د. عبدالقادر الجنيد يكتب : أمريكا بين حربين: حسم أوكرانيا وتجميد اليمن

منذ 2 سنوات

 (شبكة الطيفهناك حرب كبيرة داخل أوروبا

ومن الطبيعي أن يكون كل الكلام هذا العام عن حرب أوكرانيا في مؤتمر ميونيخ- التي تبعد ١٥٠٠ كم فقط- عنها

أمريكا، طرف دائم في كل الحروب الأوروبية العالمية والمحدودة

وقد حضرت أمريكا مؤتمر ميونيخ بكثافة غير مسبوقة من المسؤولين ومن الحزبين الديموقراطي والجمهوري لترسل رسالة قوية أن تأييدها للحرب شامل ولن يتزعزع

مؤتمر ميونيخ، يحضره القاصي والداني من الرؤساء والمسؤولين والمؤثرين ورؤساء الشركات العظمى لبحث أمن العالم

الأوروبيون والأمريكيون، يقفون بكل قوة مع أوكرانيا للتصدي للهجوم الروسي ويقولون أن روسيا هي آخر امبراطورية أوروبية وتريد إعادة أوكرانيا ركنا من أركان الإمبراطورية وأنها تهديد لباقي أوروبا وللسلم العالمي

روسيا، تقول أن أمريكا تريد القضاء على العنصر السلافي الروسي وعلى روسيا وأنها هي والأوروبيين وحلف الأطلسي يستعملون كل امكانياتهم لهذا الغرض

لكن سيرجي لافروف الذي كان من المواظبين الدائمين في المؤتمر، لم يحضر هذا العام

الصين، حضرت وتركزت عليها الأضواء

الصين، تريد لأمريكا أن تنهزم في أوكرانيا ولكن معها علاقات اقتصادية ضخمة معها ولا تستطيع أن تجاهر بذلك

ولا تستطيع في نفس الوقت أن تدعم روسيا بالطريقة التي تناسب مصلحتها بأن تزيح أمريكا من مكانة القطب الواحد ومن أحادية القرار

وستتقدم الصين بمبادرة سلام سيعرضها وزير الخارجية الروسي هذا اليوم في موسكو بعد أن رحل من مؤتمر ميونيخ

وأمريكا تتهم الصين بأنها تساند روسيا في الخروج من العقوبات الاقتصادية وتبيع لها سرا مستلزمات يحتاجها الجيش الروسي

معظم دول العالم الثالث ومنهم العرب ودول مجموعة العشرين- ومنها السعودية- يقولون أنهم “محايدون” في حرب أوكرانيا وإن كانوا لا يوافقون على عبور الجيوش الروسية الحدود وتقدمها إلى داخل أوكرانيا

رئيس اليمن رشاد العليمي، هو الرئيس العربي الوحيد الذي حضر مؤتمر ميونيخ لأن هناك قناعة سعودية يمنية أن أمريكا وأوروبا مؤثرتان في مسار حرب اليمن

وقابل الرئيس اليمني وزير خارجية أمريكا وتبادلا الكلام المرصوص المحفوظ المعلب المكرر عن أهمية السلام القائم على التفاوض مع الحوثيين

الوزير الأمريكي، يدري تماما ما يريد ومستعد أن يصرف أي كلام

الرئيس اليمني، يأمل أن يغير- بالكلام- ما يريده الأمريكي

وزير خارجية السعودية فيصل فرحان حضر بنشاط واضح وتحرك بكثافة هذا العام

العالم كله يريد علاقات ثنائية وطيدة مع السعودية للمشاركة في الاستثمار والمشاريع والازدهار المتوقع بسبب طموح ولي العهد وفائض أموال النفط

واختفى وزير خارجية إيران جواد ظريف المعزول الذي كان يملأ قاعات المؤتمر بنقده لأمريكا وتدخلاتها في شؤون بلاده ونكثها للإتفاقيات

كانت السعودية في بداية حرب اليمن تتبرم وتضيق من “المحايدين” لأن العالم كله كان يوافق على أن التمرد والانقلاب الحوثي والتوسعات الإيرانية هي أمور سيئة للغاية ولكنهم قد تعودوا الآن وتكيفوا مع هذه الحالة

