د. عبدالقادر الجنيد : تصريح إماراتي في صدر صحيفة سعودية … تنظيم الخلاف تحت السقف الأمريكي

منذ 4 ساعات

د

عبدالقادر الجنيد مدخلنا لموضوع اليوم، هو لفتة مجاملة سعودية رقيقة من السعودية تجاه الإمارات في ظلال ما هو معروف من خلافات جذرية في سياسات البلدين بشأن السودان واليمن

نحن متعودون على معرفة درجة حرارة العلاقات بين الحوثيين والسعودية من ترمومتر سطور صحيفة الشرق الأوسط

يمكننا استعمال مقياس درجة الحرارة هذا لنقول أن صياغة تصريح وزير خارجية الإمارات- عبدالله بن زايد- بحفاوة وتبجيل أن هناك دفء ولطافة بين أبو ظبي والرياض، لا تتأثر بخلافات في مسائل السودان واليمن

**أولا:الخبر… والرأي… والتحليل**سوف نبدأ بأهم ما يحتويه تصريح الوزير الاماراتي— هذا خبر … ويجب نقله كما هو

ثم نقول رأينا بطريقة ناشفة، خالية من التطريز والتجميل

— هذا رأي … ومن حق كل شخص أن يعبر عن رأيه

ثم سوف نحاول أن نحلل وأن نفهم ما يدور باستعمال المنطق والمصالح والمخاوف والأطماع والانتماءات والرغبة بالنفوذ والسيطرة، لأن هذه كلها هي أسباب ما صراعات الأفراد والجماعات والدول

هذا تحليل … لا يمكن دحضه وإسقاطه إلا من باب أن يكون المحللون من أطراف صراع متعادية

**ثانيا: تصريح الإماراتي عبدالله بن زايد {{ الخبر }}**١- أولوية قصوى لوقف فوري لإطلاق النار في السودان، وضمان وصول مساعدات إنسانية

٢- ترحيب الإمارات بتصريحات ماركو روبيو وزير خارجية أمريكا المشابهة بشان السودان

٣- التمهيد لمسار سياسي يؤدي إلى انتقال السلطة إلى سلطة مدنية مستقلة

٤- التزام الإمارات بالتعاون مع اللجنة الرباعية بقيادة أمريكا

**ثالثا: الإبراز السعودي لتصرح الوزير الإماراتي {{ الرأي }}**نحن هنا لا تناقش خبرا، بل نفكك إشارة سياسية–إعلامية

 ١- أهم ما في الخبر، هو إبراز صحيفة الشرق الأوسط للشيخ عبدالله بن زايد، في ظلال ما يقال عن خلافات بين السعودية والإمارات بشأن السودان في اليمن

٢- هذا كله كلام عام مثل كلام السفارات ودبلوماسيي أمريكا والسعودية والإمارات

٣- الدولتان الخليجيتان- السعودية والإمارات- من دعائم السياسة الأمريكية في المنطقة، وقد حدثت تدهورات كارثية في السودان واليمن اللتان هن محل اهتمام الدول الثلاث

٤- نحن لا نتوقع أن تتحسن أحوال السودان ولا اليمن لعشرات السنين القادمة في ظلال طريقة تعامل الدول الثلاث لنكبات البلدين، بغض النظر عما تقوله التصريحات

وبعدها سوف نحتاج لتخصيص مساحات أكبر للتحليل**رابعا:  إبراز عبد الله بن زايد في الشرق الأوسط**ماذا يعني فعلا؟هذا ليس تفصيلا مهني ولا صدفة تحريرية

هذا النوع من الإبراز هو رسالة مُشفّرة أكثر منه خبرا:الرسالة ليست موجّهة للقارئ العربي العادي، ولكن لواشنطن وللنخب وللأطراف الإقليمية المتابعة لملفي السودان واليمنفحوى الرسالة:الخلافات السعودية–الإماراتية موجودة، نعم، لكنها “مضبوطة” وتحت السقف الأمريكي، ولا ينبغي قراءتها كشرخ استراتيجي

