راعية الإبل وحلم الجامعة

منذ 2 أيام

منذ طفولتها ومن وسط البادية المأربية المعروفة بقساوتها، حملت نمرة ابنة مجزر شمالي مأرب، حلمها معها رغم الظروف الصعبة والعقبات التي عاشتها طيلة حياتها، حتى تحقق ذلك الحلم ونالت الشهادة الجامعية من جامعة إقليم سبأ، بعد أن تجاوزت جبالًا من المعاناة، وسجلا من التضحيات الكبيرة

تقول بطلة القصة: بدأت تعليمي بمشقه وعناء، أعيش في الريف مع رعي الإبل، ورغم ذلك كنت أدرس يوم وأرعى يوما آخر

استمرت على هذا الحال، تحمل نفسها على العزيمة رغم كل المثبطات من حولها حتى أنجزت مراحل التعليم الأولى وصولًا إلى نهاية مرحلة الثانوية العامة

 لم تتوقف أو يغب عن ذهنها حلم التعليم الجامعي، حتى بعد أن تزوجت

وكسائر النساء بات لديها مشاغل ومسؤوليات أخرى، مع بداية مشوار جديد في حياتها بتكوين أسرة، حيث الزوج والأولاد والمنزل، فلا زال الطموح والحلم في إكمال تعليمها يلاحق نمرة ولا ينفك عن تفكيرها

بداية المشوارتقول بطلة قصتنا، إن والدها كان ينمي طموحها ويشجعها، حتى آخر لحظة من حياته، فقد اصطفاه الله والتحق بركب الشهداء، إلا أن زوجها هو الآخر الذي كان يعمل لدى أمن المنشآت في مأرب، استمر في دعمها ومساندتها

ورغم أن منزلهم في مجزر، يبعد عن الجامعات والمعاهد العليا التي تطمح بالالتحاق بها، لكنها لم تتخل عن حلمها وطموحها

كانت فرحتها كبيرة وغامرة عندما وافق زوجها لها بأن تلتحق بجامعة إقليم سبأ، لتشد الرحال إلى مدينة مأرب، وكان لها أن سجلت في الجامعة

كانت نمرة تذهب للجامعة الـ 6 صباحًا وتعود الـ4 مساء

وفي سنتها الجامعية الأولى أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث التحق زوجها هو الآخر بركب الشهداء مع بداية امتحانات نصف العام الأول، لتبدأ عواصف الحزن والفقد تغمرها مجدداً، لتضطر إلى وقف القيد في الجامعة

ورغم هذا إلا أن حلمها لم يتوقف

مرحلة جديدةبعد عام من وفاة زوجها، بدأت الترتيب من جديد لاستكمال مشوارها والمضي نحو تحقيق طموحها، لتظهر أمامها جملة من العقبات والصعاب، إذ كيف لها أن تواصل درب التعليم الجامعي وأمامها مسؤولية رعاية وتربية ستة أبناء باتت لهم الأب والأم، وكيف يمكن أن توفر لها ولأبنائها سكن قريب من الجامعة؟

تلاطمت أمامها أمواج من العقبات والهموم، إلا أنها اتخذت القرار الحاسم، أمام تلك التحديات، لتأخذ لهم خيمة وتسكن في مخيم (الجفينة)، وفي منطقة هي الأقرب إلى الجامعة لتتخطى بذلك أهم عقبة كانت أمامها الاستقرار

لم تسلم بطلتنا من سهام المثبطين ممن يعرفونها، تلك السهام التي كانت تحاول النيل منها والحيلولة دون استكمال طريقها، حتى كادوا أن ينالوا منها، لولا فضل الله، تقول نمرة

وتضيف: كنت استخير الله، وأدعوه وأطلب منه العون والثبات، حتى تجاوزت كل ذلك

الخيمة تحترقتوالت العقبات على بطلة القصة، فقد احترقت خيمتهم ومسكنهم بالكامل مع بداية العام الدراسي الثاني، ليعود معها المثبطين لثنيها عن حلمها، وترد عليهم قائلة بأن كل هذا ابتلاء، رغم الوجع والقهر الذي كان يعتصر قلبها وهي ترى صغارها يصرخون أمام منزلهم(الخيمة) والنيران تتصاعد منه والدخان يغطي الأجواء

وفي غمرة الألم أنشدت بعض الكلمات الشعرية تعبر بها عن حالها قائلة: أدعي الله ناديته وأنا وحدي

من جور مابي تعبت وخاطري زعلان

 يا وقت هون علي ما كان ذا قصدي

 كم با تحمل وقلبي قطعه لحزان

 خرجت للعلم أريد الخير من جهدي

ومن خرج في سبيل الله ما يهتان

 قالو لي الناس ماشي فايدة ضني

لازم تجي عند جهالش وهو لحسان

 عاهدت الله ان ابقا على وعدي

 ما طالب العلم يصبح عندنا خسران

 مهما تعرقلت لا زال الأمل عندي

ابني اجيال في شعب اليمن شجعان

الحلم يتحققرغم الصعوبات والعقبات التي واجهت نمرة، إلا أنها استطاعت تجاوزها، حتى تحقق الحلم وجاء يوم التخرج، حاملا معه كل ألوان الفرحة

تصف هذه اللحظة بأنها سرور لا يوصف، وفرحة لا تسعها الدنيا، رغم أنها كانت ممزوجة بالحزن على والدها وزوجها الشهيدين، اللذان كانت تتمنى أن يشاركوها فرحتها

وقد شاركها فرحة التخرج أمها واخوانها الذين تحملوا مشقة السفر

ورغم انشغال إخوانها بمعركة الدفاع عن بلادها المحاصرة من قبل مليشيات الحوثي، إلا أنهم لم يتركوها وحيدة، وهنا اكتملت فرحتها بهم

تقول نمرة: ها أنا ذا أتسلم شهادة التخرج، وأتلقى آيات التهاني والتبريكات، فقد تخرجت ابنة مجزر، راعية الإبل، من الجامعة