أتذكر آنذاك أنه كان هناك ضيق سعودي واضح من “حياد” ألمانيا وربما حتى تعاطفها مع الحوثيين

**أولا: أمريكا وحرب أوكرانيا**بعد أربعة أيام ستكون نهاية السنة الأولى لحرب أوكرانيا

توقعات بوتين*لولا أمريكا، لكانت روسيا قد ابتلعت كل أوكرانيا بحسب سيناريو وتوقعات الرئيس بوتين الأصلية

كان الرئيس الفرنسي ماكرون قد صرح في ٢٠٢١ بأن حلف الأطلسي قد أصبح في حالة “موت دماغي”، وكانت أمريكا منقسمة على نفسها بطريقة غير مسبوقة بسبب الرئيس ترامب، وهناك مسائل جائحة كوفيد-١٩ ومسائل الخوف من الركود الاقتصادي واعتماد أوروبا على غاز ونفط روسيا

كان بوتين يتوقع أنه سيدخل العاصمة كييف خلال أسبوع

ولم يتوقع بوتين أي دعم جدي لأوكرانيا من أمريكا

ولم يتوقع بوتين أن تعود الروح للحلف الأطلسي

ولم يتوقع بوتين أن تستطيع أوروبا الاستغناء عن نفط وغاز روسيا

ولم يتوقع بوتين مقاومة جدية من أوكرانيا

ولم يتوقع بوتين أن الجيش الروسي بهذه الدرجة من نقص الكفاءة

كل التوقعات، خائبة

مبادرة من الصين*وزير خارجية الصين Wang Yi وانج، خطب في مؤتمر ميونيخ قبل يومين، وقال:“الصين لا علاقة لها بهذا الصراع ولكن لن تكتفي بموقف المتفرج الفاتر”وقال أن الصين سترسل للرئيس الروسي بوتين مقترح مشروع سلام صيني بعد أيام قليلة قبل يوم الجمعة ٢٤ فبراير عشية الذكرة الأولى لاندلاع حرب اوكرانيا

والآن سنرى ردود أفعال أمريكا التي تشك في أي مبادرة صينية وشاركتها بالارتياب ونفس رد الفعل ألمانيا التي هي محسوبة على العالم بأنها ضد أي حرب مهما كان السبب

رد فعل أمريكا*وزير الخارجية الأمريكي Antony Blinken بلينكن، يرفض الكلام الصينييرتاب بأي مبادرة صينية قد تطلب التوقيف الفوري لإطلاق النار، فقال للمؤتمر:“من الذي لا يريد أن تتوقف المدافع عن إطلاق القذائف؟ إلا عندما عندما نكون متهيبون من الفخاخ التي تنصب لنا”ثم استطرد بأن وقف إطلاق النار الفوري هو ما يريده الرئيس الروسي ڤيلاديمير بوتين:“لأن الأمور تسير على نحو سيئ بالنسبة له”“ولأن أحسن رهان بالنسبة له هو أن يطالب بوقف إطلاق نار فوري”“وعندها ستصبح أوكرانيا حالة ‘صراع مجمد’‏(Frozen Conflict) ”ثم أنهى بلينكن كلامه بهذا التحذير:“إذا تجمد الصراع فإن بوتين لن يقبل التفاوض أبدا على الأراضي والمناطق التي استولى عليها وفي نفس الوقت سيستعمل عامل الزمن ليستريح، ويسترد أنفاسه، ويعيد تسليح نفسه، ثم يعاود الهجوم”رد فعل ألمانيا*وزيرة الخارجية الألمانية Annalena Baerbock بيربوك، أيضا ترفض الكلام الصيني

قالت: “أمر جيد أن يكون هناك شعور صيني بالمسؤولية نحو السلام بصفتها عضو دائم في مجلس الأمن”لكن وزيرة خارجية ألمانيا حذرت من أن بلادها لن تقبل الاقتراح الصيني لو كان يشمل إيقاف تزويد أوكرانيا بالأسلحة الغربية، فأكدت:“لو توقفت روسيا عن القتال فإن هذه الحرب ستنتهي”ثم أضافت:“لكن إذا توقفت أوكرانيا عن الدفاع عن نفسها… فإنه عندئذٍ ستكون نهاية أوكرانيا