الصحيفة لا تقول إن السعودية والإمارات متفقتان،بل تقول: الخلاف لا يخرج عن النص العام المرسوم

**خامسا: الخطاب الدبلوماسي: فراغ؟ أم عجز؟**هذا فراغ مقصود لا عجز لغويهذا كلام عام، ملعوص مثل اللبان، يتكرر، بلا تكلفة: وقف إطلاق نار- حل سياسي- ممرات إنسانية- الشعب الشقيق- المجتمع الدولي

هذا ليس لأن الدبلوماسيين لا يملكون أفكارا، بل لأنهم لا يريدون التزاما

أما الصحيفة فهي لسان حال من يملكها ويصرف عليها مئات الملايين

الدبلوماسي … والدعائي*مهمة الدبلوماسي، هي التعبير عن الوضع السيئ عندما تنزلق الأحداث إلى فضائح أو فساد أو مآسيي وانهيار قيم وأخلاق

هذا أيضا بجانب مهمة الدبلوماسي الاخرى في ابتلاع الإهانة عندما يفشل القائد السياسي والقائد العسكري ويرسلانه للتوقيع على الاستسلام والقبول بالهزيمة

وبعدها يحتاجون كلهم للبروباجندا والدعاية والأقلام

مهمة المطبخ الدعائي، هو تزيين وجه العروسة القبيحة بتلطيخها بالبودرة والحامورة والمكياج الفاقع

تصريح الوزير الإماراتي وإبراز الخطاب في الصحيفة السعودية هنا مصمم ليحقق ثلاث وظائف فقط:أ- إدارة السمعة (Reputation Management)ب- شراء الوقتج- تجميد المساءلةأليس هذا هو نفس ما نعيشه داخل اليمن منذ اندلاع عاصفة الحزم؟هذا هو نفس القالب:— في اليمن منذ ٢٠١٥— في السودان منذ اندلاع الحرب

— وفي كل ملف لا تريد واشنطن ولا الرياض ولا أبو ظبي حسمه

**سادسا: السعودية والإمارات وأمريكا: دائما نفس الكلام**وكأن الدولتين الخليجيتين، مجرد دعائم للسياسة الأمريكية… لا شركاء في الإنقاذ

لا يمكن أن نتوقع أن تكون السعودية أو الإمارات هن اللاتي يملين على أمريكا ما تقول

الأقرب والأصح، هو العكس

١- نفس الكلام: يختفي ثم يعود*نحن متأكدون بأنهم يختلفون أحيانا بصورة جذرية في أهداف مرحلية وفي الوسائل المستعملة لتنفيذ الأهداف

ولكن يقدرة قادر، سرعان ما يعودون لنفس المفردات والمصطلحات والتعبيرات

وسرعان ما يعودون لنفس الكلام الذي ببلاش، وبنفس الدبلوماسيين ونفس المطابخ الدعائية ونفس السياسيين وحتى نفس القادة

٢- يفرحوننا بالكلام ويصدمونا بالأعمال*طوال العشر السنوات الماضية، فرحنا كثيرا بمواقف للإمارات والسعودية وأمريكا

وصدمنا كثيرا بتصرفات للدول الثلاث

وتسببت الدول الثلاث بنكبات وكوارث بينما نحن نسمع الكلام اللطيف بأنهم كلهم يحبوننا ويريدون مصلحة الشعب اليمني

كلام الدول الثلاث، كان تقريبا نسخة طبق الأصل من بعضهم البعض سواء كنا فرحون أو في وسط مأساة أو سقطة أو انهيار جديد

٣- الاستنتاج*لا نستطيع إلا أن نستنتج:— السعودية والإمارات ليستا فاعلين مستقلين بالكامل في هذه الملفات— هما ركيزتان تنفيذيتان للسياسة الأمريكية في الإقليم

— لكن: لكل منهما مصالحه… ولكل منهما وكلاؤه… ويتنافسان داخل السقف الأمريكي لا خارجه

