رعب الكلمات يحاصرهم.. «المتأتئون» ضحايا مجتمع ساخر

منذ 2 ساعات

الضالع – نائف الحساني “أن يصبح التفكير بالنطق مأساة تفكر به يوميا، تفكر كيف أتجاوز تنمر المجتمع ومسخرة أستاذ المدرسة” هكذا أفتتح العشريني عزالدين يحيى، من مديرية الحشا، مجافظة الضالع، وسط اليمن

يقول عزالدين لـ«المشاهد»: عندما أصبح المعلم يقلد تأتأتي أمام الطلاب ليضحكهم، كنت وكأني أتحمل جبالًا من الإحباط والقلق، وتنهزم ثقتي بنفسي، ما ديفعني للعزلة الاجتماعية؛ خوفًا من صعوبة التعبير

و”التأتأة”، حالة تشكل تحديًا كبيرًا للمصابين بها، وهي ليست مجرد مشكلة تتعلق بالنطق، بل تجربة معقدة تؤثر في جوانب مختلفة من حياة المصابين، وتعيق سلاسة حديثهم

وتتفاقم المأساة بسبب أشخاصٍ يتخذون من التنمر سلاحًا لإيذاء ضعاف النفوس، وكأنهم لا يعرفون المدى الذي تتسبب به كلماتهم الجارحة، بينما يتطلب لسان المتأتأ صبرًا وقوة للمواجهة

كان عزالدين يحلم بمواصلة دراسته الإعدادية والثانوية لكن “التأتأة” جعلت من كل كلمة تنفلت من شفتيه تمر برحلة شاقة، فظل يُحجم عن المشاركة في الفصل المدرسي أو الرد عن أسئلة المعلم

“التأتأة”، حالة تشكل تحديًا كبيرًا للمصابين بها، وهي ليست مجرد مشكلة تتعلق بالنطق، بل تجربة معقدة تؤثر في جوانب مختلفة من حياة المصابينويضيف متنهدًا: عندما أقف أمام الطلاب، أرقب ابتساماتهم وتفاعلاتهم، ماذا لو استطعت أن أحدثهم دون عائق؟ أتساءل في نفسي

ولكن، للأسف، كانت السخرية تتسلل إلى أذني كخنجر، حيث كان بعضهم يضحك ويتنمر: “هيا، اجلس بس” صرخات يتردد صداها في أعماقي متأرجحةً بين الألم والتحدي

إنخراط مدرسي ونجاح مهنيالتنمر على المتأتِئين هو فعل غير مبرر، يمسّ كرامة الإنسان ويجعل المرء أسير تجاربه المؤلمة، وكثيرًا ما يختار البعض السخرية، ويجهلون كم من الصعوبات يواجهها أولئك الذين يعانون منها

فالخجل يسكن في قلوب المتأتِئين، ونظرات الاستهزاء تجعل جراحهم عميقة ودائمة، وتجبرهم على الانعزال والانطواء، بل ويبتعدون عن الحياة الاجتماعية

يقول عزالدين: “تركت المدرسة في الصف الخامس؛ لإنهزامي أمام تأتأتي، لكن لن أتركهم يحبطونني في حياتي العملية”

التنمر على المتأتِئين هو فعل غير مبرر، يمسّ كرامة الإنسان ويجعل المرء أسير تجاربه المؤلمةكان يحث نفسه للانتصار على عقبات الحياة، فبدلًا من الاستسلام، قرر الانطلاق في رحلة لاكتشاف قوته في إحدى محلات الخياطة حاملًا الأمل والشجاعة معًا

وبينما كان يهتم بتعلم الخياطة وكي الملابس، وبتعامله مع الزبائن، ودعم أصدقائه، بدأ عزالدين برؤية الأمور من منظور آخر، إذ اكتشف أنه لم يكن بمفرده بعد الآن، وانضم إلى مجموعة الناجحين يمضون محو أحلامهم وطموحاتهم، ويقفزون فوق الحواجز معًا

