د. مصطفى الجبزي : الإخوان بين باطنية البناء وإلهية الدولة الحديثة: أبعاد الاقتراب من التصنيف الدولي

منذ 7 ساعات

د

مصطفى الجبزي يعبر تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية عن تلاقي إرادات عديدة، إقليمية ودولية، وقد أصبح قاب قوسين أو أدنى

 فالتصنيف لا يعود إلى رغبة الأنظمة العربية التي لا تنظر بعين الرضا إلى هذا التنظيم العابر للأوطان فحسب؛ بل ثمة أسباب أخرى تجعل وقوع التصنيف شأناً غربياً بامتياز ، وبحيثيات تتجاوز جذور التطرف والإرهاب والعنف (المنسوب) في التنظيم

 ‎لن أتوقف عند دوافع الأنظمة العربية، بل سأركز على المسار الذي اتخذته الأمور في أوروبا وأمريكا، من زاوية فهمي له

  لقد وصل مسار الهجرة إلى أوروبا وأمريكا إلى طريق مسدود، وبدأ افقه ينحسر بالقيود المتعاظمة سيما لإرتباطه بعلاقة سببية تكمن في التحولات إلا اقتصادية والسياسية وتراجع في القوة في القارتين

يغذي كل من الانحسار الاقتصادي والتأثير الدولي (خصوصًا في أوروبا) واقتراب نهاية النفوذ الأمريكي المطلق كقوة عظمى اليمين المتطرف بشقّيه الهوياتي والاقتصادي

وهو بطبعه يمين مسيحي في كل الأحوال

 تبلغ نسبة المسلمين في أمريكا نحو 1% فقط، بينما تصل في أوروبا إلى حوالي 6%

وقد ارتفعت خلال خمسين عامًا من 2%، ويبدو أنها لن تتوقف عن الصعود بسبب فارق نسبة النمو الديمغرافي بين المسلمين وغيرهم

  يمثل المسلمون ثقافة مختلفة في الوسط المسيحي الغربي

فهم ليسوا وحدهم المغاير الثقافي، لكنهم يجلبون النقيض الكلّي للثقافة الغربية التي قوّضت المقدّس في حياتها

وبما انه لا يمكن انتزاع المقدّس من الإسلام، سيبقى الإسلام مغايراً لهذه الثقافة الحداثوية

 بينما لا يفعل المجتمع الغربي شيئاً من هذا القبيل، يحيط المسلمون أنفسهم بخطوط حمراء روحية ورمزية

ويتكثف اهتمامهم بقيم طمرتها الحداثة كالحشمة والتكافل والأخوة -رغم نسبية فعالية هذه القيم داخل المجتمع المسلم إلا أنها مركزية في الخطاب-، لذا يعزز المسلمون بذلك صورة المدنَّس في أسلوب الحياة الغربي ويمثلون نقطة رفض ثقافي

 امام هذا الاستعلاء الروحي، والتراجع الاقتصادي والمكانة في القوة، تتقوقع المجتمعات الغربية ثقافياً وترفض المختلف، ولا تجد كبش فداء أوضح من المهاجرين والمسلمين

إذا تمعنا في الخطاب السياسي اليميني سنجد ان كلمة مهاجر تنحصر على وتتمحور حول المهاجرين المسلمين

  والجانب الآخر من المسألة هو أنّ الجماعة الدينية الأخرى في الغرب المسيحي، التي تعيش في استنفار ثقافي دائم، هي اليهودية

وهذه — مثل الجماعة الإسلامية — ارتباطها بالبلاد الدينية ارتباط عضوي، كما هو حال المسلمين المرتبطين بالبلاد الإسلامية

لذا تعيش الجماعتان حالة صراع تُستحضَر من خارج جغرافيتهما الراهنة

 لكن هناك بُعدًا آخر، وهو الأكثر أهمية والأكثر مرئية، وهو طبيعة الدولة الحديثة

تفيد الملاحظة البسيطة في المجتمعات الإسلامية في أوروبا وأمريكا بأنها — في أغلبها — سلفية الطابع

فلماذا يجري التحذير إذًا من الإخوان المسلمين؟ ازداد التشديد على خطورة ونفوذ الإخوان المسلمين في أمريكا وأوروبا في السنوات الأخيرة، وقد بلغ هذا التشديد ذروته منذ ما حصل في الأراضي المحتلة منذ أكتوبر 2023

 على ضوء هذا التوجس، صدرت تقارير عديدة في بلدان أوروبية وفي أمريكا تناولت بتحذير شديد اللهجة ما تسمّيه الاختراق الإخواني entrisme