ونحن لا يمكن أن نقبل هذا”أقوال وزيري خارجية أمريكا وألمانيا مكتوبة في مقالة في الفاينانشيال تايمز البريطانية قبل يومين في ١٨ فبراير بعنوان:“اقتراح سلام صيني بشأن أوكرانيا يثير شكوك الغرب”Chinese Peace Proposal On Ukraine Provokes Western Scepticsmنحن اليمنيون نقول نفس الكلام*نحن اليمنيون، وحتى المتمردون الحوثيون، الجميع يقولون الآن نفس الكلام الأمريكي والألماني الخاص بأوكرانيا عندما نتكلم عما سيحدث لليمن إذا ما “تجمد الصراع اليمني” أو إذا ما تخلَّت السعودية عن دعم الشرعية اليمنية

يقولون: “إذا تجمد الصراع، فستلتهم روسيا بلاد أوكرانيا بعد حين”ونحن نقول: “إذا تجمد الصراع، فسيلتهم الحوثيون بلاد اليمن بعد حين وربما في غمضة عين”**ثانيا: أمريكا وحرب اليمن**١- أمريكا، تريد توقيف الحرب في اليمن*وهي تقول هذا تحت إسم تخفيف المأساة الإنسانية والدمار والهلاك والنزوح

ولكن المأساة الإنسانية في أوكرانيا وروسيا أعظم ولا أحد يلتفت لها

بحسب المصادر الأمريكية:ضحايا الحرب الأوكرانيين، قد بلغ ١٠٠,٠٠٠ قتيل وجريح

ملايين الأوكرانيين أصبحوا أغراب نازحون

معظم البنية الهيكلية التحتية الأوكرانية قد تدمرت

معظم مصادر الانتاج الزراعية والصناعية الأوكرانية، تخربت أو تعطلت

ضحايا الحرب الروس، قد بلغ ٢٠٠,٠٠٠ قتيل وجريح

روسيا، بسبب المقاطعة الغربية، ستتعطل وستتخلف وستنبذ لعقود كثيرة قادمة في المستقبل

كيف لا تهتم أمريكا بمآسي الحرب الانسانية في أوكرانيا بينما هي في غاية “القلق” بسبب المآسي الإنسانية في اليمن؟٢- ماذا تريد أمريكا في اليمن؟*أمريكا، لا تريد حروبا في الشرق الأوسط ولا تريد أن تصارع إيران لكي لا يتشتت انتباهها عن روسيا والصين كما حدث لها عندما انغمست في أفغانستان والعراق

أمريكا، لا يهمها إن انتصر المتمردون الحوثيون في النهاية أو إذا انتصرت الشرعية اليمنية

أمريكا، بالكلام، تقول أنها تؤيد الشرعية اليمنية والرئيس اليمني

أمريكا، بالأعمال، تمد التمرد الحوثي بشرايين الحياة

بينما في حرب أوكرانيا، لن تسمح كل من أمريكا وأوروبا بانتصار روسيا

٣- أمريكا، تريد “تجميد” صراع اليمن ولكن “الحسم” في أوكرانيا*أمريكا، مصممة على أن تنتهي هذه الحرب الأوروبية بانتصار أوكرانيا وبهزيمة شخصية للرئيس بوتين ولروسيا

قد زاد ما أنفقته أمريكا على أوكرانيا على ١٥٠ مليار دولار في هذه السنة الأولى للحرب

وأمريكا هي التي تخطط لأوكرانيا الحرب، والاستخبارات العسكرية، وتزودها بالإحداثيات للأهداف، وبالأسلحة الدقيقة، وخدمات الأقمار الصناعية لضربها، وتتنبأ بمناطق المعارك اللاحقة، وتقرر أنواع الأسلحة التي ستحتاجها طوبوغرافية تلك الأراضي وتدرب الأوكرانيين عليها ويحققون الانتصارات المتتالية بناء على كل هذا

أمريكا لن تقبل بأن تبقى أوكرانيا إحدى مناطق “الصراعات المجمدة” في العالم

ولكن أمريكا تصمم على العكس في اليمن وتريد لها “صراعا مجمدا “

أمريكا، موافقة على أن تظل اليمن إحدى بؤر الصراع المحلية المنتشرة في العالم ولو استمر هذا حتى لعشرات السنين

