د. مصطفى الجبزي : هل يطوي الثنائي طارق – عيدروس مجلس الثمانية؟

منذ 14 ساعات

د

مصطفى الجبزي قادت أحداث محافظات الشرق اليمني إلى إعادة فرز للقوى السياسية-العسكرية المنضوية تحت جلباب الحكومة الشرعية، وأمام تواري مختلف القيادات والجماعات بزغ نجم تحالف ثنائي الرأس، هو تحالف عيدروس الزبيدي، زعيم المجلس الانتقالي المطالب بانفصال جنوب وشرق اليمن، وطارق صالح، زعيم الكتلة القتالية المتمركزة في مدينة المخا والمنحدر من قيادة عسكرية يمنية وحدوية

كان خطاب الإثنين في هذه الفترة منسجماً، وكانت أدواتهما الإعلامية تتراصف انسجاماً في الموقف تجاه ما دار في محافظتي حضرموت والمهرة، والمتمثل باستيلاء قوات الانتقالي على المحافظتين، رافقه انتهاكات صارخة بحق عسكريين ومدنيين من حضرموت ومن خارجها شملت صدمة في الضمير اليمني

الحرب لمعالجة الافتقار للشرعية الشاملة أعاد الزعيمان الحديث عن ضرورة محاربة الحوثي، جاعلين من هذا الهدف اتجاه بوصلتهما

فلماذا هذا الاتفاق الكبير على هذا الهدف، وجعل التلويح بالمعركة أولوية خطابية في هذه اللحظة؟حصر عيدروس الزبيدي شرعيته في كونه قائداً عسكرياً بدأ نضاله المسلح من محافظة الضالع في وقت مبكر ضد نظام صالح، الذي ينحدر منه عضوياً ومؤسساتياً طارق صالح

واقتصر نضال عيدروس على استعادة دولة الجنوب التي ذابت قانونياً في دولة الوحدة، وبهذا فإن شرعيته لم تمتد يوماً ليكون زعيماً يمنياً

أما طارق، فإنه يتطور في لحظة تجميد للمعركة مع الحوثي، وبهذا فإنه محصور جغرافياً في مدينة المخا، ويستمد حضوره من مقدار إدارته للمشاريع الخدمية التي تمضي بإرادته في منطقة محرومة تماماً من خدمات الدولة

بمعنى آخر، فهو يعاني من حصار سياسي يحد نفوذه ويغدي شرعيته من المشاريع الخدمية في نطاق جغرافي ضيق جداً

الإمارات دولة الحرب خلال سنوات الحرب في اليمن، استطاعت دولة الإمارات، التي تتبنى هذين الزعيمين، أن تصنع لنفسها صورة المحارب الشرس، وكانت سياسياً تقف في مرتبة تالية للسعودية المتزعمة للتحالف العربي في اليمن

بل إن السعودية، منذ بضعة أعوام، تعمل على أن تموضع نفسها في مرتبة الوسيط للخروج من المستنقع اليمني، ولهذا فإنها تتحول من دولة محاربة إلى دولة وسيطة، وتكبح الحرب في اليمن

طارق وعيدروس يريان أنفسهما في إطار ضيق لا يسمح بالتحول إلى ساحة يمنية عبر السلام

لذا يتكئ كل من طارق وعيدروس على مبدأ محاربة الحوثي ليحصل هذا الثنائي على الشرعية اللازمة لوجودهما السياسي اليمني، وهذا أمر مفهوم

وهما بهذا الموقف يمثلان النقيض الموضوعي أولاً للسعودية، ولكل من تدعمه، عندما قررت عدم الاستمرار في الحرب، وإنما الذهاب في مسار التفاوض وإرساء خارطة سلام مع الجماعة الحوثية

ثانياً، هذا الثنائي الجديد، إذا ذهب بإرادته إلى استئناف الحرب ضدا لرغبة السعودية، فإنه لن يطوي فقط صفحة الهدنة التي استقرت منذ 2022، بل كل المؤسسات التي حملتها تلك الهدنة بعد اتفاق نقل السلطة

