د. مصطفى الجبزي : عن توكل كرمان

منذ 3 أيام

د

مصطفى الجبزي لم يحدث وأن استمرّ اليمنيون في تداول شخصية إشكالية لسنوات طويلة- خارج السلطة السياسية- وبهذه الكثافة والإغراق كما  حدث ويحدث مع توكل كرمان

لأكثر من عقد فتح الجميع حساباً في مصرف المهاترات واستمروا بتغذيته على الدوام على نحو تضخمي يفارق وينفصل عن القيمة الحقيقية لموضوع الجدال

 الكتابة عنها أو من أجلها جالبة لأذى من نوع ما

فلماذا توكل كرمان هي اشكالية على هذا النحو الذي يصبح الاقتراب منها أو الابتعاد عنها اصطفافاً محلّفاً؟ إلى أن يرزق الله البلاد والعباد بسانحة التعبير عن نقد موضوعي خارج الخوض مع الخائضين سأكتب ما يخطر ببالي

ما إن ظهرت توكل في سماء الشأن اليمني حتى انقسم الناس -المتفاعلون- في فسطاطين

ضد وهم انصار صالح بالدرجة الأساس ومعهم على نحو مفارق حشد من الوسط الحقوقي اليمن بينهم نساء كثر

أغلب هؤلاء- وهم رجال ونساء - لم يكن يرى حقيقة اليمن الاجتماعية والسياسة والاقتصادية ويعيش في نكران واقع ردائته تستدعي قيام ثورة

وأمام نكرانه هذا وقصوره في فهم اليمن وكارثية سياسات صالح وجد في توكل كرمان اختزالاً ملائماً لتفسير الإنهيار الكارثي لسلطة كان يجد فيها نفسه

والبعض الآخر خصوصاً في الوسط الحقوقي ممن يرون أن توكل قفزت عليهم وتخطتهم نحو العالمية فإن نيلها جائزة نوبل كان طعنة غادرة في ظهر الوسط الحقوقي وسلب الاعتراف وطمس تاريخ النضال

  ومع وهم أيضا كثر رأوا فهيا أداة ملائمة لتحطيم صورة صالح الاجتماعية والسياسية وإن كانوا لا يحبون توكل لذاتها أو تحملهم قسراً على تغاضي الحقيقة الأبوية المقدسة في المجتمع اليمني

 توكل مشاغبة وهي بالمناسبة العضو الوحيد الذي قرر حزب الإصلاح فصله عنه تنظيمياً علناً

نظريا هي بلا غطاء حزبي أيضاً

 والمزايدة بالمال الخارجي أمر محرج في حقيقته لكل الأطراف اليمنية من أحزاب وقوى عسكرية ومنظمات مجتمع مدني

لم تخرج توكل عن هذه القاعدة غير المدانة في اليمن

 لن أنظر إلى المتهافتين في مديح توكل وهذا حقهم ولانستطيع منع توكل من أن تتلقى مديحاً بلسماً منتظر لن يرفضه أي منا إلا لأنه لم يتوفر عليه

ولن أنظر في خصومها الذي يرمون عليها تبعات ما حدث منذ 2011 وزوال سلطان الزعيم صالح

 لأن الفريقين شأنهما أن يتوافقا في الآلية ويفترقا في الوجهة

 سأتطرق إلى فريق ثالث يتكون كمجموعة مشتركة من المجموعتين آنفتي الذكر ؛  مجموعة الذين لا يتوقفون عن الإعراب عن خيبة أملهم من توكل

  خيبةُ الأمل العميقة لم تأتِ من أن توكّل لم تقدّم لليمنيين ما كانت تستطيع أن تقدّمه، أو ما كان يُنتظر منها موضوعيًا، بل من مصدر آخر هو ثنائية حتفية تتجسد في صورة البطل المثالي وذهنية انتظار المخلّص

لم يتمكّن اليمنيون من النظر إلى توكّل داخل ديناميكية التفاعلات التي أنتجتها: تغول ايديولوجيا حقوق الإنسان مقابل موت الايديولوجيات الاجتماعية والسياسية التقدمية، ابنة برجوازيةٍ ناشئةٍ إسلاموية، مليئة بالثقة بالنفس وعنيدة، ونظرتها للسلطة (كلّ أشكال السلطة بما فيها الأبوية) مختلفة، ومناضلةٌ على طريقتها في بلادٍ متردّدة بين البقاء داخل جلباب التقاليد والأبوية أو الذهاب نحو المواطنة والفردانية

كما أن توكل تقدم مفارقة مذهلة في أنها يمنية خالصة ومحلية الطابع ومنتج يمني خالص في بعده الثقافي؛ توكل ثمرة تنشئة اسلاموية لا تمانع الأخذ الحذر من ايديولوجيا حقوق الإنسان

وبهذا تكون توكل كرمان نسويةً على طريقتها

وهي أيضا حصيلة التصاقب الشره بين الاسلاموية والليبرالية العابرة للتحالفات

  أمام العقلية المنكسرة والمهزومة وغير المنتظمة — وهذه عيوب اليمنيين — ينتظر اليمنيون بطلًا مثاليًا متجاوزًا إنسانيته بكل مثالبها وكبواتها، وينتظرون مخلّصًا بقدرات خارقة يقشع عنهم غشاوة العجز في النظر والتقاعس عن الفعل

ينتظر اليمنيون من توكّل أن تظلّ على وتيرة واحدة، تعمل فيها إلى ما يقع وراء الإيثار — تعمل حتى تفنى

البطل في عيونهم هو الذي يموت، لأن النهاية المنطقية للبطل هي حتفه، وإلا فإنه ليس بطلًا، لأنه دون الموت -المعنوي أو المادي - بطبيعته سيكسب من مواقفه وأفعاله ويتعاظم رصيده، وهذا منافٍ لصورة البطل

البطل في عقولهم يجب أن يمضي نحو نهاية تراجيدية

هذا لم يحدث لتوكّل

تحوّلت من فردٍ إلى مؤسسة؛ حصلت على دعم ومال ورصيد معنوي

أمام سيل النقد الذي لم يغادر دوائر الاستقطاب المتولّدة عن 2011، ومع سقوط بعض هذا النقد في شخصنةٍ حادّة لتوكّل — وقد أسهمت كثيرًا في إذكاء هذه الشخصنة بتفاعلاتها الآنية واستسلامها لإغراءات الردود على وسائل التواصل الاجتماعي — أفلتت لجام غضبها، وأصبحت واحدةً منا

تصرّفت مثلنا

 عاكست صورة البطل البعيد وغير المتاح

 ليست توكّل فقط هي من لم يغادر لحظة 2011 باعتبارها لحظة مجد غير قابل لإعادة الانتاج أو الإثمار والتطوير ؛ كل خصومها لم يغادروا تلك اللحظة، إلى درجة إلصاق حدثٍ جماهيري مثل 2011 بصورة توكّل، كما لو أن الشعب غير موجود

كلّ واحدٍ ساهم في “أيقنة” هذه اللحظة التي كان ينقصها زعيم أو صورة، كما لو أنّ الشعب غير موجود

وباتت الكتابة الناقدة والموضوعية عن توكّل صعبة سيما ووسائل التواصل الاجتماعي تفتح للناس نافذة افراغ مشاعر -حبا أو كراهية - أكثر من النظر في الحدث أو الإنسان نظر العقل