٤- أمريكا، هي من تقرر مسار حربي أوكرانيا واليمن*أوروبا، ستسير بحسب ما تقوله أمريكا بشأن حرب أوكرانيا لأنها هي مصدر السلاح والمال الأكبر للحرب ولأن هذا أصلا لعدم رغبة أوروبا لعودة أوكرانيا تحت النفوذ الروسي

وأمريكا، هي المحرك الوحيد وراء “تجميد الحرب” في اليمن

وأوروبا مجرد تابع لما تقرره أمريكا بشأن حرب اليمن وبشأن مصير اليمن وبشأن مصير السعودية وبشأن توسعات إيران

**ثالثا: التحالفات الداعمة لأوكرانيا واليمن**التحالف الداعم لأوكرانيا، هو بقيادة أمريكا وقد وضحنا ما تبذله أمريكا لأوكرانيا

التحالف الداعم لليمن، هو بقيادة السعودية

المملكة السعودية؛قد تعبت،وقد قامت بما قامت به،وكثر الله خيرها على ما انتفعنا به،وسامحها الله على ما خاب أملنا به،وسامحنا الله بما خيبنا نحن أملها به

والآن هناك نوع من إسدال الستار الملكي السعودي

والواضح هو أن السعودية لم تعد راغبة بمواصلة الحرب في اليمن

والواضح أكثر هو أن السعودية قد تقبل بأن تبقى اليمن إحدى مناطق “الصراعات المجمدة” في العالم

والمؤكد هو أن السعودية لن يرضيها أن يكون الحوثي في اليمن نسخة من حسن نصر الله اللبناني على حدودها الجنوبية، وهذا هو بصيص الأمل الوحيد للشرعية اليمنية

وهذا الأمل الوحيد، هو شعاع الضوء الذي يربطنا بالسعودية ولكنه يخفت أحيانا ويذبل ويذوي

**رابعا: قيادة أوكرانيا وقيادات الشرعية اليمنية**قيادة أوكرانيا*أداء وتماسك ووحدة قيادة وجيش وشعب أوكرانيا، لافت لأنظار كل العالم

قيادة أوكرانيا ألهمت الشعب الأوكراني ووحدت صفوفه ورتبت خطوط تموينه ولوجيستياته وحشدته للصمود والفداء وتقبل التضحيات

وألهمت وحفزت قيادة أوكرانيا بهذا شعوب وقيادات أوروبا وأمريكا لأن يبذلوا الأموال والسلاح والخبرات لمساندة أوكرانيا

قيادات شرعية اليمن*على مر الثمان سنوات، قيادات شرعية اليمن ومسؤوليها ونخبها وجيوشها التي لا تتبع وزارة الدفاع ولوردات حربها وأصحاب المشاريع الصغيرة والانفصاليين، كانوا ومازالوا شوكة في خاصرة القضية اليمنية والشعب اليمني ومن عوامل الارتياب في التحالف الداعم للشرعية اليمنية

**خامسا: الحوثيون وإيران هذه الأيام**الحوثيون والإيرانيون، مثل كلاب الصيد، يشمون رائحة فيرمونات “القوة” في جسد من يقابلهم فينبحون من بعيد

ويشمون “الخوف والضعف” في الفيرمونات المنبعثة من الضحية المحتملة فيتكالبون وينهشون ويمزقون

الوضع هذه الأيام هو أن الحوثيين والايرانيين يتشمشمون روائح الفيرمونات المنبعثة من الشرعية اليمنية والسعودية وأمريكا ويلهثون في محاولة ترجمتها وتفسيرها

هل الوقت الحالي هو وقت الكمون والنباح من بعيد؟هل الوقت الحالي هو وقت الانقضاض وتمزيق الشرعية؟**سادسا: رسالة للشرعية**“ركزوا على عتبة البيت” !“ابقوا مع شعبكم” !“نجاتكم ونجاة شعبكم ونجاة اليمن، مرهونة بالتصاقكم بشعبكم وبتوحيد شعبكم وبحشد شعبكم وبعدها يأتي كسب الحلفاء والجيران والقوى الدولية”