بمعنى آخر، ظهور هذا الثنائي يعني انتهاء مجلس القيادة وظهور قيادة ثنائية، تلبي التصور الكامن في مخيال كثير من الفاعلين الإقليميين والدوليين حول اليمن وانقسامها في ثنائيات؛ إحداهما مذهبية زيدية شمالية، والأخرى جنوبية شافعية لإدارة المرحلة القادمة

وهذا الثنائي يعطي صورة عن تمثيل جغرافي-سياسي لليمن الشمال والجنوب فقط، ولا يأخذ بعين الاعتبار التعددية السياسية ولا التعددية الجغرافية، ويلغي المشرق والمغرب اليمني على السواء

وبعد أن استولى الانتقالي على حضرموت، فلم تعد هناك حاجة للبحسني، وسيتراجع دوره في أحسن الأحوال إلى موقع ثالث أو أدنى في المجلس الانتقالي

وربما لم يدرك هذه النقطة حين شجّع على انتقال السيطرة في محافظة حضرموت إلى الانتقالي ونسي نفسه

على أن التحول الجوهري المتسارع في قيادة الطرف المناهض للحوثي يأتي من كون هذا الثنائي يتبع للإمارات، أي للبلد العازم على الحرب طالما أن القضاء على الحوثي يمثل مطلباً محلياً، لكنه أيضاً مطلباً دولياً تدعمه أمريكا وإسرائيل على وجه التحديد وبقوة، على عكس السعودية، البلد الذي كان عازماً على عدم خوض الحرب

يمثل هذا الثنائي طي صفحة تلك الاتفاقات المؤسسة لمرحلة الهدنة، وهذا يقتضي القضاء أو التجميد أو التهميش، ناهيكم لنصف اعضاء المجلس،  لأحد مكونات المجلس الرئاسي، وهو حزب الإصلاح

ما حدث في حضرموت يصب في هذا الهدف المتمثل بإزاحة أي طرف ينتمي إلى العهد السياسي السابق

وربما تنتهي ممانعة السعودية لهذا التحول عند الاحتفاظ بنفوذ في هضبة حضرموت وتأمين الكتلة المسلحة في مأرب، وهذه ليست أكيدة

يحظى كل من عيدروس وطارق بمنافذ جوية وبرية تتيح لهما الاتصال بالعالم الخارجي والحصول على الإمدادات على العكس من مارب التي تجد نفسها محرومة من منفذ إلى البحر ومن مطار آمن

بل أن لعيدروس الكلمة العليا لسيطرة المطلقة على محافظات الجنوب والشرق

 في الترتيبات المتوقعة لتولي هذا الثنائي لدفة المرحلة القادمة، لن تكون هناك شراكة واسعة (حزبية) متعددة، إنما قيادة برأسين، قد يأخذ فيها عيدروس المنصب الأول، ويأخذ فيها طارق المنصب الثاني لمحدودية قطاعه الجغرافي

وسيكون الحل أيضاً تشكيل حكومة تكنوقراط أو تقاسم ثنائي بين طارق (الذي يمثل أيضاً نصيب المؤتمر المتشظي) وكتلة عيدروس

وقد يستمر بن بريك رئيساً للوزراء

لكن يبقى السؤال: ماذا عن مأرب؟سيحتفظ سلطان العرادة بموقعه القيادي في محافظة مأرب

إلا ان المحافظة التي كان بوسعها ان تتحول على عاصمة فعلية لليمن او كتلة عسكرية وسكانية شمالية موازية لثقل عدن الانتقالية ستتعرض لمضايقات شديدة لتقييد نفوذ الإصلاح، طالما لا توجد قوة بديلة مأمونة تحل محل القوات المقاتلة والأمنية المدافعة عن مأرب

دون استبعاد  تحظى مأرب بحماية سعودية خاصةفي حدها الادنى، شريطة أن تمتثل للعهد الجديد

لن نتحدث عن تعز، لأنها أقل من أن تعبر عن مكون وازن في كانتونات السيطرة، وحصارها يكفي لتطويعها

ونظرا لعجز النخب اليمنية الفاضح وحالة الشلل للنخب الشمالية تحديداً ومثلها النخب الشرقية عن فعل شيء فإن تحقيق هذه التوقعات يرتبط بالدور السعودي وهامش المناورة المتاحة للمملكة وما ستحصل عليه من ضمانات