٤- النتيجة: أوطان تنهار بفعل دول ثلاث*اليمن:تفكيك تدريجي للدولة وتعدد مراكز القوة، وشرعية بلا سيادة… وقد انتهى هذا كله إلى:…  تشرذم الشمال… وانفصال الجنوب المؤكد… نعم هذا مؤكد

والباب مازال مفتوحا لتشرذم الجنوب

السودان: توازن فوضوي بين أطراف مسلحة، بلا منتصر وبلا دولة

٥- كلام مليح ببلاش وتنفيذ مناقض على أرض الواقع*بالرغم من كل تصريحات الولايات المتحدة:فإن العشر سنوات الماضية، تدل على أنها كلها كانت كلام ببلاش

— أمريكا، لا تريد حسما، ولا دولة قويةبل إدارة أزمات طويلة منخفضة الكلفة—والخليجيون، ينفذون ويناورون، ويتحملون جزءا من الكلفة الأخلاقية والسياسية

**سابعا: لماذ ينهار كل ما يلمسوه؟**١- لماذا لن يتحسن السودان ولا اليمن لعقود؟*نحن يمكننا بسهولة أن نحب السعودية والإمارات وأمريكا، فهم يعتبرون من نماذج النجاح في هذا العصر بمقاييس القفزات إلى الأمام والثراء

ولكن معنا مشكلة، وهي أنهم يعقرون كل ما يقتربون منه أو ما يلامسون

الحلبان يعقر الحقين إذا اقترب*الحلبان في اليمن، هو أم أربعة واربعين centipede الحقين، هو اللبن المنزوع الدهن الحامض

الدبية، هي اليقطين المجففة التي تغلق بإحكام وتستعمل في اليمن كوعاء للحقين

ويقول المثل في اليمن عن الشخص الذي يفسد أي مسألة أو مشكلة، بأنه مثل الحلبان

يقال أن: الحلبان يعقر الحقين داخل الدبية عندما يقترب ولو من بعبد

لقد فسد الحقين تماما واعتقر في السودان واليمن لأن الحلابين في المنطقة قد اقتربت منها

٢- هذا ليس قسوة منا ولكنه الواقع*لأن الطريقة نفسها تتكرر،… العقل نفسه يدير،… الأدوات نفسها تُستخدم

ما دام لا يوجد مشروع دولة حقيقي، ولا توجد محاسبة،…

ولا توجد مساءلة ولا محاسبة ولا عقاب ولا كلفة على العبث،… ولا يُسمح بنشوء قيادة وطنية مستقلة؛فإن التصريحات والكلام الذي ببلاش، تجعلنا نرى صورة واضحة لكن مختلفة: — وقف النار، يعني فقط استراحة محارب

— الحل السياسي، يعني فقط إدارة صراع

— المساعدات الإنسانية، تعني فقط استدامة وإدارة الأزمة

هذا ليس فشلا من الدول الثلاث،… هذا نموذج عمل ونمط يتكرر

٣- الخلاصة بصراحتنا وليس بتصريحاتهم*تنظيم الخلاف:إبراز عبد الله بن زايد في صحيفة سعودية، ليس دليل انسجام، ولا نفيا للخلاف، بل تنظيما للخلاف داخل المسرح الأمريكيالسودان واليمن:ليسا أولوية إنقاذ، ولكن ساحتَي اختبار واستنزاف طويل… والشعوب هي الخسارة المقبولة في هذا النموذجالتفاؤل والتشاؤم والإحباط*نحن لا يعجبنا التفاؤل ولا التشاؤم ولا الإحباط

ولا نطلب من أي أحد أن يتفاءل ولا أن يتشاءم ولا أن يحبط

… في الحقيقة، أنا أضيق بالمتفائلين والمتشائمين والمحبطين

ما نحتاجه، هو الفهم والعمل

الفهم، لكل ما يحدث كما هو وليس كما يقوله الدبلوماسيون والسياسيون والمطابخ الدعائية

العمل، باليد أو بالكلمة أو بالقلب

من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان(حديث شريف)