د. فياض النعمان : 26 سبتمبر.. لا إمامة ولا سلالة بعد اليوم
منذ 9 ساعات
د
فياض النعمان *٢٦ سبتمبر
لا إمامة ولا سلالة بعد اليوم*د
فياض النعمان لم تكن ثورة ٢٦ سبتمبر 1962 حدث عابر في تاريخ اليمن وانما ميلاد جديد لوطن اختار أن يتحرر من قيود الإمامة الكهنوتية التي كبّلته عقود طويلة باسم الدين وبسطوة السلالة يومها خرج اليمنيون من كل القرى والقبائل والمدن يرفعون صوتهم عاليا لا إمام بعد اليوم ولا عبودية ولا استغلال وكان ذلك الإعلان بداية مشروع وطني جمهوري يريد لليمن أن يعيش كغيره من شعوب العالم دولة مؤسسات لا دولة أفراد وطن مواطنة لا مشروع للإمام وأسرته
لكن المفارقة أن ما واجهه اليمنيون منتصف القرن الماضي يعود اليوم بحلة جديدة تحت مسمى جماعة الحوثي وهم في حقيقتهم الأئمة الجدد الذين يكررون ذات النهج بذات الأدوات والشعارات وبنفس الخطاب المليء بالوهم والتضليل فالحوثيون لا يختلفون عن أجدادهم الأئمة في شيء كلاهما جعل من الحق الإلهي وسيلة لتسخير الناس ومن القداسة الدينية سلاح لتكميم الأفواه ومن العنف أداة لإخضاع اليمنيين
الإمامة القديمة والحوثية المعاصرة تلتقيان في فكرة السلالة المقدسة التي ترى نفسها وصية على الناس ومالكة لقرارهم ومتحكمة في حاضرهم ومستقبلهم بالأمس كان الإمام يفرض على اليمنيين الجبايات والولاءات باسم الخراج وحق البطنين واليوم يفرض الحوثي الخمس والمجهود الحربي والزكاة المضاعفة بذات المنطق الكهنوتي كلاهما يستند إلى نصوص مؤولة وفتاوى مدفوعة الثمن لتكريس حكم السلالة وكأن اليمنيين قدر لهم أن يظلوا عبيد في وطنهم
كما استند الأئمة على شبكة من العكفة والفقهاء المأجورين لترسيخ مشروعهم يعتمد الحوثي على مشرفين ميدانيين وثقافة الملازم لفرض ذات الوصاية بأسلوب القمع المتطابق مصادرة الحريات وإغلاق الصحف وسجن المخالفين وقتل المعارضين وتفتيت المجتمع بذرائع مذهبية ومناطقية بالأمس كانت الزوامل والمنابر وسيلة لإرهاب الناس وتخويفهم واليوم تحولت إلى صرخة وشعارات جوفاء تردد في المدارس والجامعات والمساجد لإلغاء العقل وتقديس القائد
وعندما يقرأ اليمني تاريخ الإمامة يجد المشهد يتكرر بالحرف مجاعة واسعة وجبايات منهكة واقتصاد مدمر وتجارة محتكرة وبلاد محاصرة خلف أسوار الجهل لا فرق بين حصار صنعاء عام 1967 وبين حصار تعز منذ 2015 كلاهما وجه واحد لمشروع يكره الحياة ويقدس الموت لا فرق بين سرديات الإمام الهالك يحيى عن طاعة ولي الأمر وسرديات الارهابي عبدالملك الحوثي عن الولاية كلاهما خطاب يراد به إذلال الإنسان وتحويله إلى تابع
ولكن ما يغيب عن وعي الأئمة الجدد هو أن اليمنيين الذين كسروا قيود الأمس قادرون على دفن مشروع اليوم فشعلة سبتمبر ما تزال حاضرة في وجدان الأجيال تتناقلها الحكايات والأناشيد والذاكرة الوطنية وسبتمبر لم يكن يوما ثورة سياسية وانما إعلان بأن اليمنيين اختاروا الحياة في وجه الموت والحرية في وجه الاستبداد والدولة في وجه العصابة
اليوم كما الأمس يقف اليمني في قريته وجبهته ومدينته ليقول لا إمام ولا حوثي بعد اليوم فالنضال مستمر حتى إسقاط المشروع الإمامي الجديد واستعادة الدولة اليمنية التي يحلم بها كل مواطن حر فالتاريخ لا يعيد نفسه عبثا وانما يبعث برسالة واضحة اليمن لا يقبل العبودية ولن يسمح لمشاريع دخيلة أن تجهض مستقبله
سبتمبر المجيد عنوان لمعركة مستمرة بين مشروعين مشروع الإمامة الكهنوتية القديمة والجديدة ومشروع الجمهورية الذي يتبنى الحرية والمساواة والدولة المدنية وما بينهما يظل دم اليمني ووعيه وإرادته هي الفاصلة والحاسمة لذلك سيبقى شعار اليمنيين الحياة والأمن والدولة في مواجهة الموت والجهل والكهنوت وكما سقط الإمام بالأمس سيسقط ميليشيا الحوثي اليوم وسيبقى اليمن جمهوري إلى الأبد