 ورغم المبالغة أحيانًا في تقدير حجم تأثير الجماعة مقارنة بالامتداد الإسلامي الواسع في الغرب، تتعاظم المخاوف، ويقترب القرار الدولي بتصنيفهم

 فلماذا إذن هذه المخاوف؟ ولماذا يصبح التصنيف الدولي وشيكًا؟ منذ سنوات قليلة أصبح الإخوان هو البعبع الدولي، ليس لأنهم المنبع الوحيد للفكر المتطرف والعنيف،-الجهادية الشيعية مماثلة في خطابها العنيف والمتطرف-، ولا لأن لديهم موارد ضخمة — فالسلفية لا تقل ثراءً وامتدادًا — وربما كانت أدبيات سيد قطب قد دفعت الجماعة نحو الانحراف من البعد السياسي–الاجتماعي إلى بُعد تكفيري، وهذا صحيح

 لكن الجماعة في البلدان العربية اقتربت من المجال السياسي — بالالتفاف من خلال توليد أحزاب سياسية هي الذراع الحزبي للجماعة فقط — وأظهرت خطابًا حديثًا، وإن لم تزل أدبيات سيد قطب التكفيرية في التنشئة

وليست جماعة الإخوان أكثر تشددًا من جماعات سلفية أخرى، بل إن انخراطها في المجال السياسي خفّف نزوعها نحو الجهادية

 غير أن التصنيف يتصل بطبيعة الدولة الحديثة الغربية، وبالتالي من طبيعة النظام الدولي الذي هو حاصل مجموعة الأنظمة وهو ايضا حاصل هيمنة الدولة الحديثة الغربية

  هذا لأن الدولة الحديثة مهيمنة جدًا، تكاد تكون إلهًا في علاقتها بالمجتمع، ولا تقبل الجماعات السرية

ترغب الدولة الحديثة في السيطرة والتحكم بكل شيء داخل المجتمع، وتريد أن تكون كل الكيانات المحلية والدولية مكشوفة أمامها

وبينما أصبحت أفكار الإخوان معروفة ومتداولة، ظل تنظيمهم الداخلي مغلقًا وباطنيًا وعابرًا للحدود، وهذا ما يثير القلق أكثر من مضمون الأفكار نفسها بنيتهم هي ما يقلق الدولة الحديثة، وليس أفكارهم

وذلك لأنهم جماعة عابرة للأوطان

فبعض تيارات السلفية أكثر تشددًا ومعاداة للحداثة، لكنها مكشوفة

 لا تقبل الدولة الحديثة الجماعات السرية داخل الوطن الواحد، فكيف إذا كانت الجماعة سرية وعابرة للأوطان؟ كيف لنظام مغلق وسري وباطني أن يبقى على قيد الحياة في أصعب الظروف، وأن يصعب اختراقه وكشفه ويحافظ على قدرته على الاستمرار في عالم تحكمه الهواجس الامنية؟  وإذا نظرنا إلى حركة حماس، فرغم كل التسهيلات اللوجستية التي حصلت عليها من إيران، إلا أنها — في بنيتها الفكرية وفلسفتها وجذورها التاريخية — نبتة من نبتات الإخوان المسلمين

لذا فإن تقويض الإخوان يعالج واحدة من مخاوف إسرائيل

 الدولة الحديثة ذات منزع قومي، وإن كان لبعضها مطامح إمبراطورية، بينما جماعة الإخوان المسلمين عابرة للقوميات

وهي بهذا النقيض الموضوعي للدولة الحديثة

 هذه مقدمات توضح كيف تكونت المخاوف وتضعها في سياق جيوسياسي ومؤسسي عالمي وتقود إلى الاستدلال بأن التصنيف قادم ووشيك

 إقليميًا، أذكت أحداث الربيع العربي المخاوف لبعض الأنظمة العربية من جماعة الإخوان

شرعت بعض الأنظمة في ثورة مضادة هدفها إزاحة الإخوان من المشهد

لم تكن اليمن بعيدة عن مخاضات الثورة والثورة المضادة

وربما جمّدت الحرب مع الحوثي استكمال المهمة

الاقتراب من الإصلاحيين — الذين يُنظر إليهم كفرع يمني للجماعة — من الأنظمة الخليجية المعادية للإخوان كان اقتراب ضرورة فقط، لكنه لم يطمس مستوى العلاقة الأول الذي عاد إلى السطح الآن

ما يدور في اليمن لا يخرج عن تسوية للحقل السياسي يُزاح منها الإخوان ببدائل أخرى، تنساق معها القوى اليمنية لأنها ترى الصراع تصفية حسابات متأخرة

واليمن الآن في مرحلة استكمال ما بُدئ به قبل سنوات