابك Engagement وليس الإشتباك Confrontation وهذا يعني ربطها بمصالح عظيمة بحيث يصبحوا جميعا أصدقاء أحباء
**أولا: الرئيس دنج— إلهام نفط الصين**الرئيس الصيني دنج شياو بينج Deng Xiaoping هو باني النهضة الاقتصادية الصينية بعد رحيل الرئيس ماو وهو الذي قال أن الصين يجب ألا تدخل في أي صراع أو حرب لمدة ٥٠ سنة على الأقل لتبني نفسها أولا وبعدها يمكن أن تبدأ بالتفكير بالتصرف المعتاد للدول القوية
لكنه قال شيئا مهما آخرا، لم يلتفت له أحد
في ١٩٩٢، نزل الإلهام على مخ الرئيس دنج وصرح بأنه سوف يجعل من معادن الأرض النادرة: نفط الصين
في منتصف التسعينات- قمة عصر العولمة- كانت الدنيا سداح مداح في الاستثمارات الأجنبية داخل أمريكا وأجبرت أمريكا الصين أن تفتح أسواقها أيضا لأمريكا وأوروبا للاستثمار واستيراد منتجاتها
وانفتح المجال لتنفيذ إلهام رئيس الصين
حرفنة صينية*حكومة أمريكا- أيام كلينتون- سمحت لمجموعة من الصينيين مرتبطون بحكومتهم بشراء شركة ماجنيكوينش Magnequench في ولاية انديانا التي كانت تُصنّع مغناطيس الرقائق الإلكترونية من معادن الأرض النادرة اللازمة لصناعة قلب الحواسيب hard drive والإلكترونيات وأنظمة إرشاد الطائرات النفاثة
كانت أمريكا، هي الدولة الرائدة والقائدة في تصنيع هذا النوع من المغناطيس في الرقائق الإلكترونية
فكفكوا المصنع*وكان الصينيون قد وعدوا بأن يبقى المصنع داخل ولاية انديانا
ولكن المصنع خرج من أمريكا (!)بعد سنوات قليلة، فكفك الصينيون المصنع ونقلوه إلى بلادهم
وهكذا فقد الأمريكيون الوظائف، وكذلك خسروا قيادة العالم في صناعة هذا المغناطيس
وهكذا طورت الصين صناعات الصواريخ وكل أنواع السلاح، وأغرقت أسواق العالم بالمنتجات المتطورة والألعاب وكل شيئ
**ثانيا: بوش يصدر المعدن النادر للصين**ثم جاء جورج بوش الإبن وعمل ما لم يعمله كلينتونفي ٢٠٠٥، أدرك الأمريكيون أن الصين، قد أصبحت المصدر الأول لخامات معادن الأرض النادرة
كانت أمريكا أيضا المنتج الأول للمعادن النادرة من منجم Mountain Pass في كاليفورنيا افتتح في ١٩٥٢، ولكن تم إغلاقه في ٢٠٠٢ بسسب تلوث البيئة، والإنتاجية المنخفضة، وعدم ضخ الاستثمارات من الشركات أو الدولة للحفاظ عليه
استيقظت أمريكا في ٢٠١٢ وأعادت فتح منجم معادن الأرض النادرة، ولكنها كانت قد فقدت القدرة والخبرة لتنقية المواد الخام لتصنيع المغناطيس، فاضطر الأمريكيون لتصدير المعادن للصين ليصنعوا المغناطيس (!)وهكذا، لم تفقد أمريكا فقط فنون وتقنيات تصنيع المغناطيس ولكن أيضا المواد الخام اللازمة لإنتاجه
**ثالثا: ابتكار الشيوعية الرأسمالية**هذه هي الخلطة الرافعة لتفوق الصين التي ابتكرها الرئيس دنج وارتفعت بمكانة الصين من دولة تعيش في قلاقل ومجاعات أيام الرئيس ماو إلى الدولة العظمى الثانية أيام الرئيس الحالي تشي
الرافعة*الرافعة، يعني Leverage ونحن سوف نستعملها أيضا بمعنى ورقة الضغط
استعملت الصين خلطة الإقتصاد المركزي للدولة الشيوعية التي قد هضمت سر تفوق الرأسمالية
خلطة الصين الشيوعية الرأسمالية:*{{ سيطرة الدولة المركزية + خفض تكلفة الإنتاج والتنقيب + قروض مالية بسعر فائدة رخيص + والحد من تصدير خامات المعادن للمحافظة على سيطرة الصين على السوق العالمية
}}وهذه هي نفس الخلطة التي استخدمتها لتصبح أكبر بلد مصنع لسفن النقل البحري وأكبر ناقل للبضائع في كل بحار العالم
**رابعا: الصين تضغط على أمريكا**ثم أصبح الإلهام الذي نزل على مخ الرئيس دنج، حقيقة
ثم وصلنا إلى هذه الأيام التي مسكت فيها الصين بعصب الصناعة العالمية والتي يقوم فيها الرئيس تشي بالضغط على الرئيس الأمريكي ترامب بالمغناطيس والمعادن النادرة التي كانت أصلا خبرات أمريكية
المصانع أصبحت في الصين، وسلاسل الإمداد تحت قبضتها
لم تعد المسألة تجارية فقط، بل أداة نفوذ سياسي واقتصادي
ونحن نترقب- الآن- اليوم الكبير-المواجهة بعد يومين بين تشي وترامب*مواجهة كبرى سوف تحدث خلال ثلاثة أيام كأنها بطولة العالم للملاكمة في الوزن الثقيل في العاصمة الكورية- سيول
**خامسا: صراع العمالقة**١- تشي جينبينغ*معه أوراق ضغط:— سيطرته على المغناطيس والمعادن النادرة، الشريان الخفي للتكنولوجيا الغربية
— احتكاره شبه الكامل للمواد الخام التي تدخل في أكثر من ٧٠٠ صنف من المستحضرات الدوائية التي تحتاجها الصناعات الأمريكية
— النفوذ الصامت عبر الأسواق والديون وسلاسل الإمداد
— الصناعات الأمريكية تتنفس من صدر ورئة الصين
٢- دونالد ترامب*يحمل أوراق ضغط مختلفة:— الرقائق الإلكترونية المتفوقة ، التي لا تزال تحت هيمنة أمريكية – تايوانية
— السوق الأمريكية الشرهة، التي تظل وجهة لا غنى عنها للبضائع الصينية
— ورقة كبرى، شديدة الحساسية للمساومة والمقايضة: التخلي عن تايوان
أوراق ضغط ترامب، هي اقتصادية وسياسية أكثر من كونها بنيوية، بينما أوراق تشي تمسّ عصب التصنيع ذاته — المواد الأولية التي لا بديل لها
المفارقة الكبرى*قبل ٣٠ سنة، باعت واشنطن مصنع مغناطيس واحد،واليوم تجد نفسها تفاوض على مصير صناعة بأكملها
ما بدأ كصفقة تجارية، انتهى كورقة جيوسياسية تتصارع حولها أمريكا والصين
عبد القادر الجنيد٢٦ اكتوبر ٢٠٢٥الجزء الثاني: غداتحت هذه العناوين:١- أوراق الضغط في العلوم والتاريخ والسياسة٢- أوراق ضغط اللاعبين في اليمن٣- السعودية: الرافعة الكبرى الصامتة٤- المطلوب: الرئيس والسعودية والناس والأرض