رماح الجبري : مكاشفة البخيتي.. بين وهم الدولة وحقيقة المليشيا
منذ 13 ساعات
رماح الجبري تحاول بعض القيادات الحوثية الحديث باسم الدولة ولبس لباسها، إلا أن الحوثية التي اجتاحت العاصمة صنعاء ودمرت مؤسسات الدولة وألغت كل ما له صلة بالدولة من دستور وقانون ومؤسسات، وحولت العاصمة صنعاء إلى سجن كبير يعيش فيه المواطن اليمني بين الخوف والجوع والانتهاك اليومي للكرامة الإنسانية
في نص له بعنوان مكاشفة تحدث محمد البخيتي عن مقومات الدولة وكتب ثلاثة منها، وجميعها تتناقض مع واقع المليشيا الحوثية، كون الدولة التي يتحدث عنها البخيتي أو ينشدها لا علاقة لها بالهوية الوطنية اليمنية، لأنها تستبدل الهوية الوطنية القائمة على الحرية والكرامة والعدالة والمساواة والتنوع والشراكة بهوية تسميها الهوية الإيمانية قائمة على ما تسميه الحق الإلهي في الحكم، الذي يكرّس العنصرية ويعزز الطبقية والطائفية، ويرسخ الطاعة العمياء لعبدالملك الحوثي باعتباره قائداً بأمر من الله، وتربط الإيمان الحقيقي بالولاء له، بحيث من يعارضه يعتبر عدوا لله
ولذلك فإن جوهر المعركة الوطنية ضد المليشيا الحوثية هي معركة هوية وانتماء ودفاع عن القيم والمبادئ التي عاشها اليمنيون بعد ثورة 26 سبتمبر عام 1962م
أما حديث البخيتي عن أن الخلاف اليوم لم يعد على شكل الدولة ونظامها بل على وجود الدولة، ففي هذه الحالة هو بحاجة إلى أن يرى نفسه وجماعته في مرآة الدولة، كونهم يعكسون واقع اللادولة ويتصرفون كعصابات مليشاوية تقتات من الفوضى والحرب، وتتغذى بغياب النظام والدستور والقانون، وتمارس أبشع الجرائم دون رادع
مفهوم الدولة بالنسبة للحوثي أنها أداة يستخدمها للسيطرة على الناس ونهب الموارد، وأن المناصب تُمنح على أساس الولاء للسلالة لا الكفاءة، وأن عبدالملك هو الدولة لا يُسأل عمّا يفعل، وأن الولاء والطاعة للحوثي هما معيار لتطبيق القوانين، ناهيك عن ربط مصير اليمنيين بالمشروع الإيراني، وأن مصالح إيران في المنطقة مقدمة على أي مصالح يمنية
لا يكف الحوثيون عن ترديد كلمة السيادة بما فيهم محمد البخيتي في مكاشفاته او بالاصح مغالطاته رغم أنهم أكثر من انتهك السيادة ووأد معناها، كونهم يتسلحون بسلاح إيران ويصرخون بشعارها ويدافعون عن مصالحها ويقررون بما يخدم اجندتها، ويتلقون التعليمات والأوامر الإيرانية عبر معاونهم الجهادي، وحولوا اليمن إلى منصة أو جبهة متقدمة للدفاع عن مصالح إيران، ودفع اليمن ثمناً باهظاً من مقدراته نتيجة التبعية والانصياع الحوثي لأوامر طهران
الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن إيران لم تساند اليمنيين خدمياً أو اقتصادياً أو إغاثياً، وكل ما قدمته هو أسلحة متفجرة وشعارات وأموال وتدريبات للقيادات الحوثية، والمقارنة بين الدور الإيراني في اليمن مع الإسناد السعودي للحكومة اليمنية تكشف الواقع والحقيقة بين من يرسل أدوات الموت ومن يقدم مقومات الحياة
ثم إن الممارسات الحوثية بحق اليمنيين من قتل واختطاف وتعذيب وقمع وتنكيل ومصادرة للحقوق، إضافة إلى التجويع الممنهج ومحاربة التعليم وتدمير الخدمات، تؤكد أن الحوثية أداة تدميرية ونقيض تماما للدولة بل نستطيع القول وبكل يقين إن صنعاء ومناطق سيطرة المليشيا الحوثية خاضعة للاحتلال الإيراني بأدوات يمنية، وأن الحوثية بحاجة إلى أن تثبت انتماءها لليمن، لأنها منذ سنوات تقدم مصالح إيران على المصالح اليمنية
في كل دول العالم يُقاس مفهوم الدولة بقدرتها على رعاية مواطنيها وتوفير احتياجاتهم من تعليم وصحة ورواتب تضمن لهم حياة كريمة، لكن عند الحوثي انقلب المفهوم رأساً على عقب، فبدل أن تكون الدولة في خدمة المواطن، أصبح المواطن هو من يمول دولة الحوثي ويدفع ثمن بقائها، وأصبحت سلطة الحوثي عالة على المجتمع اليمني وعبئاً أثقل كاهلهم وزاد من معاناتهم
لذلك، فإن معركة اليمنيين اليوم مع المليشيا الحوثية ليست مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل هي معركة وجود، معركة من أجل الدولة ومعنى الدولة، وهي مواجهة بين مشروع وطني يسعى لبناء دولة لكل اليمنيين، ومشروع كهنوتي يريد تحويلها إلى مزرعة تحكمها السلالة وتُدار بأوهام الحق الإلهي
هي معركة ضد محاولة الحوثي حرف مسار دولة الدستور والقانون إلى دولة السيد، لتختزل إرادة شعب بأكمله في أهواء عبدالملك الحوثي وأوامره
يجب أن يدرك اليمنيون على اختلاف توجهاتهم ومناطقهم أن لا دولة يمكن أن تقوم بوجود المليشيا الحوثية، ولا سيادة تُستعاد طالما القرار مرهون بطهران، ولا كرامة تُصان في ظل مشروع عنصري ينتهج التجويع ليُخضع الناس، وأن مستقبل اليمن يُرسم بإرادة الأحرار الذين يؤمنون بالجمهورية والحرية والمواطنة المتساوية