عزالدين يرى أن الطريق طويل، لكنه يستحق العناء، داعيًا إلى شغل قلوب المتأتئين بالأمل، وجعلهم يدركون أنهم ليسوا وحدهم في معركة الكلمة، بل يحملون داخلهم القوة لإحداث التغيير، ويصبحوا رموزًا للتحدي والإصرار

مسئولية مؤسسات المجتمعيقول أخصائي نطق وتخاطب، دكتور صادق عبدالله: إن على المجتمع التعاطف مع المتأتئين، وخلق فضاء للتعبير عن أنفسهم دون خشية من اللوم أو الاستهزاء

ويضيف لـ«المشاهد» أن الدور هنا لا يقتصر على الأفراد، بل يتعداه إلى الأنظمة التعليمية والإعلامية، التي يمكن أن تكون حاسمة في نشر المعرفة وفهم طبيعة التأتأة

وأوضح أخصائي النطق أنه يمكن للمؤسسات التعليمية تطوير برامج لدعم الطلاب ذوي التأتأة، وتشجيعهم على مواصلة التعليم والعمل، وذلك من خلال التدريب على فنون الخطابة والتعبير الإبداعي، ودفعهم للمشاركة في الأنشطة الفنية والثقافية عبر توفير مساحة آمنة للتواصل، حيث يُحتفى بالتقدم بدلاً من الانتقادات

على الأنظمة التعليمية والمؤسسات الإعلامية، التي يمكن أن تكون حاسمة في نشر المعرفة وفهم طبيعة التأتأةويتابع: مع مرور الوقت، على المتأتئين إدراك أن قوتهم تكمن في تحدياتهم، فالكلمات المتعثرة لا تعبر عنهم، بل الإرادة هي التي تُحركهم لتجاوز الحواجز

معتبرًا أنهم في كل مرة يتحدثون فيها، يمتحنون أنفسهم، ويفتحون الأبواب على مستقبل يتعانق فيه النجاح مع التعبير الشخصي

تثقيف نفسيمن جانبه، يقترح الأخصائي النفسي، دكتور محمد سلامة، حلولًا يرى أنها ممكنة لهذه التحديات، تبدأ من نشر الوعي والتثقيف حول التأتأة، ووجوب حصول المتأتئين على الدعم النفسي والتحدث عن مشاعرهم

وأضاف دكتور سلامة لـ«المشاهد»: ينبغي التركيز على تذكير المتأتئين بقدراتهم ومواهبهم المتعددة، وليس بعجزهم، بالإضافة إلى دعم العائلة والأصدقاء، وخلق بيئات مشجعة في المدرسة والعمل

كل ذلك بنظر الأخصائي النفسي يمكن أن يسهم في تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتشجيعهم على المشاركة في أنشطة عامة أو تعليمية، ما يساعد في بناء مهاراتهم تدريجيًا

الحلول المفترحة لتجاوز هذه المشكلة تبدأ من نشر الوعي والتثقيف حول التأتأة، ووجوب حصول المتأتئين على الدعم النفسي والتحدث عن مشاعرهمويواصل: الضغط الاجتماعي المحيط بهم من أخطر العوائق؛ مما يجعلهم يشعرون بالخجل والقلق عند التحدث أمام الآخرين، و قد يواجهون صعوبة في الحفاظ على التواصل الاجتماعي والعلاقات بسبب خوفهم من الحكم المسبق

الأخصائي النفسي حذر من استبعاد المتأتئين من الفرص التعليمية والمهنية، الذي يمكن أن يكون عقبة كبيرة، حيث قد يؤثر ذلك سلبًا على مسيرتهم المستقبلية

يذكر أن العالم يحتفل اليوم، الـ22 من أكتوبر/تشرين أول الجاري باليوم الدولي للتأتأة؛ بهدف تسليط الضوء على معاناة المتأتئين

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير